على الرغم من أن تجربة تمويل المشروعات الصغيرة بدأت فى مصر منذ أواخر الثمانينيات، وأنشأت الدولة صندوقا متخصصا فى تمويلها وهو الصندوق الاجتماعى للتنمية، فإن هذا القطاع لايزال بدون «أب روحى»، بحسب تعبير وزير المالية سمير رضوان، وهى القناعة التى قادت الوزير الى الاتجاه لإقامة جهة موحدة تشرف على هذا القطاع، لها ذراع تمويلية تتمثل فى بنك متخصص فى هذا القطاع، على غرار التجربة الماليزية. فما هى قصة بنك المشروعات المتوسطة والصغيرة الماليزى، والى أى مدى يمكن أن يحقق نجاحا مماثلا فى مصر؟ أنشئ بنك المشروعات المتوسطة والصغيرة الماليزى فى عام 2005، بعد دمج بنكين ماليزيين عاملين فى السوق فى كيان مصرفى جديد يتبعه بنك متخصص فى المشروعات الصغيرة. واستطاع هذا البنك عند بداية عمله تقديم تمويل للمشروعات الصغيرة بفائدة ميسرة للغاية، وصلت آنذاك إلى 3.75%، وتساهم الحكومة فى توفير التمويل للبنك لمساعدته على تقديم سعر الفائدة الميسر. واستهدف البنك دعم المشروعات الجديدة جنبا إلى جنب مع المشروعات القائمة، حيث يعد دعم المشروعات الجديدة من المهام التمويلية الصعبة فى هذا المجال. «أسعار الفائدة للمشروعات الصغيرة فى مصر تدور حول معدل 16%» يقول أحمد آدم، خبير مصرفى، مشيرا إلى أن ارتفاع تكلفة إقراض هذا القطاع تأتى مدفوعة بارتفاع التكاليف الإدارية لمتابعتها. «ما هى المشروعات التى تربح 20% على الأقل حتى يكون الاقتراض بفائدة 16% أمرا ذا جدوى؟»، يتساءل أسامة نفادى، رئيس جمعية الصفاء الاستثمارية بأسيوط، والذى يشكو من نقص تمويل المشروعات الصغيرة بمحافظته، والمنافسة القوية التى تواجه تلك المشروعات أمام نظيرتها الكبيرة، التى تتمتع بوفرة التمويل «قروض الصندوق الاجتماعى تصل إلينا بفائدة 12% ولمدد قصيرة تتراوح بين 3 و4 سنوات، بينما سعر الفائدة الذى نستطيع أن نتحمله لا يزيد على 6%، على أن تصل مدة القروض إلى 7 أو 9 سنوات». يأتى ارتفاع تكلفة القروض الصغيرة على الرغم من اتجاه العديد من البنوك لإنشاء وحدات متخصصة فى تمويل هذا القطاع فى السنوات الأخيرة، كبنوك مصر والقاهرة والأهلى وأبو ظبى الإسلامى، بالإضافة لظهور شركات متخصصة فى الوساطة التمويلية مع البنوك موجهة لهذا القطاع، كشركة «تنمية». ويقول عمرو أبوعيش، رئيس شركة تنمية: أعتقد أن توفير المزيد من المنافسة فى تمويل هذا القطاع سيساهم فى تخفيض تكاليف الإقراض». ويقترب حجم قطاع المشروعات المتوسطة والصغيرة فى مصر من نظيره الماليزى، حيث يزيد على 90% من إجمالى المنشآت، مقابل 99.2% فى ماليزيا، إلا أن القدرة التنافسية للقطاع المصرى مازالت متواضعة، حيث يقتصر نصيبه من مجمل الصادرات المصرية على 4%، بحسب تصريحات لنائب رئيس بنك مصر، وهو ما يسلط الضوء على أن التمويل ليس التحدى الوحيد أمام هذا القطاع ولكن هناك حزمة من الخدمات الداعمة للتنافسية يحتاجها لتطوير إمكانياته وهو ما وضعته ماليزيا على عاتقها عندما اتجهت إلى إنشاء بنك المشروعات المتوسطة والصغيرة. ففى ماليزيا، يحظى قطاع المشروعات المتوسطة والصغيرة الذى يتوقع أن ترتفع نسبة مشاركته فى الناتج الإجمالى من 31% فى عام 2005 الى 50% فى عام 2015، بحزمة متكاملة من الخدمات الاستشارية، حيث تضم الحكومة وزارات لا نعرفها فى مصر، كوزارة التنمية البشرية ووزارة للعلوم والتكنولوجيا ووزارة لريادة الأعمال والتعاون التنموى، تشترك مع وزارات أخرى كالتجارة الخارجية والصناعة، وأجهزة حكومية عدة فى تقديم خدمات بالغة التخصص للنهوض بهذا القطاع، فى إطار الاستراتيجية التى وضعتها البلاد منذ عام 2004، وأنشأت مجلسا للإشراف عليها، يضم أكبر المسئولين فى هذا المجال بالبلاد، ويرأسهم رئيس الوزراء. أما فى مصر فقد أعلن الصندوق الاجتماعى للتنمية عن استراتيجية قومية للنهوض بالمشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر بالتعاون مع الأجهزة الحكومية المختلفة فقط فى ديسمبر الماضى. وتشمل الخدمات التى تتمتع بها المشروعات الصغيرة فى ماليزيا، خدمات تسويقية، كبرامج لتنمية قدرات المشروعات على تصميم الدعاية وعلى تطوير أساليب تغليف المنتجات. هذا إلى جانب البرامج الحكومية الداعمة لقدرة تلك المشروعات على البحث والتطوير وعلى إدخال تقنيات تكنولوجيا المعلومات علاوة على إتاحة العديد من أدلة المعلومات على الإنترنت والتى تحتاجها تلك المشروعات فى تنمية أعمالها. وفى مجال الصناعة تقدم الدولة ما يعرف ببرامج «الربط الصناعى» بين تلك المشروعات مع المنظومة الإنتاجية للمشروعات الكبيرة، والشركات متعددة الجنسيات. ولا تكتفى الدولة الماليزية بتقديم الخدمات الفنية والقروض الصغيرة لهذا القطاع، ولكن يقدم البنك المركزى الماليزى خدمات استشارية لإعادة هيكلة ديونه المتعثرة. ويتمتع الصندوق الاجتماعى للتنمية فى مصر بشبكة واسعة الانتشار فى 28 محافظة، ويقدم خدمات للدعم الفنى فى مجالات كالتدريب والتسويق وتحديث تكنولوجيا الإنتاج، إلا أن تلك الحزمة لا توفر تلك الدرجة المتقدمة من الدعم الذى تحظى بها المشروعات الصغيرة فى ماليزيا، يقول فؤاد ثابت، رئيس الاتحاد النوعى لجمعيات التنمية الاقتصادية. «لا يوجد فى مصر خارج قطاع التمويل كيانات كافية لتحقيق أى جانب آخر من المساعدة للمشروعات المتوسطة والصغيرة» برأى أبو عيش، مشيرا الى وجود العديد من الجهات التابعة للدولة التى من الممكن أن تدعم المشروعات الصغيرة بشكل أفضل إذا تطور أداؤها مثل شبكة مراكز التدريب التابعة لوزارة الصناعة والتجارة الخارجية، والتى يصل عددها الى نحو 500 مركز. كما يشير ثابت الى أن المشروعات الصغيرة بحاجة الى تيسير إجراءات إصدار التراخيص، لتشجيع المنشآت العاملة منها للعمل بشكل رسمى، مما يمكنها من الحصول على التمويل.