الرئة عضو التنفس فى صدر كل إنسان. صاحبة التركيب التشريحى العبقرى الذى يتيح غسيل الدم من بقايا العمليات الحيوية التى يحيا بها الإنسان خاصة غاز ثانى أكسيد الكربون واستبداله بغاز الأكسجين الباعث للحياة والطاقة. تتيح الرئة للإنسان التنفس بحرية من خلال 300 مليون حويصلة هوائية بالغة الدقة تجعل من الرئة نسيجا هشا مرنا مليئا بالشعيرات الدموية الرفيعة، اسفنجى الطبيعة قادرا على التمدد لاستقبال الهواء فى الشهيق قادرا أيضا على الانكماش بطرد فى الزفير، الأمر الذى يتيح للإنسان تنفسا سلسا يكاد لا يلاحظه أو يعانى منه. ما الذى يحدث إذا ما فقدت تلك الحويصلات مرونتها وليونتها فانتفخت إلى الحد الذى يجعلها قنبلة صغيرة قابلة للانفجار فى أى لحظة؟ الرئتان اليمنى واليسرى تسكنان القفص الصدرى للإنسان. يفصلهما القلب ومحتويات المنطقة الواقعة بينهما والتى تحتوى بعض الغدد الصماء كالغدة التيموسية ثم المرىء والقناة الليمفاوية الصدرية وعدد من الغدد الليمفاوية. تتصل الرئة بالقلب مباشرة عن طريق الشريان الرئوى (أيمن وأيسر) والوريدين العلوى والسفلى والأمر الذى يؤثر بينهما بصورة تبدو واضحة فى الصحة والمرض. احتقان الرئة قد ينعكس على وظائف عضلة القلب فيدفعها للقصور وهبوط القلب بينما تضخم عضلة القلب لسبب أو لآخر يؤدى إلى مشكلات فى عمل الرئة وكثيرا ما تختلط الأعراض بين أمراض القلب والرئة. متى وكيف يحدث انتفاخ الرئة؟ انتفاخ الرئة أو ما يعرف بالأمفيزيما (Emphysema) أحد أمراض الرئة المزمنة التى قد يعانى منها الإنسان بصورة قد تفسد عليه حياته اليومية إذ تجعله دائما عرضة لأمراض الجهاز التنفسى خاصة احتقان الشعب الهوائية وما يحدث من أعراض كالسعال المزمن إلى جانب سهولة تعرضه للعدوى بأى ميكروب مهما كان ضعيفا. العوامل الوراثية، التعرض للعدوى بصورة متكررة، أمراض سابقة فى الرئة مثل التهاب الشعب الهوائية المزمنة، التلوث كلها مقدمات لأعراض الحساسية والأزمة التى يعانى منها المريض لكن أهم أسباب المرض يظل التدخين. تبدأ أعراض انتفاخ الرئة حينما تفقد الحويصلات الهوائية مرونتها بالتدريج وعلى مر السنوات يتحول إلى فقاعات صغيرة مشدودة من الهواء قد ينفجر بعضها نتيجة الضغط المستمر الزائد على الحد الطبيعى الذى يمكنها احتماله. انفجار الحويصلات الهوائية يتسبب فى تناقص المساحة المتاحة من الرئة لتبادل الغازات بين الدم والهواء لتبدأ أعراض ومشكلات القدرة السليمة على التنفس. لا تسلم بقية الحويصلات الهوائية من آثار انتفاخها وفقدانها لمرونتها فتتجمع لتسد المجارى الهوائية الأمر الذى يضيف أبعادا أكثر خطورة للمشكلة أهمها تكرار العدوى التى تتسبب فى الالتهابات الرئوية والتهابات الشعب الهوائية المزمنة والأزمات الربوية وربما تمدد الشعب الذى غالبا ما ينتهى بخراج الرئة ومشكلات تراكم الصديد فيها ويتطلب الكثير من الجهد فى التشخيص والعلاج. أعراض مرض انتفاخ الرئة تتصاعد حدة أعراض انتفاخ الرئة مع مرور السنوات إذ تعد من الأمراض المزمنة التى يجب أن يتعايش معها الإنسان إذ لا رجعة فيما تحدثه من أثر إنما قد يثمر تعاون الطبيب والمريض أملا فى أن تستقر الأعراض أو تتحسن قليلا عن وقت اكتشافها وبداية العلاج إذ قد تتفاوت الأعراض وتختلط مع أعراض الأزمة الربوية وأمراض القلب وربما