إنصاف رئاسى لإرادة الشعب    اللجنة العامة بشبرا الخيمة تعلن الحصر العددي لانتخابات النواب في القليوبية    انطلاق الملتقى الدولي للتعليم العالي في عصر الذكاء الاصطناعي 2 ديسمبر    أعلى معدلات الكفاءة والاستعداد القتالى على جميع الاتجاهات الاستراتيجية    الري: نجاح حاجز التوجيه في حماية قريه عرب صالح من أخطار السيول    الوزير: قاعدة بيانات شاملة لرصد إمكانيات المصانع المحلية وقدراتها الإنتاجية    أسعار الذهب في مصر اليوم الأربعاء 26 نوفمبر 2025    العمل والاتحاد المصري للغرف السياحية يوقعان بروتوكول تعاون    اسعار الحديد اليوم الأربعاء 26 نوفمبر 2025 فى المنيا    وزير الخارجية يلتقي عدداً من أعضاء مجلس النواب اللبناني في بيروت    وزيرتا التنمية والتضامن تبحثان دعم الجهود لمساندة الفلسطينين    موعد مباراة الأهلي والجيش الملكي| والقنوات الناقلة    منتخب الكانوي والكياك يطير إلى أنجولا للمشاركة في بطولة أفريقيا    عقوبات مباراة الاتحاد والأهلي في نهائي دوري المرتبط للسلة| إيقافات وغرامات بالجملة    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 26 نوفمبر 2025.. قمم أوروبية ومعارك عربية في الطريق إلى كأس العرب    مصرع شخص وإصابة 3 آخرين في حادث تصادم على طريق «القصير – مرسى علم»    حكايات الغياب والمقاومة فى «القاهرة السينمائى»    محمد عبد المطلب.. 50 عامًا من تجديد البلاغة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 26-10-2025 في محافظة الأقصر    «الرعاية الصحية» تطلق المؤتمر السنوي السادس بشراكات كبرى ورؤية جديدة    وزير الصحة يزور مستشفى «أنقرة جازيلر» المتخصص في إعادة تأهيل إصابات الحبل الشوكي والتأهيل الروبوتي    اليوم.. محاكمة 124 متهمًا في قضية الهيكل الإداري للإخوان بالتجمع    اليوم.. الحكم على البلوجر «أم مكة» بتهمة نشر فيديوهات خادشة للحياء    عثور على غاز سام الفوسفين في غرفة عائلة ألمانية توفيت بإسطنبول    "التخطيط": تسليم 17 مركزًا تكنولوجيًا متنقلًا للنيابة العامة لتقديم الخدمات الإلكترونية للمواطنين    أسعار الخضروات اليوم الأربعاء 26 نوفمبر في سوق العبور للجملة    رويز يعلن حكام مباريات دور ال32 لكأس مصر    أسعار المأكولات البحرية والجمبري اليوم الاربعاء 26-11-2025 في محافظة قنا    طقس الأربعاء منخفض في درجات الحرارة والشبورة كثيفة صباحا    قافلة من أسنان القاهرة للكشف على طلاب كليات القطاع الصحى بالجامعة الأهلية    أسعار الأسماك والخضراوات والدواجن.. 