شكل مقتل الشاب خالد سعيد نقطة تحول فى التاريخ المصرى، رغم أن الطريقة التى قتل بها والظروف المحيطة بالواقعة حدثت لمئات من المصريين قبل خالد فى وقائع رصدتها وحققتها المنظمات الحقوقية المصرية عبر أكثر من عقدين من الزمن، الفارق الذى أحدثة مقتل خالد هو أنه شكل صدمة للطبقة الوسطى، هذه الطبقة، التى عانت لعقود من الضغط الاجتماعى والاقتصادى والتهميش السياسى، وتحول هذا الضغط إلى حرمان من الأمل والحلم حتى بالحفاظ على مستوى معيشى ووظيفى محترم لأبنائها، لتواجه هذه الطبقة تقلص فى فرص المعيشة الكريمة، وظل عمل الأب والأم معا فى كثير من الأسر يعول الأبناء حتى بعد التخرج فى الجامعة لسنوات طويلة لا يتوافر فيها عمل أو مسكن، لكن هذه الطبقة ظلت صامتة تحت تأثير الدعاية الحكومية حول الأزمات الاقتصادية، متفهمة ومنتظرة تحسن موعود طالما أنها تعيش فى سلام، وظلت بعيدة عن العمل السياسى راضية بسياج وهمى من الحماية كان الخطاب الحكومى يروجه ألا وهو أن قانون الطوارئ لا يطبق إلا على الإرهابيين وتجار المخدرات. وأن حالات التجاوزات الأمنية أو التعذيب الذى تشير إليه الصحف والإعلام من آن لآخر هو أمر فردى وموجه للمنحرفين من الطبقة الدنيا أو ما يُقال عنهم المتطرفون الإسلاميون. إلى أن حدثت الصدمة بمقتل شاب الإسكندرية «خالد سعيد» على يد اثنين من أمناء الشرطة فى الشارع فى الحال، نتيجة الضرب المبرح والتعذيب القاتل، كانت الصدمة للطبقة الوسطى قاسية لاسيما أنها ظلت لعقود تعتقد أنها خسرت كل شىء إلا الكرامة والأمن، فخالد سعيد شاب ابن الطبقة الوسطى بامتياز. نموذج لكل أبن من أبناء هذه الطبقة فى عاداته وسلوكه وهواياته، خرج من منزله متوجها إلى ملتقى انترنت ككل أبناء هذه الطبقة، تقابل مع أمناء شرطة الذين تعتبرهم الطبقة الوسطى من الطبقات البسيطة، فلم يكونوا ضابط شرطة مما قد يساهم فى تفسير الواقعة كمشاجرة بين شباب، هى ليست معركة بين أبناء الطبقة الواحدة. بل هى نموذج لتجبر وتكبر كل من ينتمى إلى الأمن حتى ولو من الفئات المتواضعة. كانت واقعة كاشفة بأن التجاوزات الأمنية ليست فقط ضد المجرمين. وما عظم الصدمة هو تعامل الجهات المسئولة بدءا من الأمن الذى أولى حماية أفراد الشرطة أهمية وأولوية عظمى، ليطلق وابلا من الأكاذيب حول الشاب وسلوكه، إلى الطب الشرعى، الذى زوّر فى التقرير ليجعله توفى إثر بلعه لمخدرات، وإصرار الحكومة بكل جهاتها على التمسك بهذه الرواية. تعظم الإحساس بالأزمة والصدمة لدى الطبقة الوسطى تجاه الطريقة، التى قتل بها خالد سعيد والصمت المخزى والتخاذل المرعب والشلل التام، الذى أصاب كل من شاهد الواقعة ولم يتدخل أحد لينقذ الشاب من يد رجلين يقتلونه فى وضح النهار لمجرد أنهم من الأمن. لقد انتفضت الطبقة الوسطى دفاعا عن أبنائها الذين تخاذلت لعقود عن الدفاع عنهم. خرج كل بيت فى مصر ليدافع عن ابنه أو ابنته الذى رآه فى خالد سعيد، خرجت الطبقة الوسطى عن صمتها وغيابها، دعمها فى ذلك حالات الرفض الشعبى لنظام الحكم بالكامل نتيجة موروث طويل من ممارسة القهر والتعذيب التى تعرض لها المواطنون، لذلك رغم تكرار هذا الحادث عدة مرات سابقا قد تحولت هذه المرة إلى محرك أساسى لثورة سلمية. أمام فزع الطبقة الوسطى ولا سيما الشباب مما حدث تحولت صفحة كلنا خالد سعيد إلى أكبر محطة التقاء، حيث أصبحت خلال أيام أنشط وأكبر صفحة على الفيس بوك، وقد ساعد على نجاح الصفحة القواعد الصارمة التى وضعتها ذات الصلة بآداب الحوار والتركيز فى الموضوع، أيضا الديمقراطية الشديدة فى اتخاذ الآراء، مما جعل كل فرد على الصفحة يشعر بأن له دورا قياديا وليس تابعا. الأمر الذى أدى إلى استنفار الطبقة الوسطى الأغلبية الصامتة التى كانت ترى أنها بعيدة كل البعد عن أفعال النظام، وأن مقتل واغتيال شبابها يدق الأبواب التى كانت تظن أنها موصدة للأبد. ساهم فى نجاح الصفحة القدرة التنظيمية والدراسة النفسية، التى تمتع بها القائمون على الصفحة لطبيعة الطبقة الوسطى وعدم رغبتها فى المواجهة العنيفة ضد الأمن ربما نتيجة الخوف. مارس ناشطو خالد سعيد حربا شعواء بأن قام جميعهم بتغيير صور البروفايل الخاصة بهم على الفيس بوك وتحويلها لصورة خالد سعيد ثم أرسلوا فى لحظة واحدة طلبات صداقة لكل ضباط الشرطة ممن يملكون حسابا على الموقع الاجتماعى الفيس بوك لتبدأ فى لحظة أكبر مواجهة بين الشعب والشرطة ولو فى مجتمع افتراضى، وكان النزول من فضاء الانترنت إلى الشارع نزولا هادئا سلميا، بدأ بالدعوة للحداد على شواطئ الإسكندرية بملابس سوداء أيام المحاكمات، موجهين وجوههم للبحر لإقامة الصلوات على روح المغدور الصديق، فكانت هذه الدعوة مشجعة للكثيرين ليدفع أول خطواته المرتعشة فى الشارع، وليحصل على أول درس فى مواجهة الأمن، الذى لم يرض حتى على هذه الخطوة المتواضعة السلمية، ويتعامل معها بقسوة جعل الشباب أكثر صلابة وإصرار، نجحت هذه الوقفات السلمية فى كسر حاجز الخوف وفى جذب الإعلام التقليدى فى آن واحد، لتمتد بعدها إلى مناطق أخرى ولتضم المزيد من شباب هذه الطبقة، طبقة صمتت كثيرا وتحملت كثيرا لكنها قادت ثورة غيرت الخريطة السياسية ليس فى مصر أو المنطقة فقط وإنما فى العالم.