«أشعر بحنين لا يمكن ترجمته مع أول عقد وقعته نيابة عن الجانب الكونغولى مع مصر.. وهو ما جعلنى أقبل بأى شروط، مقابل رجوع مصر إلى الكونغو بمشروعات التنمية الحقيقية التى يستفيد منها الطرفان».. بهذه العبارات القليلة بدأت مارى ألونجا، رئيسة مجلس إدارة شركة إفراتا القابضة الكونغولية، حديثها ل«الشروق»، مؤكدة ترحيبها بالدخول فى شراكة اقتصادية وتنموية حقيقية مع الجانب المصرى. «ألونجا» ترأس أكبر شركات القطاع الخاص فى الكونغو، وتعمل مع الحكومة الكونغولية فى مشروعات تنمية المجتمع الكونغولى، تحدثت عن عودة مصر إلى أفريقيا، فى ضوء المشروعات التى جمعتها مع الشركات المصرية، ورؤيتها عن استثمار هذا التعاون فى خدمة الدول الأفريقية. تقول إن مصر خسرت فى العقود الأخيرة فرصا استثمارية ضخمة، نتيجة غيابها عن دول حوض النيل، وخاصة الكونغو، التى تمتلك العديد من المقومات الطبيعية القادرة على إنجاح أى مشروع استثمارى، فالكونغو لديها طاقات وموارد طبيعية هائلة غير مستغلة، بحسب قولها. أشارت ألونجا إلى أصولها المصرية، وانتماء أجدادها لشمال النوبة، وهو ما جعلها تشعر بنوع من الحنين فى التعامل مع المصريين، فضلا عن وجود نوع مختلف من الحوار يستند على احترام الطرف الإفريقى، وهو ما دفعها إلى التغاضى عن أى شروط يضعها الجانب المصرى فى الاتفاقيات، لتأكدها من أن «المصريين لم يأتوا لسرقة ثروات الشعب الكونغولى». وأكدت أن وجود مصر فى السوق الكونغولية يعنى تقاسم المنفعة والمكاسب بين البلدين، وهو ما قد يسهم فى القضاء على البطالة فى الكونغو، وتشغيل المزيد من الأيدى العاملة، كما أن الضرائب المفروضة على المشروعات ستمكن الحكومة هناك من ضخها فى مشروعات التنمية التى تفتقدها الكونغو. تشير ألونجا إلى عدد من القطاعات غير المستغلة فى الكونغو، مثل قطاع التعدين والاتصالات والزراعة ووسائل النقل والمواصلات، تقول: «من المعروف أن مصر تمتلك الخبرة الفنية فى هذه القطاعات المطلوب تنميتها فى الكونغو، وهذه الخبرة كانت السبب الرئيسى فى الموافقة على دخول القطاع الخاص المصرى كشريك للكونغو فى تنمية هذه القطاعات». وتشمل الاتفاقية التى وقعتها شركة أفراتا القابضة ممثلة للكونغو، وشركة «ساركو عبر البحار» الممثلة للجانب المصرى فى 24 يناير الماضى، مشروعات للتعدين عن الذهب والماس، والتنقيب عن البترول، وإنشاء خط سكة حديد، وشركة اتصالات، وخط طيران مباشر من القاهرة إلى كينشاسا، ومشروعات للسياحة السفارى فى الكونغو. ويوجد فى السوق الكونغولية عدد من الشركات الأوروبية والإسرائيلية التى تعمل فى التعدين وغيرها من المشروعات، إلا أن هذه الشركات لم تحترم الشعب الكونغولى، بحسب قولها، وحقه فى الحصول على نصيب مادى مقابل استغلال أرضه وموارده الطبيعية، فضلا عن وضع شروط مجحفة للجانب الكونغولى مقابل موافقة هذه الشركات على الدخول فى استثمارات. وأكدت ألونجا أن التعامل مع الشركات المصرية كان مختلفا بدرجة كبيرة عن آلية عمل الشركات الأجنبية، فى الوقت الذى يشترك فيه الجانبان المصرى والكونغولى فى نفس الأوضاع والظروف المجتمعية، موضحة أن أولى نقاط الاتفاق جاءت من الحوار مع الشريك المصرى ووضع الشروط والتسهيلات من الجانبين، وهو ما كانت تفتقده الشركات الكونغولية فى تعاملها مع أى شريك أجنبى، للوصول إلى حلول وسطية ترضى جميع الأطراف، وحصول الكونغو على نسبة مرضية من مكاسب الاستثمار. ووفقا لألونجا، فملامح الثورة المصرية بدأت تتضح فى مزيد