الثورة كالبركان ينفجر فيتناثر الدخان الكثيف مصحوبا بالأتربة والاحجار في مشهد عشوائي مرعب، وبمجرد ان يهدأ تتكشف الحقائق، وبالرغم من حجم الدمار الذي يصحابه الا انه يأتي بكنوز وخيرات الأرض، وهنا الاختبار الحقيقي والصعب، والذي نسبة النجاح فيه تترجم بقدرتنا على استغلال تلك الكنوز والتعامل معها، وهنا تأتي المخاوف واسردها كالتالي: اولا حمى حرب المفسدين: ما من شك من هول حجم الفساد المستشري في البلد ولاشك من ضرورة المحاسبة ومن ثم اعادة ما يمكن من الأموال، ولكن ما يقلقني هو الوسيلة المتبعة في ملاحقة الفاسدين، مبدأيا علينا ان نعترف بأننا لو تحفظنا على كل فاسد فمن كثرتهم سنوقف حركة المال والادارة في مصر لأن الفساد طائل كل شيء في البلد، وعمليا لايمكن لأي جهاز مهما كانت قدرته وقوته أن يحصر كل عملية فساد في البلد، و الحاصل ان تلك الأجهزة شبه العاجزة من وجهة نظري تتلقى يوميا كميات هائلة من الشكاوى التي إن تحققت منها جميعا ستحتاج الى دهور من الزمان وجيوش من المحققين والقضاة والمنفذين للأحكام وفي ذلك إهدار هائل للطاقات والأموال كان يمكن أن تستغل فيما هو أفيد، ناهيك عن احتمال سقوط كثير من الأبرياء نتيجة شكاوى كيدية، كما انها ستكون مرتعا لكل مندس أن يدلي بإتهامات قد يكون الغرض منها مجرد إشغال تلك الجيوش واشعال الرأي العام، أما إذا ما تم غض البصر عن البعض ومحاسبة البعض الآخر طبقا لمعايير معينة ففي ذلك نفسه شبهة فساد أيضا، ونتيجة ذلك تتلخص في خلق حالة هائلة من البلبلة وفقدان الثقة في المجتمع و تهريب ما يمكن تهريبه من أموال وإحجام كثير من رجال الأعمال عن ممارسة أعمالهم، وفي النهاية لن نصل الى مبتغانا من جمع للأموال المهدرة ومحاسبة كل فاسد، والحل من وجهة نظري تتمثل ببساطة في فكرة عودة التائب من الذنب، والمحددة في أربعة مراحل وهي يستتاب كل من يعترف بالذنب ويندم على فعله ويعيد الحق لمستحقيه ويتعهد بألا يعود اليه ثانية، وذلك يتطلب ان توضع استراتيجية مدروسة بعناية تتكفل بتطبيقه، واعتقد أن هناك تجارب في العالم طبقت مثل ذلك ونجحت نجاحا لا بأس به منهم جنوب افريقيا، تخيلوا معي كم الايجابيات الآتية من وراء هذا العمل التي منها بناء الثقة المفتقدة بشدة واعطاء الفرصة لكثير من ضعاف النفوس الذين أغرتهم مجريات عصر فاسد ان يعودوا منتجين الى مجتمعهم بدلا من خسارتهم و الزج بهم في السجون وكما اعتقد ان حجم ما سيعود من اموال للدولة سيفوق بكثير ما سيعود بالطريقة المتبعة حاليا، وفي المقابل بالتأكيد لابد من الإعلان بمنتهى الوضوح أنه من يتهرب من ذلك أو يزور في بياناته ستطبق عليه قوانين في منتهى القسوة والشدة ولابد من الحزم في تنفيذ هذا الأمر ثانيا حمى القضاء على كل من يمت بصلة للنظام السابق: وكأنهم جميعا رؤوس الشياطين، بالتأكيد منهم رؤوس شياطين بالفعل ولابد من الخلاص منهم بطريقة كلما كانت سلمية كان ذلك