بعد أن قضى رئيسا باكستانوأفغانستان معظم الأسبوع الماضى فى واشنطن، يمكننا أن نلتمس لهما العذر إزاء مغادرتهما المدينة وهما فى حالة من الزهو بعض الشىء. فقد ظل كل من حامد كرزاى وآصف على زردارى أسابيع طويلة يشاهدون كبار المسئولين فى إدارة أوباما ينتقدونهما علانية، ويتوددون إلى خصومهما فى الداخل. ولكن بمجرد أن وصلا إلى واشنطن، انهمر عليهما وابل من الاهتمام والتعاطف والتعهد بالمساندة، من جانب إدارة اتسمت طريقة تعاملها مع المشكلات المتصاعدة فى المنطقة التى تسميها «أفباك» [أفغانستانوباكستان] بالتقلب والاهتمام فى آن واحد. وقال الرئيس أوباما فى البيت الأبيض فى حضور زردارى وكرزاى اللذين اتهمهما مساعدو أوباما فى السابق بالإذعان لطالبان (فى حالة زردارى) ورفض مقاومة الفساد (فى حالة كرزاى): «يسرنى أن هذين الرجلين، رئيسا أفغانستانوباكستان المنتخبين، يقدران تماما جدية التهديد الذى نواجهه ويؤكدان التزامهما بالتصدى له. وقد أعلنت الولاياتالمتحدة التزامها المتواصل بالعمل على هزيمة تنظيم القاعدة، بالإضافة إلى استمرارها فى دعم سيادة الحكومتين المُنتخبتين ديمقراطيا فى كل من باكستانوأفغانستان. وهذا الالتزام لن يتغير». وكان هذا التصريح القوى بمثابة إشارة مهمة للنُخب الحاكمة فى كلا البلدين، الذين كانوا قد بدأوا فى التساؤل عما إذا كانت الولاياتالمتحدة ترغب فى الإطاحة بأحد الزعيمين أو كليهما. كما كان هذا التصريح أيضا تصحيحا يحتاجه فريق الإدارة الأمريكية الجديد، الذى فهم بسرعة واهتم بالخطر الكامن فى البلدين على المصالح الأمريكية الحيوية، لكنه كان أبطأ فى الإلمام بالحقائق حول ما يمكن أن يحققه التدخل الأمريكية، وبأى سرعة، وعن طريق من. وفى أفغانستان، كانت التوترات تتصاعد بين القادة العسكريين الأمريكيين وبين كرزاى قبل أن يتولى أوباما الحكم. ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الرئيس الأفغانى كان يُنظر إليه باعتباره يتسامح بدرجة أكثر من اللازم مع المسئولين الفاسدين والفاشلين. وتصاعد ذلك التوتر أيضا بسبب اللوم العلنى الذى وجهه كرزاى للقوات الأمريكية وقوات الناتو نتيجة تسببها فى وقوع ضحايا من المدنيين. وكانت الإستراتيجية التى تبنتها إدارة أوباما فى البداية تقوم على الالتفاف على كرزاى، عبر التركيز على الوزراء وحكام الأقاليم الذين يُعتبرون أكثر ولاء لأمريكا. لكن المسئولين الأمريكيين بدأوا أيضا فى تشجيع العديد من القادة السياسيين الأفغان أو المسئولين السابقين على تحدى كرزاى فى الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها فى شهر أغسطس المقبل، على أمل أن يصيبوا كرزاى بالذعر، ويبينوا للأفغان أن رئيسهم ليس مدعوما من واشنطن. لكن هذا التكتيك فشل فشلا ذريعا؛ ذلك أن كرزاى لم ينجح فقط فى إقناع أو ترهيب خصومه الأهم، كى يبقوا خارج سباق الرئاسة، بل إنه تحول إلى دعم أمير الحرب السابق محمد فهيم، وعينه كنائب