الشعب يريد تحكيم الكتاب».. شعار رفعه أنصار التيار السلفى فى محافظات كثيرة يوم الجمعة الماضى ومنها المنوفية. والمقصود طبعا بالكتاب هو القرآن الكريم. وإذا استمر ترديد مثل هذه الهتافات والأفكار فى هذه اللحظات الفارقة فى حياة مصر. فإن الصورة التى نحلم بها لبلدنا فى الفترة المقبلة بعد نجاح ثورة 25 يناير.. مهددة فى الصميم، ليس من أنصار النظام المنهار، بل من أنصار بعض المجموعات السلفية الإسلامية والمسيحية وكل متطرف ينتمى لأى تيار. لكن هل هناك تناقض أو خلاف بين السلفيين والمتطرفين من جهة وبين حكومات وأجهزة مبارك؟!. الإجابة للوهلة الأولى هى النفى، لكن كل المؤشرات تقول إن العلاقة بين الطرفين كانت وثيقة، ويبدو أنها لاتزال مستمرة وما يحدث هذه الأيام يكشف مدى عمقها. قبل الثورة كان البعض يهمس بوجود علاقة مريبة بين حكومات مبارك المتعاقبة والمتطرفين خصوصا بعد الصلح بينهما الذى أعقب ما سمى بالمراجعات نهاية التسعينيات.. الهامسون كانوا يصرخون بأعلى أصواتهم أن نظام مبارك كان هو الوحيد المستفيد من الاحتقان الطائفى، ومعه بعض المتطرفين من الجانبين. لفت نظر الجميع أنه منذ يوم الثورة الأول ورغم تبخر الأمن وتلاشيه فإن الكنائس لم تتعرض لأى هجوم.. لم يحدث أى صدام أو احتكاك، بل إن الجميع تقريبا نسى مصطلح الفتنة الطائفية.. الذين لم ينسوا هم فلول النظام المنهار الذين يحاولون الالتفاف على الثورة بكل الوسائل. هؤلاء يمكن تفهم رغبتهم لأن مصالحهم ووجودهم السياسى معرضان للخطر... لكن هل يدرك الذين يخرجون فى مسيرات سلفية الآن أنهم يلعبون لمصلحة النظام المنهار ولن يستفيد من هتافاتهم الطائفية إلا الفاسدون والقتلة؟. بعض زعماء هذه الحركات والجماعات على صلة وثيقة وربما مستمرة مع الحكومة السابقة.. لكن ماذا عن الأبرياء الذين قد يتم خداعهم؟!. عندما يخرج بعض المتطرفين الأقباط للمطالبة بحقوق فئوية الآن، أو إلغاء المادة الثانية من الدستور. وعندما يرفع السلفيون المسلمون فى محافظات متعددة شعارات مثل «لا مدنية ولا علمانية.. إسلامية إسلامية» وعندما يوزع السلفيون فى أسيوط منشورات تدعو لقيام دولة إسلامية، فإن أنصار مبارك. يشعرون بالسعادة، ليس حبا فى الإسلام أو المسيحية، بل لأن كل ما يفرق الأمة الآن قد يؤخر تطهير البلاد وبدء عهد جديد. الآن هناك ثورة، أشاد بها كل العالم.. والمطلوب هو وضع دستور عصرى محترم يقوم على الحرية والديمقراطية والمساواة بين الجميع.. دولة يكون الأصل فيها هو مبدأ المواطنة.. دولة مدنية تحترم حقوق الإنسان. الوقت الآن ليس مناسبا بالمرة لتقسيم المصريين بين مسلمين ومسيحيين، أو بين جماعات وإخوان وليبراليين ويساريين. علينا أن نركز جهودنا على إنشاء وتأسيس نظام ديمقراطى حقيقى تعقبه انتخابات نزيهة. وقتها يمكن لأى شخص أن يترشح بناء على برنامج سياسى محدد، وليرفع ما يشاء من الشعارات حتى لو كان المرشح يريد أكل الكباب!.. أو الشعب يريد تفسير الخطاب كما هتف الأشقاء فى ليبيا بعد خطاب القذافى الكوميدى!. يا أيها السلفيون.. أمامكم خياران الآن: إما أن تنحازوا إلى الشعب أو إلى الأجهزة المعادية للشعب... ولا توجد منطقة وسطى أو رمادية بين الخيارين.