أكد الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية، اليوم السبت، أن حماية الديمقراطية في مصر تستوجب المشاركة في بناء الدولة الجديدة، مطالبًا الجماعات المختلفة بإدراك أنه ليس لجماعة أو تيار بعينه الحق في احتكار التحدث باسم الإسلام، كما ينبغي على الجميع احترام التنوع والتعددية التي أصبحت من خصائص مصر في عهدها الجديد الذي يكفل حرية الرأي للجميع، بما فيها التيارات والأحزاب والجماعات الإسلامية التي نكن لها الاحترام، مع الحق الكامل للاختلاف في مناهجها وبرامجها. ونوه المفتي -في مقال له بجريدة "نيويورك تايمز" نشرته اليوم السبت- إلى ضرورة مشاركة الجماعات الإسلامية، وعدم إقصائها من الحياة السياسية والعمل السياسى بالرغم من تخوف البعض من ذلك، فالمصريون جميعا لهم حق المشاركة في بناء الدولة الجديدة، شريطة احترام حرية التعبير والمساواة المطلقة أمام القانون. وأكد مفتي الجمهورية أن الشعب المصري هو وحده من سيحسم الجدل الدائر حول خلط الدين بالسياسة الحزبية، وليس علماء الدين، خاصةً بعد أن ناضل المصريون من أجل الإطاحة بالنظام المستبد، وأن الشعب المصرى لن يرضى أبدًا باستبداد جديد يرتدي عباءة الدين، مشددًا على أن الدين سيكون له دور فاعل في ديمقراطية مصر، نظرًا لطبيعة الشعب المصري، وسيكون له دور يؤكد ويعزز مبادئ العدالة والحرية والتسامح والتعايش، ولن يكون أبدًا وسيلة من وسائل القمع والإقصاء. كما أكد جمعة أن مصر بلد متدين، ومن المحتم أن يلعب الدين دورًا في الشأن العام المصري، لارتباط تراث مصر الديني تاريخيًّا بالمنظور الإسلامي المبني على التسامح، واحترام التعددية الدينية، وأنه إذا كان الدين يستحيل فصله تمامًا عن السياسة بمعناها الواسع -وهو رعاية شؤون الأمة- فعلى المصريين أن يضمنوا عدم استغلاله لتحقيق مأرب سياسي، وعدم الزج به في السياسة الحزبية. ولفت مفتي الجمهورية إلى أن المؤسسة الدينية الرسمية تؤمن بضرورة تأسيس الحكم على الحرية والعدالة، وهو النطاق الشرعي للحرية، وفقًا للشريعة الإسلامية التي كفلت عددًا من الحريات، منها حرية التعبير في إطار الذوق العام ومساواة المرأة بالرجل في حقها في التعليم، والعمل والمشاركة المجتمعية. وأوضح الدكتور علي جمعة أن الاستفتاء على التعديلات الدستورية قد ألقى الضوء على قضية سوف يواجهها المصريون، وهم في طريقهم إلى الديمقراطية، وهي دور الدين في الحياة السياسية القادمة، خاصةً بعد ما شهدته عملية الاستفتاء من حشد باستخدام الدين في حث المواطنين للتصويت على التعديلات سواء بنعم أم لا، وإحداث حالة من الجدل حول موقف الدين في مستقبل مصر القادم. وأكد مفتي الجمهورية -في مقاله للصحيفة الأمريكية- أن النص على إسلامية الدولة لا يزيد عن كونه قضية هوية، ولا يقلل أبدًا من طبيعة الدولة المدنية، ولا تناقض بين هذه المادة والمواد الأخرى التي تكفل حقوق المواطنة، وأن المواطنين سواء أمام القانون بغض النظر عن دينهم أو جنسهم أو عقيدتهم، فحقوق الأقباط في مصر مصونة، ويجب أن تظل كذلك، ولهم الحق في المشاركة السياسية على مستوياتها كافة، ولن يُكتب نجاح لأي دستور جديد إذا غض الطرف عن هذه الحقيقة. وأوضح الدكتور علي جمعة أن المادة الثانية ليست مجالاً للجدل كما يُشاع، بل هي موجودة في الدساتير المصرية السابقة كافة، وأنها تنص على هوية الدولة مثل دساتير وقوانين العديد من الدول التي تتضمن إشارات للدين، في الوقت الذي تعزز فيه من مدنية الدولة، كما في إنجلترا والدنمارك والنرويج التي لها كنائس رسمية، ولكنها في الوقت ذاته تتبنى حكمًا مدنيًّا، مؤكدًا أن الاعتراف القانوني بالتراث الديني لأمة ما لا شأن له بالطابع المدني للعملية السياسية.