من المرونة فى التعامل مع الشريك الأجنبى، وأنها بداية حقيقية لتفعيل التعاون مع إفريقيا، ولكنها فقط كانت سببا فى تأخر تنفيذ بعض المراحل للمشروعات المتفق عليها، بسبب اضطراب الأوضاع الأمنية فى مصر التى أعقبت قيام الثورة. وتضيف: «تأثير نجاح المشروعات المصرية فى الكونغو سيكون مؤشرا قويا على تغيير الصورة الذهنية عن مصر لدى دول حوض النيل وتشكيل صورة إيجابية، والتى ستدخل مستقبلا كشريك أساسى وقوى فى دعم مشروعات التنمية بدول حوض النيل، وهو ما سيشجع باقى دول حوض النيل على الترحيب بوجود مصر على أرضها فى صورة مشروعات تنموية». ولخصت ألونجا العلاقة التجارية التى جمعتها مع شركاء مصريين بقولها إنها لم تجد رجال أعمال مصريين يتصارعون للحصول على نصيب الأسد من المكاسب، كما يعتقد الكثير من الأفارقة عن المصريين، كما أنها وجدت التوازن الذى لم يحققه الغرب الأوروبى فى العلاقات الاقتصادية مع الدول الأفريقية. «الرغبة فى التعامل مع مصر قديمة وهناك حلم دائم لتحقيقها ولكن عدم وجود فرص اتصال حقيقية ضمن منظمات اقتصادية إقليمية تجمعنا مع رجال أعمال مصريين حالت دون الدخول فى شراكة حقيقية خلال الفترة الماضية» بحسب ألونجا، مضيفة: «لم نطلب الدخول فى استثمارات مع المصريين لعدم معرفتنا بطبيعة التعامل معهم، وإمكان تحقيق ذلك التعاون، لكن كان هناك بعض التجارب للتعامل مع رجال أعمال مصريين من خلال بعض أصدقائى وهو ما شجعنى للدخول فى مفاوضات مع الجانب المصرى للتعاون المشترك، وتدشين مشروعات تنموية جدية فى الكونغو، والآن أستطيع القول إن مصر توجد رسميا فى الكونغو وإننى أتعامل رسميا مع الشركاء المصريين، فى ظل مرونة التعامل بعد الثورة المصرية». وتقول إن الاتفاقيات التجارية الدولية بين مصر والكونغو موجودة، كما يوجد العديد من بروتوكولات التعاون المشترك ولكنها غير مفعلة ولم تنفذ، فتوقيع الاتفاقيات ليس العائق أمام تنفيذ المشروعات ولكن ترجمة هذه الاتفاقيات إلى مشروعات حقيقية والتقارب بين الأطراف الموقعة على هذه الاتفاقيات هى المشكلة. يذكر أن مصر والكونغو عضوان فى منظمة الكوميسا، وبينهم عدد من بروتوكولات التعاون المشترك لم تنفذ بشكل مستمر ودائم، إلا اتفاقية تدريب مهندسى الزراعة وعناصر من الجيش والشرطة الكونغوليين فى مصر، وهى الاتفاقية التى وقعها الرئيس المصرى الراحل، جمال عبدالناصر واستمرت حتى الآن. واستبعدت ألونجا أن يكون غياب الاتفاقيات التجارية والاقتصادية المشتركة عائقا فى تنفيذ المشروعات المتفق عليها مع الجانب المصرى، لأن الحكومة الكونغولية تعتبر مصر دولة شقيقة، «ولن نسمح لأى عوائق بأن تعرقل تنفيذ المشروعات التى وضعت بالأساس لخدمة شعب الكونغو»، مؤكدة أن الحكومة الكونغولية لديها توجه إيجابى نحو تعزيز الوجود المصرى بأرضها. وأكدت مارى أن وجود مصر كشريك أساسى فى خدمة وتنمية المجتمع الكونغولى سيعطى صورة ايجابية عن العرب وتعزيز فرص التعامل معهم فى مشروعات أخرى، بدلا من التوجه إلى أوروبا والغرب الذى اعتاد عليه الأفارقة. وتعتقد أن الحكومة المصرية لديها نفس التوجه الإيجابى لتفعيل التعاون المشترك مع الكونغو، وهو ما لاحظته فى التعامل مع الشريك المصرى الذى كان يجد الدعم والقبول من حكومته، والذى اتضح فى الموافقات الرسمية المصرية على بعض المشروعات وتقديم الدعم الفنى وتوفير البيانات الفنية المطلوبة لعمل دراسات الجدوى، وهو ما اعطاهم ثقة فى القطاع الخاص المصرى الذى يتوافر لديه دعم حكومى.