إن كنت ممن يرون النور فهذا لا يعنى أنك مبصر و إن كنت ممن يطالعون الصحف ويرتادون قصور الثقافه و الفنون فهذا لا يعنى أنك متذوقها و واعيها و إن كنت من حاملي الشهادات و المؤهلات العليا فهذا لا يعني أنك أعلم ببواطن الامور من غيرك وإن كنت ممن زالة عنهم صفة الأميه و تجيد القراءة و الكتابه فهذا لا يعنى أنك تجيد التخاطب و التحاور مع من حولك و ان كنت من مقيمي شعائر الأديان على مختلف ملتها و مذاهبها فهذا لا يعنى أنك أسمى مرتبه من غيرك و إن كنت ممن تعتلى وجوههم اشباه ابتسامه فهذا لا يعنى أنك تشعر بالرضاء والسعادة ... فالبصيرة هى النور الذى يتخطى العيون فينفذ الى العقل و يضيئ جنباته فيرى الإنسان فى تلك اللحظة الحق حقاً و الباطل باطلاً ... وقتها يرى الإنسان ما لم يستطع رؤيته من قبل و كأن العالم الذى طالما عرفه وألفه يُعاد تشكيله و رسمه من جديد و ُيعاد تقيم كل شيئ و كأن رساماً قرر أن يعيد رسم لوحته برؤيه جديده و منظور مختلف. وأما تذوق و وعى الثقافات و الفنون فهو يتعدى حواجز السمع و الإدراك فيداعب الروح و يخاطب الوجدان و كأن نفس ذات الرسام قد قرر أن يضيف للوحته ألوان زاهيه فيهب لها حياة بعد حياة فيكتمل حسنها للناظرين ... أما العلم ببواطن الأمور فيتطلب تمازج البصيرة و الروح و الوجدان معاً فينتج عن هذا الامتزاج علم جديد راسخ يضيف للوحة الرسام الأرض و الأساس الصلب لكل ما يود الرسام تصوره و تشكيله في لوحته ذات الأبعاد الجديدة و الجامعة بين قوة التدبر وضرورة التأمل. و تعلو وجهه الرسام ابتسامه صافيه و واضحة و صريحة ... ابتسامه ليست أنصاف و لا أشباه ابتسامه ... ابتسامة تنم عن سعادة حقيقية و رضاً كبير , فقد اكتملت لوحته و لم يبقى أمامه غيرأن يخط بريشته الدقيقه الرشيقه ما يدل على حسن تواصله مع من حوله و حلاوة خطابه و علو شأنه النابع من سماحة الخلق و الدين فكتب يقول "الدين لله و اللوحه للجميع."