تفاقمت حصيلة أعمال العنف التي تهز ليبيا، منذ الثلاثاء الماضي، لتبلغ 24 قتيلا على الأقل، بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش التي اتهمت السلطات بإطلاق الرصاص الحي على متظاهرين "مسالمين"، في حين توعد النظام المتظاهرين ب "رد صاعق". من جهته أكد مصدر طبي في بنغازي مقتل 14 شخصا، أمس الخميس، في المواجهات التي وقعت في بنغازي، ثاني كبرى مدن ليبيا، بين قوات الأمن ومتظاهرين مناهضين للنظام. وقال المصدر لوكالة فرانس برس: "الآن لدينا ما مجموعه 14 قتيلا من المتظاهرين" في بنغازي. وبذلك ترتفع الحصيلة الإجمالية إلى 16 قتيلا منذ بدء التظاهرات في ليبيا الثلاثاء، بحسب المصادر الطبية الليبية. وأكد هذه الحصيلة رمضان البريكي، رئيس تحرير صحيفة قورينا، ومقرها بنغازي، موضحا لفرانس برس أن الصحيفة حاولت نشر هذه الحصيلة على موقعها، إلا أن "خللا فنيا" حال دون ذلك. ويضاف إلى هؤلاء ثلاثة سجناء قتلوا أثناء محاولتهم الفرار من سجن الجديدة في طرابلس الجمعة، بحسب ما أكد مصدر أمني لوكالة فرانس برس. وشهد سجن الكويفية في بنغازي الجمعة حركة تمرد، ما أسفر عن فرار "عدد كبير" من السجناء، كما أكد البريكي لفرانس برس. وصباح الجمعة، غداة "يوم الغضب" الذي دعا إليه محتجون عبر الإنترنت، خلت الشوارع بشكل شبه كامل في طرابلس، في حين خيم الهدوء على بنغازي، كما أفاد شهود عيان أكدوا في الوقت عينه أن عشرات المتظاهرين تجمعوا أمام محكمة في المدينة كان محامون نظموا أمامها، أمس الخميس، اعتصاما. وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش -في بيان اليوم الجمعة- نقلا عن شهود عيان، إن 24 متظاهرا على الأقل قتلوا وأصيب عشرات آخرون بجروح إثر إطلاق قوات الأمن الليبية الرصاص الحي على "التظاهرات السلمية" التي تشهدها البلاد منذ مساء الثلاثاء ضد نظام الزعيم الليبي معمر القذافي. ولكن حركة اللجان الثورية، معقل الحرس القديم في ليبيا، هددت الجمعة برد "عنيف وصاعق" على المتظاهرين "المغامرين" في ليبيا، وقالت: إن المساس بالخطوط الحمراء "انتحار ولعب بالنار". وقالت الحركة في افتتاحية صحيفتها "الزحف الأخضر" الجمعة: "إن أي مغامرة من تلك الشراذم المنبطحة، فان هذا الشعب الأبي والقوى الثورية الشريفة سيكون ردهم (عليها) عنيفا وصاعقا". وأضافت أن "سلطة الشعب والجماهيرية والثورة والقائد (معمر القذافي) جميعها خطوط حمراء، ومحاولة تجاوزها أو الاقتراب منها انتحار ولعب بالنار، وقد أعذر من أنذر"، متوعدة المتظاهرين بأنه "عندها لن تنفعهم أمريكا، ولا الغرب، ولا قناة الجزيرة المأجورة". من جهتها اعتبرت سارة واطسون، المسؤولة عن قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، أن "الاعتداءات الهمجية التي شنتها قوات الأمن على متظاهرين مسالمين تكشف حقيقة وحشية تعامل معمر القذافي مع أي حركة اعتراض داخلية". والقذافي هو عميد القادة العرب، فهو يحكم البلاد منذ أكثر من أربعة عقود بدون منازع. وأضافت المنظمة التي تدافع عن حقوق الإنسان أن مئات "المتظاهرين السلميين" نزلوا إلى الشوارع الخميس في البيضاء وبنغازي ودرنة واجدابيا (شرق) وزنتان (غرب)، مؤكدة أنه "بحسب العديد من الشهود فقد أطلقت قوات الأمن الليبية النار على المتظاهرين وقتلتهم لتفريق التظاهرات". وأوضحت أن اعنف الصدامات وقعت في مدينة البيضاء مشيرة إلى أن الطاقم الطبي في مستشفى المدينة طلب الخميس نحو الساعة الواحدة ظهرا المزيد من التجهيزات، وقال إنه لم يعد قادرا على استيعاب المزيد من الجرحى بعد تدفق 70 مصابا من المتظاهرين نصفهم في حالة حرجة بسبب إصابات بالرصاص. وقال متظاهر مصاب في البيضاء لهيومن رايتس ووتش إنه اضطر لانتظار دوره في وحدة العناية المركزة، مؤكدا أن قوات الأمن قتلت 16 شخصا في هذه المدينة، وأصابت عشرات آخرين. وبحسب هذا الشاهد، فإن قوات الآمن ورجالا مسلحين باللباس المدني أطلقوا الرصاص الحي على المحتجين. وتجمع المتظاهرون في البيضاء لتشييع متظاهرين قتلوا الأربعاء وتوجهوا إلى مبنى قوات الأمن على وقع هتاف "يسقط النظام" و"معمر القذافي ارحل"، وقد صور بعض المتظاهرين جانبا من التظاهرات بكاميرات هواتفهم الخلوية. وفي بنغازي التي تعتبر معقلا للمعارضة، أفاد متظاهر أن رجالا باللباس المدني مسلحين بمديات انضموا إلى قوات الأمن لمهاجمة المتظاهرين الذين كان بينهم عدد كبير من المحامين المطالبين بوضع دستور للبلاد. وأكدت هيومن رايتس ووتش أنها "تمكنت من التحقق من ثمانية حالات وفاة" في صفوف المتظاهرين في بنغازي الخميس. كما جرت تظاهرات في طبرق قرب الحدود المصرية، حيث أحرق متظاهرون مقرا للجان الثورية العمود الفقري للنظام، ودمروا نصبا يمثل "الكتاب الأخضر" الذي يتضمن الأفكار والآراء السياسية للعقيد القذافي، ويعتبر بمثابة دستور الجماهيرية. وأضافت المنظمة الحقوقية أن "استخدام قوات الأمن وقطاع طرق مسلحين لمنع الشعب من التعبير عن معارضته للحكومة يبدو أكثر فأكثر محكوما بالفشل"، مؤكدة أن هذا "التكتيك" جربه نظام حسني مبارك في مصر وفشل. وبالموازاة حضت الحكومة أنصارها على التظاهر. وتلقى المشتركون في هواتف ليبيانا رسالة نصية قصيرة تدعو "الشبيبة الوطنية" إلى الخروج "للدفاع عن الرموز الوطنية"، كما أكدت هيومن رايتس ووتش. وفي طرابلس حيث لم تلق الدعوة إلى "يوم الغضب" الخميس أي تجاوب على ما يبدو، تجمع المئات من أنصار الزعيم القذافي مساء الخميس في الساحة الخضراء، وظلوا حتى ساعة متأخرة من الليل. وعلى وقع الأهازيج والأبواق وحلقات الرقص في الساحة الخضراء التي أضاءت سماءها الألعاب النارية ظهر العقيد القذافي وسط الجموع قرابة منتصف الليل، بحسب مشاهد بثها التلفزيون الرسمي. وقالت وكالة الأنباء الرسمية إن "الأخ قائد الثورة قام بجولة في مدينة طرابلس، حيث تدافعت جموع الشعب الليبي العظيم الحر السيد وشبابه للالتحام به، وسط زغاريد العائلات من شرفات ونوافذ شقق عمارات شارع عمر المختار، الذي غص هو الآخر على امتداده بالجموع". وفي سياق ردود الفعل، أعلنت فرنسا الجمعة أنها علقت اعتبارا من أمس الخميس صادرات العتاد الأمني إلى كل من ليبيا والبحرين. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو "تم أمس تعليق التراخيص لتصدير العتاد الأمني إلى البحرين وليبيا".