فى البحر الواسع المترامى الأطراف، تظهر السفينة حاملة صور شهداء 25 يناير، وفى الأفق تتعالى الألعاب النارية مكونة ومضات من النور والأمل، بينما تستكمل حشود المتظاهرين مسيرتهما فى موكب وداع الشهيد. «يلجمونَ جوادَ المياه الجَمُوحْ» كما قال العبقرى أمل دنقل، «عَلَّهم يُنقذونَ مِهادَ الصِّبا والحضارة/علَّهم يُنقذونَ.. الوطنْ!». تأخذ هذه اللوحة «عرس الشهداء» موقعا فريدا مع ست لوحات أخرى معبرة عن الثورة ضمن معرض الفنان ثروت البحر، الذى افتتح أول من أمس بقاعات قصر الفنون بدار الأوبرا والذى يضم 42 عملا فنيا. أطلق عليه الفنان السكندرى عنوان «الوطن.. حالات» فى إشارة إلى الحالات الشعورية المتباينة التى تصيب المواطن والوطن فى آن واحد. فتتنوع الأعمال بين اللوحات التشخيصية التى تصور شخصيات من خيال الفنان، والشكل الهرمى أو المناظر الطبيعية التى تميل إلى التجريد ويسيطر عليها موضوع البحر، مثل «خيالات من سيدى عبدالرحمن» أو رمال مطروح مثل لوحة «يا أيها البحر ارتحل»، وبين مجموعة الثورة مثل «الورد اللى فتح فى جناين مصر»، أو «حكومة ائتلاف رجال الأعمال». يحيلنا عنوان المعرض «الوطن.. حالات» إلى أسئلة تفرض نفسها هذه الأيام، وخاصة مع انتشار المعارض الفنية التى تتخذ من الموضوع الوطنى وبخاصة ثورة 25 يناير هدفا لها. كيف يستطيع الفنان أن ينتج عملا فنيا مواكبا للأحداث؟ فهناك الصورة الفوتوغرافية الصحفية التى تسعى لالتقاط المشهد بأمانة، بينما يبقى على الفنان التشكيلى أن يقدم عملا متشابكا مع الحدث متجاوزا له فى أحيان كثيرة. فهناك فنانون عالميون تأثروا بالحرب وأنتجوا أعمالا مواكبة للحدث السياسى، متأثرة به، حتى وإن لم تكن نقلا مباشرا له، وهناك من كان للأحداث أثرها عليه فظهرت فى حركات فنية مزقتها الأحداث لكنها تجلت فى صورة مجازية، يثور فيها الخط وتصرخ الألوان، وتثور فيه أعلى المفاهيم الفنية الراسخة. وفى معرض الفنان ثروت البحر، يقفز سؤال آخر هل اللوحات التى تصور الشهداء، أو هذه الورود التى تتفتح فوق شجرة الوطن كما صورها فى إحدى لوحاته هى المعبرة عن روح الثورة؟ أم أن باقى الأعمال التجريدية هى الأكثر تعبيرا، تلك التى تصور البحر فى صورة مجازية، فى غضبه وهديره أو رومانسيته وحلمه بغد أفضل. أو تلك التى تجمع جموع البشر فى خطوط تجريدية يحدوها ويحتضنها الهرم، كما لوكانت لحظة توحد تجمع ثوار اليوم ببناة حضارة الأمس. ثروت البحر فنان، ناقد، شاعر، وأديب سكندرى، تولى إدارة متحف الفن المصرى الحديث فى الفترة من 1995 إلى 2000، وله العديد من المشاركات المحلية والدولية، منذ عام 1956 واشترك فى الجناح المصرى فى بينالى الاسكندرية فى العديد من الدورات 1973، كما شارك فى العديد من المعارض الخارجية منها بينالى فينسيا وبينالى الشباب بفرنسا، ومعرض خاص بأعماله فى تشيكوسلوفاكيا عام 1966، ويستمر المعرض حتى 18 أبريل.