افضل بكثير للأمة، ولكن بالتأكيد منهم أناس جيدين فإن استطعنا ان نتعاون معهم ونعطيهم الفرصة للعمل في منظومة صحية سيصب ذلك في مصلحة الجميع بكل تأكيد في زمن الخطيئة من المحتمل بل وفي الأغلب الكل يخطئ، وبالأخص ضعاف النفوس، وضعاف النفوس منهم الصالح ومنهم الطالح، والثورات الشريفة، وبالتأكيد الثورة المصرية الأخيرة على رأسهم، كالأديان الجديدة تأتي بالخير على الجميع، ولكن ما يقلل او يؤخر من تأثير الثورات (على عكس الأديان) أن الثائرون من شدة ما تعرضوا له من ظلم يبدؤون اصلاحهم دائما بالانتقام ممن ظلمهم، وبالتأكيد هؤلاء الظالمون سيفعلون كل ما بوسعهم للحفاظ على انفسهم من العقاب ايا كان نوعه، كما انهم بالتأكيد يملكون طوال الوقت اسلحة سيطوعونها بكل ما أتوا من قوة ومقدرة ليحموا بها انفسهم، وبالتأكيد في حال كمصر فقوة الأسلحة التي في يد هؤلاء ليست بالبسيطة، فقد كونوها على مر عشرات من السنين دون رقيب، وهذه الأسلحة في الأغلب الأعم هي شبكات هائلة من المصالح المشتركة تحوي عدد هائل من البشر الذين ان طال احدهم مكروه فسيجر الباقين معه بلا شك ولذلك سيتكاتفون بكل قوة ضد الخطر القادم اليهم، وفي ذلك انشاء لحالة من الفوضى والحرب المستمرة والتي تظل مستعرة الى ما شاء الله، فهل هذا ما نريد؟ بينما لو فعلنا كما يفعل عقلاء الأديان فالحال بالتأكيد سيكون افضل بكثير، فالأديان يهمها اولا الإصلاح للجميع وهنا اكرر للجميع، الإصلاح للظالم والعاصي والمخطئ كما للصالح و للمظلوم، وتخيلوا كم كنا سنخسر إذا ما اسلم كل من عمر ابن الخطاب وخالد ابن الوليد اذا ما اتبع الرسول وأصحابه نفس المبدأ المتبع في الثورات، فعمر وأد ابنته وكان ضد المسلمين من أول يوم في الإسلام، أما خالد ابن الوليد فأدهى وأمر حيث حارب المسلمين وقتل منهم وانتصر عليهم في أحد، وكم كان المسلمون سيخسرون إذا ما اسروا و ذبحوا قادة الكفر في فتح مكة، وكم كان ايجابيا مردود ما فعل الرسول يومها ساعة ما قال من كان في بيت ابو سفيان فهو آمن، قالها وابو سفيان مازال على الكفر، وتخيلوا معي لو فعل ما يفعل الآن بأن يقضي على ائمة الكفر بعد ان نصره الله، خسارة هائلة بالتأكيد، وللأسف الشديد فنحن لا نتعلم من التاريخ بالشكل الكفاف فنأخذ الثورة الفرنسية مثال دون أخذ ما نملك من تاريخ مثالا افضل ناسيين حالة البلبلة والتمزق التي عاشتها فرنسا لعشرات السنين بعد الثورة لحين استقرت الأمور، اين ذلك من السرعة الفائقة التي تحول بها المجتمع وتواءم واتحد لبناء دولته القوية في صدر الاسلام، أعلم طبعا ما حدث من صراعات بعدها ولكن هذا امر مختلف بالتأكيد وفيه من الأخطاء مافيه وان كان هذا ليس موضوعنا الحالي لعل ما سردته يوضح مدى تخوفي من أن ننجرف في دوامة المحاكمات و الصراعات وننسى الهدف الأساسي وهو اصلاح هذا البلد والعمل العمل العمل والاصلاح الاصلاح الاصلاح لا الانتقام والصراع والتشكيك