أمام حالة التخبط التقليدى (لبعض الثورات) التى نعيشها، يتساءل الإنسان: هل نحن معاقبون بما فعلنا وفعل السابقون علينا؟ لنجتهد سويا فى الإجابة عن هذا السؤال. ولنستعن ببعض المقولات التى قد تفيدنا. قال أفلاطون: «إن من يعزف عن المشاركة فى الحياة السياسية، فسيعاقب بأن يحكم بمن هم دونه، ومن لا يراعون مصالحه». وقال روسو: «حين يقول المواطنون إنهم لا يكترثون بشأن الدولة، فإنك يمكن أن تعتبر أن الدولة قد انتهت». وهو المعنى الذى أشار إليه أليكس دى توكفيل: «الدولة شركة قائمة على مساهمات أعضائها، ولو توقف الشركاء عن لعب دور الشريك، فستنهار». وقال الصادق، صلى الله عليه وسلم، «إذا رأيت أمتى تهاب أن تقول للظالم يا ظالم، فقد تودع منهم». وقال العقل الجمعى المصرى: «قالوا لفرعون لماذا تفرعنت، قال: اسكتبرت ولم أجد من يردنى». وفى معنى موازٍ: «المال السايب يعلم السرقة». إذن اغتصاب السلطة (الاستبداد) ومعه اغتصاب المال (الفساد) صفتان أصيلتان فى كل شعب يترك كامل أمره بيد من يحكمه دون رقابة أو مساءلة. إذن لقد أخطأنا فى حق أنفسنا يوم أن بادلنا فساد الكبار بفساد الصغار، تعاملنا مع الخطأ بالتطنيش، ومع الخطيئة بالتسامح، ومع التزوير بالتجاهل. ما يحدث الآن هو جزء من العلاج العقابى أو العقاب العلاجى الذى يشبه من يجرى عملية جراحية فى الرئتين لأنه كان شرها فى التدخين، فيحتاج المرء إلى عملية جراحية تنتهى إلى التخلص من الجزء الخبيث والإبقاء على كل ما هو حميد. يتطهر الجسد، ولكنه ككل تطهر له تكلفة يدفعها من يقع عليه العقاب العلاجى. وعلينا أن نكون أكثر ثقة فى أنفسنا، وألا نخطىء خطأ من يرى فيمن يخالفه وكأنه عميل أو مأجور أو مثل هذه الترهات. هذا مناخ «عك، وشك» كما قال لى أحد الأصدقاء. والجزء الخاص بالعك مفهوم، لأننا لم نكن مستعدين لهذه الثورة. ولم يكن أحد يعلم هذا الكم من المشاكل التى خلفها لنا السابقون. وهى مناخ شك لأن بنية العقل المصرى لم تدرب بعد على التفكير بمنطق أن الإنسان عليه أن يكون «صاحب رأى» وليس «صاحب الرأى» وليس «بلا رأى». كما كان يقول الزكى النجيب محمود. مصر قوية بل قوية جدا، والدليل بسيط للغاية: مع كل هذا الفساد والإفساد والاغتصاب والسرقة بالإكراه التى عاشها المصريون لسنوات طوال، لم يزل فيها هؤلاء المخلصون من أبنائها المستعدين لخدمتها بما يجعلنا ندرك أن الخير قائم وأن الشر زائل. وعلينا إن لم نصنع الخير، فعلى الأقل أن نمنع الشر.