لا يزال استمرار موسوعة ويكيبيديا الإلكترونية بعد عشر سنوات من تأسيسها لغزا. يستثمر الآلاف في العالم أوقاتهم لجمع المادة العلمية وتقديمها للآخرين من خلال الموسوعة، ولكن ذلك لا يعني عدم وجود قلق بشأن توفر مثل هؤلاء الآلاف مستقبلا لدفع الموسوعة للأمام. إنها موسوعة يستطيع الجميع فيها المشاركة بإسهاماتهم، سواء كانوا تلاميذ أو أساتذة في الجامعات. هل تقوم هذه الموسوعة فعلا على مقالات تعدّل كل دقيقة؟ وهل يمول القارئ كل ذلك بتبرعاته؟ لم يكن أحد يصدق قبل عشر سنوات عندما كانت أولى شركات الإنترنت تفلس بشكل متوال، أن تنشأ موسوعة علمية بنفس هذه الدرجة من المصداقية، وألا تنفد أموال هذه الموسوعة خلال أشهر. ورغم ذلك فإن ويكيبيديا بدأت رحلة انتصاراتها في يناير 2001، ثم أصبحت ضرورة للكثير من رواد الإنترنت الذين لا يتصورون الإنترنت بدونها. كان الثنائي الذي أسس هذه الموسوعة غير عادي. كان جيمي ويلز المولود عام 1966 يشرف على موقع بوميس الإباحي، ومول بداية مشروع ويكيبيديا بعائداته من هذا الموقع، ولكنه ترك لشريكه لاري سانجر الحرية المطلقة في إدارة الموسوعة. تعارف الشريكان من خلال نقاشهما عن الفلسفة عبر الإنترنت. ولد سانجر عام 1968 و حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة وأصبح "رئيس تحرير" نوبيديا التي سرعان ما تحولت إلى ويكيبيديا. لم يكن سانجر يعتقد بأنه من الممكن أن يشارك الآلاف من مستخدمي ويكيبيديا في كتابتها بشكل مشترك. كانت قيود انتقاء النصوص التي تنشر في نوبيديا صارمة، فعلى الرغم من السماح للجميع من ناحية المبدأ بالمشاركة بإسهاماتهم في الموسوعة إلا أنه لا يسمح سوى للكتابة في موضوع ما سوى خبير مشهور في هذا الموضوع حسبما أكد سانجر آنذاك والذي أشار إلى أنه لا يسمح لغير الحاملين لدرجة الدكتوراة أن يصححوا الأخطاء الواردة في مقالات الموسوعة. لا بد لأي مقال أن يمر بسبع مراحل من المراجعة قبل نشره في ويكيبيديا، أي أكثر من المراحل التي يمر بها مقال ينشر في مجلة علمية. ونشر أول مقالات ويكيبيديا بعد سبعة أشهر من إرساله وكان عن "موسيقى أتوناليتي"، الموسيقى غير الموزونة، ولم يتوفر لدى الموسوعة العملاقة خلال عامها الأول سوى عشرين نصا فقط. ثم قال لاري سانجر فيما بعد مشيرا إلى هذه القيود الصارمة: "كان علينا إيجاد طريق يسمح للمستخدمين البسطاء بالمشاركة في الموسوعة بشكل أسهل.. كان على برامج ويكي الحاسوبية تقديم مساعدة في هذا الشأن.. نظام متوفر للجميع يمكن من خلاله للمستخدمين إعداد موقع بشكل بسيط للغاية، وتنقيح هذا الموقع. كل ما كان هذا النظام يحتاجه هو متصفح". وحتى لا تختلط هذه المقالات بنوبيديا قام ويلز بإعداد مساحة إلكترونية خاصة بالموسوعة، فكان إطلاق موقع ويكيبيديا دوت أورج في الخامس عشر من يناير عام 2001. لم يكن يراد لموسوعة ويكي أن