* ما حدث يوم الثلاثاء 24 مايو 2009.. ليس غريبا علينا.. ولكنه قد يكون غريبا عليهم.. من نحن؟.. ومن هم؟ * قد يكون فى كل بيت مصرى مأساة إنسانية.. أو مشكلة طاحنة.. أو فقيد غال.. ولكن.. عندما أعلن الخبر الحزين.. توقفت كل الأشياء.. نسى كل الناس معاناتهم.. دقت قلوبهم دقة واحدة .. يا حبيبى يابنى. * شعروا أن الفقيد فقيدهم كلهم.. وأن البيت الكبير به مأساة.. فهبوا جميعا ليقدموا واجب العزاء لكبير العيلة.. فالأب أبوهم.. والابن أخوهم.. والصغير ابنهم.. ذابت كل الفروق.. وتوارت كل الخلافات.. تمزق قلب كل أم وكل أب وكل مصرى.. وأكاد أجزم.. بل أقسم وكلى ثقة.. أن أحدا من الذين هرعوا ليشاركوا فى المشوار الأخير الحزين لم يسع لإثبات وجود أو ظهور فى الصورة أو تسجيل مجاملة أو أى نفاق من أى نوع.. بل كان الحزن خالصا.. والواجب مقدما على كل شئ. * ما حدث سمة مصرية أصيلة.. أخلاق.. مشاعر.. هكذا تربينا.. يمر الكبير فنقف احتراما مهما اختلفنا معه.. لا نرفع صوتنا فى حضرته.. نهب لنجدة بعضنا البعض.. نواسى.. نحترم الحزن ونعطى للموت جلاله. نختلف وقد نتصارع.. ولكن وقوفا.. مواجهين بعضنا البعض.. الرأس فى مستوى الرأس.. والقامة مرفوعة.. فإذا ما سقط طرف أوكبا أو برك على الأرض.. يتوقف الخصم فورا.. ويمد يده ليرفع عدوه ويساعده على الوقوف مرة أخرى.. ألم يوقف صلاح الدين الأيوبى القتال عندما سقط ريتشارد قلب الأسد.. وذهب متخفيا ليعالجه.. حتى يعود قويا قادرا على المواجهة مرة أخرى.. هكذا نشأنا.. وهكذا تعلمنا. * ترى هذا جليا فى الكلمات التى تنزف دما.. والتى خطتها أقلام طالما اختلفت مع الكبير.. فجأة.. تحول ذلك المعارض الشرس إلى ابن وأب وأخ.. تقطر كلماته حزنا حقيقيا أصيلا.. ويمد كفيه ليربت على الكتف. * هذا ما عنيته بنحن.. المصريين.. أما هم.. فهم الآخرون الذين يحاولون العبث فى الهوية.. ويخططون خططا طويلة المدى لتغييرها إلى الأضعف والأسوأ والأكثر هشاشة.. احذروا.. فسوف تخيب مخططاتكم.. إن من يدرسون الشخصية المصرية يصلون دائما لنفس النتيجة.. لا يمكنك أن تحذر أو تخمن ردود أفعال الشعب المصرى فى كثير من المواقف.. وبالتالى لا يمكنك وضع مخططات لهذا الشعب لتغيير هويته.. فمهما تراءى لك أنك عبثت بالتركيبة المصرية ستأتى لحظة يهب فيها الشعب المصرى تجاه حدث ما ليأتى برد فعل غير محسوب على الإطلاق.. على الأقل من وجهة نظركم. * هؤلاء المصريون يعشقون هذا الوطن مهما ادعوا غير ذلك أو تظاهروا به.. لديهم مبادئ وأخلاق صعب تغييرها مهما أهيل عليها من تراب.. قد يصرخون ويجأرون بالشكوى من البلد وأم البلد والعيشة واللى عايشينها.. ولكن ما أن يهدد أمنها شئ.. ما أن ينال منها أى شخص.. ما أن يتلفظ أحد بلفظ غير لائق عن كبيرها أو أساء إليه.. عليك أن تأخذ خطوة للخلف وتقف احتراما لما سيفعله هذا الشعب. * أذكر أيام ثورة عساكر الأمن المركزى.. يوم أن خرجوا من معسكراتهم فى ثورة جنونية غير مفهومة وانطلقوا فى الشوارع يهددون أمن البلد والناس.. كان الخوف الأعظم أن تتحول ثورة الجنود إلى فوضى شعبية.. وتروح البلد فى داهية.. ورغم الاحتياطات التى اتخذها الأمن والجيش فى هذا اليوم..فإن رد فعل الشعب كان هو المفاجأة.. فقد فطن الناس إلى الدمار الذى من الممكن أن تحققه هذه الفوضى بممتلكات الناس والحكومة. * بدأت ثورة الجنود من طريق مصر إسكندرية الصحراوى.. واتخذوا طريقهم إلى شارع الهرم مارين بكل الفنادق السياحية الموجودة على الطريق.. ليقتحموا هذه الفنادق ويثيروا الرعب بين النزلاء ويعبثوا بممتلكات السواح والفنادق نفسها ويخربوا كل ما تقع عليه عيونهم.. ولأنهم كانوا مجموعة من الشباب المكبوت المقهور الفاقد لأى وعى.. فقد كان التدمير عشوائيا بلا أى هدف. * كان من الطبيعى أن يصاب العاملون فى هذه الفنادق بالذعر ويفروا ناجين بأنفسهم ويولع الفندق على أصحابه.. خصوصا أن الهجوم كان على مراحل وبالتدريج.. فجحافل الجنود تأتى من عمق الطريق الصحراوى مارة بفندق تلو الآخر.. وبالتالى كان العاملون فى الفندق التالى يعلمون أنهم وصلوا للمبنى السابق.. فكيف واجه العاملون المصريون الموقف؟ قاوموا بكل شراسة دفاعا عن مكان أكل عيشهم.. فى أحد هذه الفنادق تفتق ذهن رئيس الطهاة عن فكرة ذكية يقاوم بها الهجوم بعد أن علم أنهم على بعد فندق أو اثنين.. فرغ كل الزيت الموجود بمطبخ الفندق فى جميع الحلل والكسرولات وقام بغليه. * وصلت مجموعات الجنود لهذا الفندق واقتحمت اللوبى.. ففوجئت بجيش من الطهاة والجرسونات والموظفين يمسكون بحلل الزيت المغلى ويسكبونه على أقدامهم.. فما كان منهم طبعا إلا أن أصبحوا يتقافزون صارخين من ألم الزيت المغلى واستداروا ليفروا هاربين.. وهكذا تم إنقاذ هذا الفندق تماما ما عدا بعض الخسائر الطفيفة فى أرضية اللوبى.. وكان أسرع فندق عاد للعمل بعد احتواء الأزمة. * بينما تنوعت طرق دفاع المصريين عن بلدهم فى هذا اليوم.. فقد نظم الناس أنفسهم على الفور فى عدة مناطق.. وانقسموا إلى مجموعات ليتربصوا بالجنود.. ويدخلوا بينهم ليشتتوا تجمعهم.. ثم يقبضوا عليهم فرادى.. وبشكل فطرى أيضا ودون تخطيط مسبق.. أصبحوا يوثقونهم فى عواميد النور أو الشجر.. ثم يتركونهم بلا أذى حتى تصل السلطات ليقوموا بتسليمهم لهم بمنطق «خللى الحكومة تصطفل مع بعضها». * هؤلاء هم أنفسهم من يصطفون صفا واحدا بلا أى استثناء ليشجعوا منتخب بلدهم.. ويعزفوا على أوتار مصر أحلى أنغامهم.. * إذن الأصل طيب والعنصر عريق.. علينا أن نبحث عن باقى الجواهر ونقوم بإزالة التراب عنها حتى يكتمل العقد براقا ثمينا كما كان دائما. ****** * عدت من مهرجان كان بعد أن كنت واحدة من الذين مثلوا السينما المصرية هذا العام فى جناح مشرف لفت أنظار جميع الدول المشاركة. * ما لفت نظرى هو كم الاختراعات الجديدة التى انتشر مخترعوها فى جميع الأجنحة ليروجوا لها. * وشعرت أن العلم يتقدم بسرعة جنونية بحيث أصبح عمر أى تكنولوجيا حديثة أو تقنية مبتكرة فى هذه الصناعة لا يزيد على ثلاث سنوات.. فما بالك بكل الأشياء الأخرى. * أصبح الهواء هو السوق العالمية المشتركة.. فعبر الهواء يتم تبادل المعلومات كل يوم بشكل أكثر دقة وسرعة.. تستحدث أنظمة تقوى من سرعة إنزال المعلومة.. وفى شغلتنا.. سرعة إنزال وتخزين الفيلم.. بحيث يتم عمل الأفلام بالعنصر البشرى ثم تعبئتها كمعلومات لترسل إلى دولة أخرى عبر الإنترنت ليتم إنهاء عملية التلوين وتحسين الصوت وخلافه ثم طبع الفيلم كمعلومة.. يتم إرساله مرة أخرى إلى الشركة المنتجة فى شكل معلومة.. وعند عرض الفيلم.. سيتم إرساله إلى الشاشات أيضا فى شكل معلومة.. ليبث على شاشاتها دون تدخل بشرى.. اللهم إلا المتفرجين. * ورأيت اختراعا جديدا بنفس المعنى يؤدى إلى تبادل الأفلام عبر الإنترنت فى المهرجانات الدولية.. بحيث يصل الأمر إلى أن تتراسل الدول مع الهيئة المنظمة للمهرجان لترسل أفلامها عبر الإنترنت.. ويتم اختيار أعضاء لجنة التحكيم وهم فى بلادهم وإعلانهم على الإنترنت.. ثم تبادل الأفلام فيما بينهم لمشاهدتها.. ثم يقام حفل الختام وتوزيع الجوائز عبر الإنترنت. كل حاجة على الهواء.. يعنى بعد سنوات قليلة لن نحتاج للسفر إلى أى مكان ولا النزول من البيت أساسا.. كل شئ سيتم عبر الإنترنت. * وأصابنى الذعر رغم انبهارى بالعلم.. يعنى الناس لن تتواصل بشريا بعد كده؟.. كل الناس ستقضى كل أعمالها وستشترى كل احتياجاتها من خلال اللابتوب؟. * إذن أكيد شكل الإنسان بعد عدة سنوات سيتغير.. سيستخدم قدميه فى أضيق الحدود.. ولكن سيجلس طول الوقت.. مستخدما رأسه وعينيه ويديه.. ولن يتكلم كثيرا فسيفقد لسانه بينما عينيه ستجحظان من كتر التمقيق فى الكومبيوتر.. وبما أنه لا يستخدم قدميه يبقى حاتنقرض أو حاتقع.. وبما أنه يستخدم يديه يبقى حاتكبر.. ويمكن يطلعلها صباع سادس.. ورأسه حاتكبر.. وطبعا مقعدته حا تكبر.. يعنى حا يكون راس كبيرة بها عينان جاحظتان.. وإيدين بست صوابع.. ومالوش رجلين.. وله مقعدة كبيرة مبططة ضعف حجم رأسه.. يعنى كلنا سنشبه الكائن الفضائى إى تى.. حتى هيفاء وهبى.