26 نوفمبر    وزير الخارجية: لبنان ركن أساسي في منظومة الأمن والاستقرار الإقليمي    اللجنة العامة للدائرة الثالثة بالغربية تعلن الحصر العددي لأصوات الناخبين    مهرجان شرم الشيخ يعلن اختيار رومانيا ضيف شرف دورته القادمة    مقتل مطلوبين اثنين من حملة الفكر التكفيري في عملية أمنية بالأردن    بعد نجاح "دولة التلاوة".. دعوة لإطلاق جمهورية المؤذنين    فيضانات وانهيارات أرضية في سومطرة تودي بحياة 10 أشخاص وفقدان آخرين    دار الإفتاء تؤكد حرمة ضرب الزوجة وتحث على الرحمة والمودة    مادورو: سندافع عن فنزويلا ضد أي تهديد والنصر سيكون حليفنا    ترامب: «خطة ال28» للسلام في أوكرانيا «مجرد خريطة»    دار الإفتاء تكشف.. ما يجوز وما يحرم في ملابس المتوفى    مؤشرات أولية.. الإعادة بين 4 مرشحين بدائرة شبين الكوم في المنوفية    محمود فتح الله: تصريحات حسام حسن الأخيرة تعتبر الأسوأ في تاريخ مدربي منتخب مصر    وعكة صحية تُدخل والدة رضا البحراوى المستشفى    الفيوم تحتضن مهرجان البيئة وجامعة الفيوم تشارك بفاعلية في الحدث    ريهام عبد الحكيم تتألق في «صدى الأهرامات» بأغنية «بتسأل يا حبيبي» لعمار الشريعي    تقدم مرشح حزب النور ومستقبل وطن.. المؤشرات الأولية للدائرة الأولى بكفر الشيخ    دعاء جوف الليل| اللهم يا شافي القلوب والأبدان أنزل شفاءك على كل مريض    خمسة لطفلك | كيف تكتشفين العدوى الفيروسية مبكرًا؟    محمد صبحي يكشف تفاصيل إصابته ب«الوسواس القهري»    ب8 سيارات إطفاء.. السيطرة على حريق مصنع تدوير القطن والأقمشة بالقليوبية| صور    محمد صبحي: لدي رقيب داخلي.. وأبحث أولاً عن الرسالة في أي عمل فني    ترتيب دوري أبطال أوروبا.. تشيلسي يقترب من المربع الذهبي وبرشلونة ال15    بروسيا دورتمنود يمطر شباك فياريال برباعية نظيفة    بوروسيا دورتموند يفترس فياريال برباعية في دوري أبطال أوروبا    محمد صبحي عن مرضه: التشخيص كشف عن وجود فيروس في المخ    الفقي: نجاح البرلمان لن يتحقق إلا بوجود معارضة قوية ورجل الأعمال لا يصلح للسياسة    مصرع طفل 15 سنة في تصادم دراجة وسيارة نقل خلال حفل زفاف غرب الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغرب ليس مستعدًا للديمقراطية فى العالم العربى
نشر في الشروق الجديد يوم 19 - 01 - 2011

ليس العرب غير المستعدين للديمقراطية، فقد أثبتت تونس أنها مستعدة، لكن الغرب هو الذى غير مستعد للديمقراطية فى العالم العرب. وهذا هو ما يمكن أن نفسر به ردود الأفعال من الحكومات الغربية والأوروبية بشكل خاص فى مواجهة الثورة السلمية التى أطاحت بالرئيس زين العابدين بن على خلال أقل من شهر.
فقد أظهرت تونس كيف أن اليأس الاجتماعى بين الشباب حمل فى طياته مستوى عاليا من الوعى السياسى والثقافة المدنية التى تدع المراقبين يتساءلون أين ومتى تعلموا أن يفعلوا ذلك؟
●●●
إنه عيد للعرب جميعا، والحقيقة هى أنى أحسد التونسيين وكنت أود أن أكون واحدة منهم فى هذا اليوم المجيد. فهو عُرس لنا نحن المثقفين الذين نقدح زناد فكرنا فى مناقشات لا نهاية لها ومحبطة بشأن كيفية إحداث الإصلاح لأقطارنا، مفترضين باستمرار أن الحكومات العربية لا يمكن الحط من قدرها وأنه لابد لنا من السعى للحصول على حسن نيتها كى نتسول مساحات ضئيلة من الحرية.
