ساهمت احتجاجات في الخارج ومقاطعات وقرارات حظر وعقوبات إلى جانب المقاومة الداخلية في عزل نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا، ثم القضاء عليه في تسعينيات القرن العشرين.. واليوم تخشى إسرائيل المصير نفسه. يخشى الاسرائيليون أن يستخدم النشطاء الموالون للفلسطينيين الأساليب ذاتها ضد دولتهم، وأن يكون تأثير هذه الأساليب متصاعدا. وفي الشهور القليلة الماضية، قرر مغنون وموسيقيون عالميون مثل كارلوس سانتانا وجيل سكوت هيرون وإلفيس كوستيلو، وفرق مثل جوريلاز ساوند سيستم وكلاكسونز وبيكسيز وفيثلس ولفتفيلد وتندرستيكس، عدم الذهاب إلى إسرائيل، وكذلك فعلت النجمة الأمريكية ميج رايان والمخرج مايك لي. لكن فنانين أكبر سنا وأكثر شعبية مثل بول مكارتني وإلتون جون ورود ستيوارت تجاهلوا ضغوطا لمقاطعة إسرائيل. ويسرد موقع (بويكوت إسرائيل دوت انفو) الإلكتروني أعداد من استجابوا لدعوات مقاطعة إسرائيل. ويقول محللون إسرائيليون إن الضغط الذي يتعرض له الفنانون في العالم تقوم به شبكة عالمية "لنزع الشرعية". في الماضي أمكن عزل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، بعد حملة استمرت لسنوات. أما اليوم فمواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك أو مواقع التدوين المصغر مثل تويتر قادرة على بث رسائل احتجاجية في العالم أجمع في ثوان معدودة لتضغط على الفنانين حتى يبقوا بعيدا عن إسرائيل بالإضافة إلى لفت انتباه الملايين من معجبيهم إلى القضية. أما بالنسبة لإسرائيل فالأمر يتعدى الشعور بالعزلة وإساءة الفهم، فهناك تداعيات استراتيجية جدية. قال يوفال ديسكين رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) في تقييم قدمه للكنيست، إن جمود مفاوضات السلام التي تتوسط فيها الولاياتالمتحدة منذ سبتمبر جعل الفلسطينيين يشعرون أنهم "في مقعد السائق". وأضاف "هذه العملية تكسب زخما.. هناك اتجاه متنام نحو الاعتراف بدولة فلسطينية وتناقص في قدرة إسرائيل على المناورة دبلوماسيا". ولم تعترف أي دولة باستيلاء إسرائيل على القدسالشرقية أو بمستوطناتها في الضفة الغربيةالمحتلة إلا أنه من غير المرجح في الوقت نفسه أن تعترف الولاياتالمتحدة وحلفاء آخرون لإسرائيل بإعلان قيام دولة فلسطينية من جانب واحد. وتؤكد الأممالمتحدة والقوى الكبرى أن الحل الوحيد للصراع في الشرق الأوسط، هو تسوية عبر التفاوض تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية. ويقول الفلسطينيون والإسرائيليون إنهم ملتزمون بهذا الهدف بعيد المنال. لكن إسرائيل تخشى أن تغير أي خطوة من جانب واحد ربما خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر من قواعد اللعبة، مما سيمثل انتصارا دبلوماسيا لأولئك الساعين لسقوطها في نهاية المطاف. وتعرضت إسرائيل لانتقادات دولية عنيفة بسبب هجومها الذي استمر ثلاثة أسابيع على قطاع غزة وأسفر عن مقتل 1400 فلسطيني أواخر عام 2008 وأوائل 2009 كما تعرضت لانتقادات لقتلها تسعة نشطاء أتراك في مايو في هجوم على قافلة مساعدات كانت تحاول كسر الحصار الذي تفرضه على قطاع غزة. وبعد ضغوط من حلفاء خففت إسرائيل من حصارها الذي تفرضه على 1.5 مليون فلسطيني يعيشون في قطاع غزة في يونيو، لكن لم يطرأ تحسن حقيقي على صورتها التي شوهها الهجوم. وتقول إسرائيل إن النشطاء يتجاهلون حقيقة التزام حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وجماعات إسلامية مسلحة أخرى في غزة بالقضاء عليها. ويقول معهد رويت الإسرائيلي، وهو مؤسسة بحثية تركز على القضايا الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، إن الراغبين في نزع الشرعية عن إسرائيل يسعون إلى نفي حقها في الوجود، ويصورونها دوما وعن عمد على أنها تتسم "بالقسوة واللاإنسانية مما ينزع الشرعية الأخلاقية عن وجودها". ويستخدم رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نيتانياهو ووزراؤه مصطلح "نزع الشرعية" كثيرا الآن. وحين أكثر عليه شبان أمريكيون، يهودا، الأسئلة في نيو أورليانز في نوفمبر الماضي، نعتهم بأنهم أفراد يسعون دون قصد لنزع الشرعية. ويعمل وزير خارجيته القومي المتطرف أفيجدور ليبرمان على تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في تمويل جماعات إسرائيلية وأجنبية، مثل هيومان رايتس ووتش التي يعتقد الوزير أنها جزء من شبكة عالمية تسعى لنزع الشرعية عن إسرائيل. ويقول منتقدو ليبرمان إنه المسؤول عن تلطيخ صورة إسرائيل كدولة ديمقراطية بتصريحاته التي ينفي فيها وجود فرص لإحلال السلام في الشرق الأوسط. وتعترف أكثر من 80% من الدول الأعضاء في الأممالمتحدة وعددها 192 دولة بإسرائيل في حين وصل عدد الدول التي تعترف بتأييدها لقيام دولة فلسطينية مستقلة إلى 108 دول، بعد إضافة ثماني دول في أمريكا اللاتينية أعلنت دعمها للأمر في الآونة الأخيرة. ومع ضغوط الرأي العام يأمل الفلسطينيون أن يزيد عدد الدول التي تعترف بحقهم في إقامة دولة. وقدم عرض ساخر شهير بالتلفزيون الإسرائيلي محاكاة لدرس في إحدى رياض الأطفال حملت تهكما قاسيا من الانطباع الموجود لدى بعض الاسرائيليين بأن أجزاء كثيرة من العالم متحيزة ضدهم. ففي إحدى عروض "بلد رائع" الساخرة ينشد أطفال أغنية تقول كلماتها إن إسرائيل لا تجد من تتحدث معه بشأن السلام، وإن "إزالة المستوطنات لا تحقق السلام"، وإن "الجيش الاسرائيلي يتحلى بالأخلاق" و"اعطهم الضفة الغربية وسيطالبون بحيفا". وعندما يشير المدرس إلى دولة "إسرائيل صغيرة" على خريطة العالم، ويسأل " بماذا نصف باقي العالم؟" يرد الأطفال "معاد للسامية".