ما زال البعض مولعا بإطلاق مقولة «زمن الرواية» على حصاد المشهد الثقافى، وهى مقولة على قدر كبير من الصواب، فالرواية التى نجحت خلال الأعوام الماضية فى توزيع عشرات الطبعات والتواصل مع القراء الجدد (إذا جاز لنا أن نطلق هذا التعبير على شريحة جديدة من القراء، لم تتوافر عن أعمارهم وميولهم أى بيانات لدى وزارة الثقافة أو أجهزة الإحصاء فى مصر بعد)، لكن العام 2010 ربما يكون عاما مختلفا فى موازين القراءة، فلم يعد الانتصار المطلق لجنس الرواية دون باقى الأجناس الأدبية كما كان فى الأعوام الخمس الماضية، إذ اقتطع الشعر نصيبا من هذا الانتشار، لكن خارج المشهد الثقافى النخبوى، فاستطاعت بعض الأسماء التواصل مع جمهور جديد للشعر عبر فضائيات وبرامج مخصصة للمسابقات الشعرية، وإن لم يرق ذلك للبعض بدعوى تواضع هذه القصائد فنيا (مثلما حدث مع نجوم الرواية الآن). ولا دليل على ذلك خيرا من الأرقام التى أعلنها برنامج «أمير الشعراء» فى دورته الرابعة مطلع هذا الشهر إذ صرح محمد خلف المزروعى مدير عام هيئة أبوظبى للثقافة بأن: «20 مليون جهاز تليفزيون تحلّق حولها المشاهدون لمتابعة نهائيات البرنامج، وإذا ما افترضنا أن شخصين على الأقل قد تابعا الحلقة لكل جهاز، فهذا يعنى وسطيا أن ما لا يقل عن 40 مليون مُشاهد من الجمهور العربى والمغتربين فى أنحاء العالم قد تابع الأمسية الشعرية الأخيرة من الدورة الماضية لبرنامج أمير الشعراء». وإذا كان هذا حجم متابعة مسابقة «أمير الشعراء» المعنية بشعر الفصحى فلا يقل عدد مشاهدى برامج التوك شو، والتى اعتادت أن تستضيف فى فقراتها شعراء العامية مثل هشام الجخ وإيمان البكرى وأحمد بخيت وقبلهم جميعا الكبار من أمثال أحمد فؤاد نجم وسيد حجاب وفاروق جويدة وغيرهم، ألا ينبئ ذلك بوجود شريحة من المتابعين استمتعوا بهذه الفقرات التليفزيونية مما استدعى إعادة استضافة نفس الشعراء ليلقوا قصائدهم مجددا على مسامع المشاهدين؟ هذا السؤال كان وراء حماس الناقد صلاح فضل للمشاركة فى تحكيم جوائز أحد برامج شعر الفصحى، قائلا فى تصريح لموقع قناة الجزيرة الشهر الماضى: «إن هذه المسابقات لعبت دورا فى إعادة الاعتبار إلى الشعر فى الحياة العامة حيث إن الفكرة الشائعة كانت لدى جمهرة المثقفين والمشتغلين بالأدب أن عصر الشعر قد انتهى وولى إلى غير رجعة بعد أن حلت الرواية مكانه، وفقد الشباب العربى حس الاهتمام باللغة والولع بالشعر على مر العصور، فجاءت المسابقة لتقلب المعادلة رأسا على عقب». المعادلة التى يقصدها فضل لم تقف عند حد العزوف عن القراءة بل العزوف عن سماع الشعر طوال ثلاثة عقود كاملة، لكن ما يدور يؤكد أن الشارع قد تجاوزها، وبدأ فى صناعة نجومه ومبدعيه تاركا الوسط الثقافى غارقا فى الصراع بين تيارات الشعر المختلفة، فلا أحد ينسى أن العام نفسه بدأ بمؤتمرين للشعر فشلا فى لمّ شتات التيارات المتنافرة ما بين قصيدة تفعيلة ونثر وعامية، والأهم من ذلك أنهما فشلا فى تصدير أصوات شعريّة جديدة ومتميزة للجمهور العام. وعلى الرغم من أن هذه البرامج (سواء المسابقات، أو فقرات الشعر فى التوك شو) لم تبدأ فى عام 2010، لكنها شهدت أوجّ ازدهارها فيه وحققت أرقاما قياسية كما أشرنا سابقا، واللافت أن هذا النجاح لم يترجم إلى أرقام توزيع دواوين مطبوعة حتى الآن، وهو ما يستدعى دراسته من قبل المتخصصين. لا يفوت المتابع لإصدارات هذا العام ملاحظة أن عدة أنواع أدبية أخرى اقتسمت أرفف المكتبات مع الرواية أيضا، فصدرت عدة مجموعات قصصية لكبار الكتّاب خلال العام؛ منها (ساعات) لجمال الغيطانى و(نوافذ صغيرة) لمحمد البساطى ومتوالية قصصية لإبراهيم أصلان بعنوان «حجرتان وصالة» و«زينة الحياة» لأهداف سويف، الأمر الذى عدّه البعض ظاهرة مبشّرة تنبئ بأن فن القصة القصيرة قد يستعيد بعض رواجه، كذلك صدر عدد من كتب السيرة التى لاقت حفاوة فى الأوساط الثقافية، على رأسها «رحيق العمر» للدكتور جلال أمين، و«حليم وأنا» للدكتور هشام عيسى الطبيب الخاص لعبدالحليم حافظ، و«كتابات نوبة الحراسة.. رسائل عبدالحكيم قاسم» للزميل الصحفى محمد شعير و«أبى شوقى» لحسين شوقى ابن أمير الشعراء.