الأورام السرطانية. تظل أعراض انتفاخ الرئة المهمة والمميزة: ● مشكلات التنفس مثل قصر التنفس والنهجان لأقل جهد المتزايدة بمرور الوقت. ● سعال مزمن تتفاوت حدته واقترانه أحيانا بخروج البلغم. ● صورة مميزة للصدر فى فيلم الأشعة تماثل صورة (البرميل) تعكس تمدده وانتفاخه. الأسباب وراء انتفاخ الرئة التدخين: هو أهم أسباب دمار الرئة. التدخين بشراهة ولفترات من العمر متصلة طويلة هو السبب الأول لتأثر الحويصلات الهوائية وانهيار الشبكة المرنة فيها. الأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل يتعداه إلى ضعف العضلات الصغيرة فى تركيب هيكل الرئة الداخلى ذاته الذى يشبه الشجرة فى تفرعاتها ويبدأ من القصبة الهوائية إلى الشعب الهوائية التى تبدأ بالغليظة منها لتنتهى بالشعب الأقل قطرا حتى الرفيعة والتى تحتل الحويصلات الهوائية نهايتها. ضعف تلك العضلات يغرى العدوى بالانتشار السريع ويجعلها غير قادرة على طرد الإفرازات التى تتراكم فى المجارى الهوائية لتسدها لتبدأ فيها عدوى جديدة فى دائرة مفرغة من تداعيات المرض وبالتالى حدة أعراضه. للتدخين أثر فعال فى تدمير أهداب كالخيوط الرفيعة للغاية توجد داخل الحويصلات الهوائية وظيفتها فى حركتها التى تطرد السوائل الزائدة عن حاجة الحويصلات وتفسح المجال للدم والهواء لتبادل الغازات بينهما. أمراض الرئة: أى أمراض للرئة إذا لم يتم علاجها أو التحكم فيها يمكن أن يمهد لانتفاخ الرئة وتطور فى اتجاه واحد لا رجعة فيه. أزمات الربو والحساسية، أو التهاب الشعب المزمن كلها قد تؤدى لانتفاخ حويصلات الرئة الهوائية نتيجة ازدياد الضغط فيها باستمرار. لذا يجب الانتظام فى علاجها وإجراء تمارين التنفس تحت إشراف متخصص. فى أحيان نادرة يعد انتفاخ الرئة مرضا وراثيا ناشئا عن نقص أحد إنزيمات الخلايا المسئول عن تحفيز خلايا الحويصلات الهوائية على الاحتفاظ بمرونتها وقدرتها على الانقباض والانبساط بسهولة طبيعية. من يعانون من ذلك العيب الوراثى يصابون عادة بانتفاخ الرئة فى الثلاثينيات والأربعينيات من عمرهم حتى لو كانوا غير مدخنين بالطبع. تشخيص المرض يعد تشخيص مرض انتفاخ الرئة من أكثر الأمور بساطة وسهولة للطبيب عند استخدام السماعة أو النقر بأصابعه على الظهر والصدر. سماع الصوت الأجوف للرئة الذى يعكس تمددها إلى أقصى طاقاتها إحدى العلامات المهمة الواضحة التى تقود إلى تشخيص سريع تؤكده صورة أشعة للصدر. هل من علاج؟ للأسف ليس هناك حل جذرى للمشكلة التى تتفاقم مع الوقت فى اتجاه واحد لا تراجع عنه. ما يمكن تداركه هو سرعة تدهور عمل الرئة الأمر الذى يتطلب التعايش مع المرض واليقظة لتطوراته. التوقف فورا عن التدخين والانتظام فى أداء تمارين التنفس العميق واستخدام الأدوية وقت الأزمات من المضادات الحيوية الملائمة وموسعات الشعب الهوائية (أقراص أو حقن أو سبراى) مع الاحتفاظ دائما بمصدر للأكسجين بغرض استنشاقه أمور كلها تبدو مهمة ومعاونة لاختصار حدة أعراض الأزمات. الزراعة أمل جديد زراعة رئة جديدة قد يكون أملا لكل مرضى انتفاخ الرئة وإن كان ما زال فى طور التجريب لكن الامتناع عن التدخين يظل أهم وأقل تكلفة إذا ما أردنا حلا وقائيا فى مواجهة دمار الرئة بصورة إيجابية لمن يشعلون لفائفهم ليدخل الدخان رئات الآخرين حولهم بصورة ملحة سلبية.