لكن عندما شعرنا أنه يعجبنا الهتاف طوال هذا الشهر من ثورة الياسمين، كانت البلدان الغربية مرعوبة من الشباب الذى ملء شوارع المدينة التونسية بعد الأخرى، وانتشر فى العاصمة، وجعل الرئيس وزوجته والأسرة كلها يقلعون فى طائرة دون معرفة أين سيُسمَح لهم بالهبوط. وسوف تكون هناك فى البداية أنهار من التحليلات التى ستُكتب عن كيفية حدوث التغيير فى تونس وأسبابه، لكن قصة أساسية ستروى عن دور القوى الخارجية فى هذه التجربة العربية الأولى للتحول الديمقراطى. وتوجه ردود الأفعال فى أوروبا، وبشكل خاص من الحكومة الفرنسية بقيادة ساركوزى، ضربة شديدة لمصداقية خطاب الأوروبيين بشأن ضرورة تشجيع القيم الأوروبية فى جنوب المتوسط وما إذا كانت ثقافتنا العربية والإسلامية يمكن أن تتوافق المبادئ الديمقراطية أم لا. وقد اقترح وزير الخارجية الفرنسية إرسال المعدات والخبراء الضروريين للحكومة التونسية لتدريب قوى الأمن التونسية على القمع دون قتل، مؤكدا أن القمع كان الهدف وأن فرنسا لم تكن تعتزم الشك فيه. وقال وزير آخر إنه من المبالغة الحديث عن نظام بن على باعتباره ديكتاتورية. وهو لديه منزل ساحر فى حى سيدى بوسعيد فى تونس حيث يقضى عطلاته. والمئات من الفنادق والمنتجعات الساحلية تملكها شركات فرنسية، والتبادلات بين مجتمعى الأعمال فى البلدين مربحة جدّا لكلا الجانبين. وللنخبة الحاكمة الإيطالية مصالح وتورطات مشابهة. ولا يمكن الكشف عن تلك الأمور لأنها ستسبب حرجا للجانبين. ولذلك فإن ما نسمعه فى العلن هو الخطاب الذى يثير حزمة كبيرة من المخاوف المرتبطة ببعضها: بشأن المخاوف الأمنية الكبيرة المتعلقة بالإرهاب وبشأن الصلات بين خطف الرهائن فى النيجر والجهاديين فى الصومال والفوضى ودول الساحل الفاشلة والإطاحة بنظام مستقر كنظام بن على. وتقوم توليفة أخرى أكثر خطورة على تحيز الرأى العام الأوروبى ضد المجتمعات المسلمة التى تعيش على التراب الأوروبى كى يلوح بخطورة الإسلاموية فى الجنوب كى تتكون، بلا وعى، الصلة فى عقول الناس بين المسلمين فى أوروبا الذين يطالبون باللحم الحلال والمساجد للصلاة وحق النساء فى ارتداء الحجاب والتغيير فى تونس، مشيرة إلى أن القصة الحقيقية وراء الاحتجاجات التونسية تتعلق بإعادة الإسلامويين للسلطة فى منطقة مجاورة لأوروبا. وهذا ما سيسفر على الفور عن تقوية إصرار الجاليات المسلمة فى أوروبا ومطالبها. وهذه مفاهيم زائفة ومقولات مفبركة.
لكن الحقيقة هى أن تونس، شأنها شأن الجزائر وليبيا والمغرب، مربوطة فى شبكة تعاون مع وكالة الأمن الغربية وتتبادل المعلومات الاستخباراتية التى زادت بشكل كبير منذ عام 2001. وكان بن على مكوِّنا ثمينا فى هذه الشبكة الكبيرة التى تغطى الشرق الأوسط ووسط آسيا وإفريقيا بكاملها. وفى المقابل كانت الحكومات الأوروبية تقدم تأييدا كبيرا ل«بن على» بممارسة رقابة دقيقة على المعارضين السياسيين وتقيد سفرهم من بلد إلى آخر، حتى داخل أوروبا فى بعض الأحيان.
علاوة على ذلك، وافق قادة المغرب خلال العقدين الماضيين على القيام بدور الحارس بالنسبة لأوروبا، عبر منع الهجرة من دول إفريقيا جنوب الصحراء إلى أراضيهم، ومنع مواطنيهم أنفسهم من الهجرة إلى أوروبا.
