هل يكون عام 2011 هو عام سقوط الديكتاتوريات وما يرتبط بذلك من مسلمات ساعدت على الاستبداد ... فما حدث في ثورة الشباب في مصر من ثورة غير مسبوقة في سماتها وتلاحمها وتنوعها ما بين الفئات المختلفة للمجتمع وبالنتائج التى حققتها في خروج الملايين الى الشارع يقولون للديكتاتور اخرج من السلطة فينصاع مجبرا لمطلبهم بعد ثلاثين سنة حكم يبرهن بشكل واقعى على فشل مبدأ فرض الديمقراطية من الخارج سواء باستخدام قوة عسكرية او المساعدة في تمكين نظم سلطوية في الاستمرار في مقابل تحقيق مصالحها .. لذلك كان هناك اكثر من علامة استفهام على هذا المبدأ بالشكل التى تتبعه الدول الكبرى، وبالأخص الولاياتالمتحدة على ضوء ما أحدثته ثورة الشباب في مصر، وما يحدث ايضا في الكثير من الدول العربية الان من إزاحة حكامها المعمرين في الحكم السلطوى مثل ليبيا واليمن وفقا للاتي: أولا: فشل منطق فرض الديمقراطية بالقوة، أحيانا قد يكون التاريخ مفيد بأن تكرار الأحداث على نفس المكان والبيئة والثقافة قد يجنب تكرار الأخطاء ، فأحداث سبتمبر فرضت الإستراتيجية التى اتبعتها الادارة الأمريكية في تعاطيها مع الأسباب التى خلقت هذا الحدث من غياب لديمقراطية وانتشار الفساد وما نتج عنه من تفشى الثقافة الراديكالية ، بانتهاجها سياسة تتسم باستخدام القوى العسكرية في إحلال نظام ديمقراطي مكان النظام الاستبدادي مثلما حدث في كل من افغانسان والعراق على مدار السنوات العشر الماضية ، فهي في هاتين الحالتين كانت امام نمطين من شعبين ذوى ثقافتين مختلفتين الأول الشعب الأفغاني الذى وصلت قمة الانهيار فيه ان تصارعت القوى الراديكالية بداخله مما افرز في النهاية تنظيم القاعدة الذي وقف وراء احداث سبتمبر. والثاني الشعب العراقي الذي وقع تحت نظام تسلطى لم يكتف بقمع فقط شعبه وانما وصلت تهديداته الى دول الجيران المرتبطة بمصالح الدول الكبرى ..الا انه بعد مرور ما يقرب من عشر سنوات من تبنى هذا النهج باحتلال كل من العراق وأفغانستان فضلا عن الخسائر البشرية والمادية لم يتحقق الهدف المرجو بتحقيق الديمقراطية بل العكس هو الذي حدث بان زادت الراديكالية والعنف المجتمعي والطائفي وتداخلت مصالح دول الجوار داخل هاتين الدولتين بالتوظيفات المذهبية والسياسية لتحقيق مصالحها، وهو ما ترك اثرا سلبيا على استقرارهما حتى الآن ... ثانيا : اذا كانت الولاياتالمتحدة قد فشلت في تحقيق الديمقراطية باستخدام القوة العسكرية فإنها بالمثل فشلت أيضا عن طريق استخدام القوة الناعمة المتمثلة في استخدام المعونات والمساعدات الاقتصادية والتعليمية والتدريبية لكونها كانت تستخدم في اطار مثالى ليس مبنى على رؤية واقعية ، هذا بالإضافة الى ربط تحقيق هذه الغاية بتحقيق مصالحها ، وهو ما جعل الولاياتالمتحدة تستخدم القوة الناعمة بمنطق استخدام القوى العسكرية عندما تجعل من عمليات غياب الديمقراطية احد الأدوات التى تستخدمها في سياساتها الخارجية كادوات ضغط ومساومة للدول التى تغيب فيها الديمقراطية ، وحتى تكتمل الصورة تقوم بتمويل الكثير من الجمعيات والمنظمات الناشطة في هذا المجال ليكونوا واجهة للمساومة بصرف النظر عن مضمون وقيمة ما يقومون به من نشر معرفة حقوق الانسان وثقافة الديمقراطية . ان المتتبع لهذه الجمعيات والمنظمات يكتشف انها باتت مكانا للارتزاق للباحثين عن الثراء ،واصبحت أنشطتها ترتبط بمواسم الانتخابات وما يرافق ذلك من عقد مؤتمرات دورية وإصدار كتب خالية من المضمون المعلوماتي والتحليلى ، وهذا يدحض مقولة الإصلاح من الخارج حتى لو كان عن طريق تقديم مساعدات مادية تتحول الى أداة إفساد بدلا من أداة اصلاح . ثالثا: ثورة المجتمعات : مثل الواقع الافتراضي الجديد احد الروافد الأساسية في تشكيل وعي الشباب في الكثير من المجتمعات التى تحكمها نظم ديكتاتورية ، وبالتالى سقط حاجز الخوف والانخداع بالشعارات والأكاذيب التى توجه في الاعلام الموجه ، مما انعكس بالإيجاب في ظهور الحركات الاحتجاجية في مجتمع كالمجتمع المصري بدء من حركة كفاية التى بدأت صغيرة في عام 2004 وكانت بمثابة الشرارة في توليد الحركات والاحتجاجية الموازية على مدار السنوات التالية ، فوجود هذه الحركات في ظل العالم الافتراضي خلق فيما بينها تغذية عكسية تخدم على بعضها البعض في تشكيل وعي الشباب عن طريق المدونات وصفحات التواصل الاجتماعية وقدرتها على التفاعل في المشكلات المجتمعية ، توازى معها ظهور الاعلام المستقل الذي كان بدوره الجندى المجهول في ابراز كل حركات الاحتجاج والاضطراب على مدار هذه السنوات ، وخلق منها حركة تفاعلية، فلم يمر يوم حتى نشهد وقفة احتجاجية لموظفين تم خصخصت المصنع الذي يعملون فيه او عاملون يطالبون بمرتبات تحقق مطالبهم الاساسية .وغيرها من الاشكال المختلفة لهذه الاضطرابات التى تنوعت في أشكالها واهدافها ... كانت هذه التفاعلات على مدار الست سنوات الماضية ان تكون كفيلة بتشكيل عقلية الشباب ، وزادته إصرار حالة الاستغباء المتوازية التى تتعامل بها الدولة بمؤسساتها وعدم قدرتها على احترام تطلعاتهم وتحقيق مطالبهم التى وضعت في اعناقهم باحداث تنمية اقتصادية بدلا من تخريب البلد ونهبها لصالح فئة قليلة او حتى اعطائها حقوقه السياسية واحترام صوته الانتخابي بدلا من تزويره ... كلها عوامل قادت في النهاية الى حالة الانفجار من هذا الواقع المزيف فكانت ثورة الغضب التى فاقت الخيال الوصف في تفاعلاتها .. لتبرهن على فشل منهج الإصلاح من الخارج وتؤكد على انه بالإمكان احداث إصلاح وتغيير من داخل المجتمعات مثلما حدث في الثورة المصرية والتونسية ، ولتسقط كل المسلمات السابقة المرتبطة بالتغيير عن طريق استخدام القوة العسكرية والتى لم تجلب غير الدمار في مجتمعات مثل أفغانستان والعراق ليعلو فوقها التغيير من خلال عقلية الأجيال الجديدة.