تكون أكثر من اختبار. وبعد شهر واحد أصبح لدى الموسوعة 600 مقال على موقعها الالكتروني، أي أكثر مما لدى نوبيديا ثم وصل هذا العدد إلى عشرين ألف بعد عام، وهو ما فاجأ المؤسس نفسه. ثم كانت هذه النصوص تظهر أعلى قائمة نتائج البحث عبر موقع جوجل، ثم أصبحت ويكيبيديا مرجعا لرواد الإنترنت الذين تزايد عددهم بشكل مستمر. لم تكن المواضيع المنشورة على ويكيبيديا تحظى دائما بالثقة، ولم تكن تكتب بشكل صحيح في كثير من الأحيان، ولكنها كانت حاضرة دائما، في حين لم يكن هناك حضور لموسوعات شهيرة مثل موسوعة بروكهاوس. ولم يعد لاري سانجر رئيسا لتحرير ويكيبيديا، حيث تركها عام 2002 إثر خلاف بشأن الرقابة والجودة في ويكيبيديا، وظل فيها ويلز وأصبح بمثابة مؤسسها. والسؤال الذي كان يطرح نفسه منذ تأسيس ويكيبيديا وحتى الآن هو: لماذا يعمل آلاف من المؤلفين في أوقات فراغهم في كتابة مقالات للموسوعة دون أن يظهر اسمهم تحت هذه المقالات، وذلك رغم خطر تعرض هذه المقالات لتدخل من شخص آخر يغيرها أو حتى يمحوها من خلال نقرة بالفأرة (الماوس)؟ قام عالم الاجتماع الألماني كريستيان شتيجيباور بدراسة "لغز التعاون" في كتاب له يحمل هذا الاسم. ويرى شتيجيباور أن حافز المساهمين في ويكيبيديا هو من ناحية أن "فكرة جمع علم الإنسانية خارج قيود حقوق النشر فكرة لها قوة جذب معينة". ومن ناحية أخرى يرجح البروفيسور شتيجيباور ألا تكون مشاركة المساعدين في ويكيبيديا بدافع الشهرة في محيطهم الخارجي، بل لمجرد السمعة الحسنة داخل مجتمعهم الداخلي. غير أن الباحث الألماني وجد من خلال أحد المشروعات البحثية أن أسطورة المشاركة في ويكيبيديا على أساس المساواة المطلقة بين المشاركين وعدم التفرقة بينهم ليست صحيحة. وقال إن "سيادة مديري المؤسسة قد استقرت"، وإن هؤلاء المديرين هم دائرة صغيرة من العاملين في ويكيبيديا أثبتوا كفاءتهم من خلال جهودهم، وأصبحوا يحصلون على حقوق خاصة من بقية المشاركين. فهناك في ألمانيا عدة آلاف من المشاركين في ويكيبيديا يعملون على استمرارها هناك. وصاغ القائمون على ويكيبيديا معايير النشر لديهم في قائمة تضمنت نحو 30 صفحة بالقطع أيه 4. وكثيرا ما يرفض المبتدئون قراءة هذه المعايير، مما يجعلهم لا يساهمون بمشاركات لهم في الموسوعة العملاقة وهو ما يعتبر مصدر قلق بالنسبة للقائمين على ويكيبيديا. وعن ذلك تقول كاترين شونيفي المتحدثة باسم جمعية ويكيبيديا التي تقف وراء ويكيبيديا: "لدينا ملايين القراء ولكن القليل منهم نسبيا يعرفون أن باستطاعتهم المشاركة في هذه الموسوعة". ولكي تعثر المؤسسة على مؤلفين، فإنها تستثمر جزءا من التبرعات التي تحصل عليها في مشاريع لكبار المشاركين بها وللمبتدئين، وذلك حتى لا ينتهي النجاح غير المتوقع عند 2ر1 مليون مقال، وهو عدد المقالات الموجودة في النسخة الألمانية من ويكيبيديا حاليا.