فمن ذا الذى سوف يسيطر على الهجرة إذَن إذا أُزيح الحراس الموجودون فى جنوب البحر المتوسط؟ لكن الأوروبيين لا يرون أن هؤلاء القادة أنفسهم، الذى يقدمون خدمة رجال الشرطة الثمينة تلك لأوروبا يمثلون جوهر المشكلة. ذلك أن استبدادهم وفسادهم يمثلان السبب الأساسى وراء انسداد الأفق، ويأس الشبان الذين يدفعهم إلى ترك بلادهم. ومن ثم، يقوم قادة هذا البلدان بتخليق مرشحين جددا للهجرة، على استعداد للموت كل يوم فى سبيل الذهاب إلى أوروبا.
وكان بن على شريكا مثاليا بالنسبة لأوروبا. فقد جاء بمجموعة من التكنوقراط الكفء كى يديروا الاقتصاد، جنبا إلى جنب مع مثقفين ورموز ثقافية من ذوى الذكاء الحاد كى يدافعوا عن العلمانية، ويلتزموا بمحاربة الأفكار الإسلامية، ويطوروا سياسة ثقافية وفنية فعالة بالتعاون مع أوروبا. وكان البنك وصندوق النقد الدوليين والمفوضية الأوروبية يشيدون ب«بن على» بصفة منتظمة، بسبب ارتفاع معدلات النمو الاقتصادى فى تونس خلال السنوات العشر الأخيرة، فى الوقت الذى بلغ فيه معدل البطالة 60% فى بعض مناطق البلاد. ويدل ذلك على عبثية المعايير التى تطبقها المؤسسات المالية الدولية عند تحديد ما هو الاقتصاد الناجح. وبالنسبة للمواطن التونسى، كان المزيد من النمو يعنى المزيد من الأموال التى تصب فى جيوب بن على وأسرته.
●●●
وبالرغم من أن فرنسا لم يكن لها يد فيما حدث فى تونس، بل إنها فوجئت بالأحداث، فإنه من الواضح أن الدور الذى تقوم به من وراء الكواليس أكبر كثيرا مما هو معلن. وقد أدركت الحكومة الفرنسية فى وقت متأخر جدا أن النظام كان يغرق، وعندئذ بدأت تعمل فى صمت من أجل إيجاد أطراف جدد يمكنها أن تتحاور معهم. وفى ظل كل مصادر القلق، وكل المصالح المعرضة للخطر، رأت فرنسا أن المحاور الجديد الأجدر بالثقة هو الجيش. فقد تلقى معظم قادة الجيش التونسى تدريبهم فى فرنسا. كما أنهم يحظون بصلات وثيقة مع المؤسسة العسكرية الفرنسية. ولدى الجيش التونسى علاقة معقدة ب«بن على». وخلال انتفاضة الشهر الماضى، قام الجيش بدور راق أظهر الفرق بينه وبين قوات الأمن، حيث رفض إطلاق النار على المتظاهرين مما يجعل منه لاعبا مقبولا بالنسبة للتونسيين فى عملية التحول. لكن السؤال المطروح يتعلق بمضمون الصفقة التى قد تتفاوض حكومة فرنسا مع الجيش بشأنها.
هل طلبت من الجيش حفظ القانون والنظام لفترة انتقالية، إلى أن تُجرى انتخابات نزيهة، تؤدى إلى انتقال مأمون نحو الديمقراطية، أم أنها سوف تترك الجيش يقرر ما إذا كان يريد الهيمنة على السلطة السياسية أم لا، وإلى متى؟
يحق للناس فى المغرب والعالم العربى توجيه الأسئلة التالية: هل تونس قريبة من أوروبا أكثر من اللازم، مما يجعل تحررها مستحيلا؟ إلا يحق لنا، نحن مجتمعات جنوب المتوسط، أن نحظى بما يتمتع به الشمال؟ كان بن على عارا على الشعب التونسى. ويستحق هذا الشعب ما هو أفضل. ألم نسمع ذلك فى مناطق أخرى؟ هل يستحق أى مجتمع عربى قادته؟
لقد فات القطار التونسى الفرنسيين والحكومات الأوروبية الأخرى، حيث كان هؤلاء يقفون على الجانب الخطأ من التاريخ. لكن التونسيين قرروا امتلاك مصيرهم بأنفسهم، وعلى القوى الكبرى فى الشمال التكيف مع الوضع الجديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.