رئيس. وعند وصول كرزاى إلى واشنطن، كانت لديه عمليا فترة رئاسية ثانية مضمونة مدتها خمس سنوات. ومما وضع الإدارة الأمريكية فى موقف محرج بدرجة أكبر هو مقتل عشرات من المدنيين الأفغان الأسبوع الماضى بفعل ما بدا أنه حملة قصف أمريكى عشوائية أخرى. وتعامل أوباما مع هذا الحدث بأن افتتح لقاءه من كرزاى بالتعبير عن تعاطفه وأسفه إزاء سقوط الضحايا المدنيين. وشدد على الحاجة إلى إجراء انتخابات حرة وعادلة فى أغسطس، ودعا بقوة إلى القيام بحملة ضد الفساد لكنه أوضح أيضا أن الإدارة الأمريكية تدرك الحاجة إلى العمل والتنسيق مع كرزاى. وقالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون بعد اجتماعها به: «كان الحديث مع كرزاى موجها نحو المستقبل إلى حد كبير». وقال كرزاى فى اجتماعه مع صحفيين: «لقد زال التوتر واتضحت الحقيقة. وهذا أمر جيد». وفى نفس الوقت، أصبح زردارى يتمتع بتحسن مماثل فيما يتعلق برصيده لدى واشنطن. فالرئيس المكافح الذى أقحم نفسه فى الرئاسة بعد اغتيال زوجته بينظير بوتو، أوسعه الأمريكيون نقدا على الملأ بعد قبوله اتفاق لوقف إطلاق النار مع مسلحى طالبان فى إقليم وادى سوات فى شمال غرب باكستان. وكانت كلينتون قد أعلنت فى جلسة استماع للكونجرس أن «الحكومة الباكستانية أصبحت ترضخ لطالبان». وعلى إثر ذلك التصريح بدأ المسئولون الأمريكيون تركيز اهتمامهم على نواز شريف، رئيس الوزراء الأسبق، الذى يعد الخصم الرئيسى لزردارى. لكن بعد فترة وجيرة، بدأت هذه الإستراتيجية فى إثارة أسئلة صعبة. فإذا كانت فترة رئاسة زردارى سوف تمتد حتى 2013، فهل على واشنطن أن تسعى إلى الترويج لحل غير دستورى ربما انقلاب عسكرى آخر فى سلسلة الانقلابات الباكستانية؟.. ثم كشفت أحداث باكستان الكثير فى تلك الأثناء، وهو ما كان زردارى قد تنبأ به فى حواراته الخاصة مع مبعوثين أمريكيين. فقد رفضت طالبان الالتزام بشروط اتفاق سوات، وشرعت بدلا من ذلك فى التسلل إلى مناطق مجاورة، مما أثار رد فعل شعبى عكسى، مما قدم الدعم السياسى والشعبى للحكومة، وجعلها تأمر بشن هجوم عسكرى جديد ضد المسلحين، وهو ما بدأ الأسبوع الماضى. وعندما حان وقت لقاء زردارى مع أوباما وكلينتون، كانت لغة الخطاب تجاهه قد تبدلت تماما، حيث قالت كلينتون «أشعر بالإعجاب الشديد تجاه الخطوات التى تتخذها الحكومة الباكستانية الآن». وواصلت وزيرة الخارجية حديثها فأشارت إلى الدروس التى قد تكون الإدارة الجديدة قد تعلمتها خلال شهورها الأولى قائلة: «أعتقد أنك إذا علمت المزيد عن كل من التاريخ والظروف، يمكنك أن تتعاطف إلى حد ما، لذلك يجب أن تكون أكثر ذكاء وواقعية فى أى اقتراحات تطرحها، وأيضا يجب أن تفهم ما هى العواقب التى سوف تنجم عنها». وتستحق هذه الكلمات أن تبقى فى الذاكرة، فى الوقت التى تمضى فيه قدما مهمة الولاياتالمتحدة فى المنطقة، والتى من المؤكد أنها ستكون طويلة ومحفوفة بالمخاطر. New York Times Syndication