فى ظهيرة أمس الأول قرر الشاب الجامعى مازن النزول إلى المظاهرات الحاشدة بميدان التحرير، بعد الاتفاق مع أصدقائه من خلال موقع فيس بوك للتواصل الاجتماعى. مازن الذى انطلق مع المتظاهرين من شارع جامعة الدول العربية، قرر النزول فى صمت من المنزل بحجة الذهاب للحلاق، حتى لا يلقى معارضة من الأسرة. بعد أقل من ساعة على مغادرة مازن المنزل، علمت والدته سناء أن مازن لم يذهب لقص شعره، بل هو داخل المظاهرة ويدون على صفحته بموقع «تويتر» للتواصل الاجتماعى «الأجواء حماسية ونحن الآن فى طريقنا إلى ميدان التحرير». وتويتر هو أكثر مواقع «التدوين القصير» شعبية، فهو يسمح لمستخدميه بنشر رسائل لا يزيد مضمونها على 140 حرفا. وزادت شهرته كوسيلة للتواصل بين النشطاء فى الدول القمعية، حيث استخدمه نشطاء إيران ومولدوفا فى احتجاجات العامين الماضيين. يعيش مازن بالقرب من شارع شهاب بحى المهندسين، ويدرس فى كلية التجارة بجامعة القاهرة. تقول والدته إنها صدمت عندما علمت بوجود ابنها الوحيد على ثلاث بنات، داخل المظاهرات، خصوصا أنه لا يجيب على اتصالاتها. وتتعجب من مازن: «لم يدخل فى أى أنشطة سياسية من قبل، حتى داخل كليته فهو لا يشارك إلا فى الرحلات الترفيهية». ظلت الأم أمام موقع «تويتر» لساعات تتابع تدوينات ابنها وأصحابه، حتى انقطع الاتصال بالموقع بداية من الثالثة تقريبا. مازن يدون ما يحدث فى المظاهرات من خلال هاتفه المحمول، «أول مرة أحس إنى بعمل حاجة مفيدة فى البلد دى». والدة مازن بدأت تبكى وهى تقرأ تدوينات «تويتر»، «ياه النشيد الوطنى له طعم تانى.. أول مرة أحس إن كلماته حلوة وأنا بقوله فى وسط الناس مش فى طابور المدرسة». حاولت سناء معرفة الأخبار من على الإنترنت من مواقع الأخبار، ولكنها لم تجد أى خبر عن المظاهرات فى الوكالات الأجنبية منها «سى. إن. إن» و«بى. بى. سى»، ورويترز التى اكتفت بخبر واحد عن مظاهرات حاشدة فى الشارع المصرى. أما مواقع الجرائد المستقلة الإخبارية كانت تعانى من بطء شديد وأحيانا تكون خارج نطاق الخدمة، أما موقع جريدة الدستور الأصلى الذى كان يتابع الأخبار بالتوقيت، فتوقف عن العمل تماما عند الثانية ظهرا. ولجأت الأم إلى التليفزيون، لعلها تجد أى قناة تبث الأحداث المشتعلة فى وسط المدينة، ولكنها وجدت التليفزيون المصرى يذيع برامجه المعتادة، وبعض القنوات اختارت الاحتفال بإنجازات الشرطة بمناسبة العيد السنوى. أما القنوات الإخبارية المصرية وغير العربية، فكانت تهتم بالأحداث اللبنانية. كان آخر ما نشره مازن قبل أن يحجب موقع تويتر عن المصريين «قنابل مسيلة للدموع علشان ما نعديش كوبرى قصر النيل، وحاسس من كمية الطوب اللى بيتحدف إنى فى فلسطين». طلبت سناء بعد هذه العبارة التى كتبها مازن، دواء الضغط، «حسيت إنى ابنى هيضيع ومش عارفة أتصرف». وفاجأها الأب الذى يعمل فى دبى باتصال للإطمئنان على الأحوال لأنه علم من خبر على قناة الجزيرة أن هناك مظاهرات فى مصر، واضطرت الأم للكذب «كلنا كويسين وفى البيت واحنا بعيد خالص عن الأحداث». الوقت يمر ببطء شديد، وسناء حاولت مرات الدخول إلى «تويتر»، ولكن دون جدوى، وظلت تتابع الأحداث على «فيس بوك»، وبدأ بعض الشباب بوضع فيديوهات من المظاهرات على موقع «يوتيوب». وتشير الإحصاءات إلى أن 48% من الشباب الأمريكى يتعامل مع «فيسبوك» كمصدره الرئيسى لمعرفة الأخبار.. لا توجد إحصائيات مماثلة عن مصر، لكن الرقابة على وسائل الإعلام التقليدية تجبر أعدادا متزايدة من المصريين على متابعة الأنباء من خلال مواقع التواصل الاجتماعى. وبدأت المواقع والقنوات الرسمية تصدر بيانات حكومية عن المظاهرات فى نحو الساعة الخامسة مساء، وعلقت سناء: «أخيرا اتكلموا عن البلد». ولكن اللقطات القصيرة لا تظهر أبعاد ما يحدث، وبقى أمل الأم الوحيد معلقا بموقعى «فيس بوك»، و«يوتيوب»، بعد أن توقفت مواقع الجرائد المستقلة عن بث الأخبار فى نحو السادسة. كل هذا ولم تتوقف الأم عن الاتصال بالابن الذى أجابها مرة واحدة من عشرات الاتصالات على مدار اليوم. كانت الساعة تقترب من الخامسة عندما أجاب مازن على والدته، وقبل أن تقول أى شىء بادر هو: «هتندمى يا ماما إنك فى البيت ومصر كلها متجمعة هنا فى التحرير». قبل أن ترد الأم على صوت الابن الفرح، انقطع الاتصال، وظل الهاتف خارج نطاق الخدمة حتى صباح اليوم التالى. وعلمت الأم من بعض المشتركين على موقع «فيس بوك» أن شبكات المحمولة الثلاثة غير متاحة للمستخدمين فى منطقة وسط المدينة فقط. وكانت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان قد أصدرت بيانا عن حجب بعض المواقع المصرية أمس الأول، بدأت بموقع «تويتر» للتواصل الاجتماعى، وموقع «بامبيوزر» للبث المباشر bambuser.com، الذى يستخدمه النشطاء والمدونون لبث فيديوهات مباشرة للمظاهرات، وموقعى «الدستور الأصلى» dostor.org والبديل الإلكترونى www.elbadil.net، فقد خصصت هذه المواقع صفحات تبث متابعة حية للمظاهرات. وفى الليل تابعت الأم برامج التوك شو ولم تجد جديدا يطمئن قلبها، لكنها علمت من موقع «فيس بوك» أن المتظاهرين اعتصموا فى ميدان التحرير ويطلبون طعاما وغطاء، «أكيد ابنى معاهم». وهنا أعلنت قناة الجزيرة فى بث مباشر عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل أن الأمن يقوم بفض التظاهر وشاهدت الشباب يهربون فى الشوارع، فتناولت دواء الضغط وهى تقول باكية «استر يارب».