مع دقات الساعات الأخيرة من سنة 2010، لتعلن رحيلها، وبعيدا عن صخب الاحتفالات بقضاء هذه الليلة فى فنادق الخمس نجوم أو الأقل منها درجة فى القاهرة يجلس منصور مسعود، أحد أبناء مدينة ملوى، فى محافظة المنيا، والذى يعد واحدا من أبناء الطبقة المتوسطة ممسكا بدفاتره الشخصية يفكر فى الأشياء التى سيستغنى عنها فى العام الجديد، لتلحق بضروريات أخرى نجح فى أن يستغنى عنها فى العام الماضى، أملا فى أن يتمكن من أن يعيش براتبه الذى لا يتجاوز ال700 جنيه، رغم أنه أسعد حظا من أقرانه الموظفين. فهو يعتمد بالإضافة إلى هذا الراتب على معاش والده الذى يتجاوز ال1200 جنيه، ورغم هذا القدر من الحظ، يقول منصور إنه قرر أن يستغنى عن بعض الحاجات الأساسية التى كان يعيش بها هو وأسرته الصغيرة المكونة من طفلين لم يلتحقا بالمدرسة الابتدائية بعد. منصور عدل من أسلوب معيشته خلال العام الذى أوشك على الرحيل، فمع زيادة أسعار اللحوم والدواجن، ومعها أسعار الخضراوات والفاكهة، «كان لابد من التغيير حتى يمكن أن نعيش بدون استدانة» على حد قوله. فمع بداية العام كانت أسعار اللحوم فى مدينة ملوى لا تزيد على 36 جنيها للكيلو، لكن أسعارها قفزت إلى 50 جنيها، وهو ما أدى إلى تغير نمط استهلاك أسرة منصور، فى الريف لا يمكن الاستغناء عن أكل اللحوم ، كنا نستهلك 5 كيلو لحوم على الأقل فى الأسبوع أى أن تكلفة هذا البند كان يصل إلى 190 جنيها أسبوعيا، ومع الزيادة فى أسعار اللحوم «قررنا أن نكتفى بثلاثة كيلو فقط فى الأسبوع للمحافظة على نفس المبلغ، خاصة وأن سعر كيلو الدواجن قفز من 6 جنيهات إلى 12 جنيها للكيلو. ولم تكن أسرة أمانى عطا، التى تعيش فى أحد أحياء القاهرة، ولا يزيد دخل أسرتها الصغيرة المكونة من طفلين على 700 جنيه، أسعد حظا من أسرة منصور فمع زيادة أسعار اللحوم البلدية من 38 جنيها إلى 45 جنيها خلال العام قررت أمانى أن تمتنع عن شراء اللحوم البلدية نهائيا وتعتمد فقط على شراء اللحوم المستوردة من الجمعية، لمرة واحدة فقط فى الأسبوع. يقول مسعود إنه قرر أن تكون اللحوم أو الفراخ على مائدته فى أيام الخميس، والجمعة، والأحد، فلا يمكن أن يمر يوم الخميس على أى بيت فى القرية ولا يكون على مائدتها اللحوم، «أحيانا تلجأ الناس إلى الاستدانة حتى يكون طبق اللحوم موجود فى وجبة الغذاء يوم الخميس». الطعام الذى كانت أسرة منصور تعتاد على تناوله اختلف خلال العام المنصرم، فبعد اختفاء طبق اللحوم من مائدة الأسرة لأربعة أيام من الأسبوع تم الاستعانة بأصناف أخرى، ارتفعت هى الأخرى - كما يؤكد منصور - لكن ارتفاع أسعارها من الممكن أن تتحمله ميزانيته. «قررت الاستعانة بالعدس، والبقوليات، والباذنجان، بدلا من الخضراوات التى ارتفعت أسعارها بنسب كبيرة» يتحدث منصور. أسرة أمانى تعتمد على شراء الأصناف الأرخص سعرا مهما كانت جودتها لأن ميزانية الإنفاق على الطعام لا تحتمل أى زيادة فى أسعار الخضراوات. ورغم أن سعر رغيف العيش المدعم لم يرتفع، وحافظت الدولة على سعره عند خمسة قروش، لكن هذا الثبات لم يستفد منه منصور، فهو كالكثيرين من أبناء الريف يعتمد على الخبز المصنوع فى البيت، والذى يدخل فى مكوناته الدقيق والذرة، مما تسبب فى زيادة تكلفة المصروف على الخبز «سعر إردب الذرة قفز من 110 جنيهات عام 2009 إلى 270 جنيها خلال العام، كما ارتفع سعر طن الدقيق من 280 جنيها إلى 400 جنيه، للإردب». منزل منصور كان لا يخلو من الفواكه صيفا أو شتاء لكن هذه الأصناف قرر أن يتوقف عن الاستمرارية فى شرائها بصفة يومية، يقول مسعود إنه كان يشترى البرتقال واليوسفى فى الشتاء كل يوم لأطفاله لأنها فواكه مهمة فى ظل زيادة برودة الشتاء فى الصعيد، نظرا لاحتواء هذه الفواكه على فيتامين سى، والذى يعد أحد العناصر الضرورية للحماية من الإصابة بالبرد، لكن مع ارتفاع سعر كيلو البرتقال إلى ثلاثة جنيهات، بعد أن كان سعر الكيلو لا يزيد على جنيه ونصف، ومع ارتفاع سعر كيلو اليوسفى من 1.5 جنيه إلى 2.5 جنيه اقتصر شراء منصور لهذه الفواكه إلى ثلاث مرات فى الأسبوع فقط. «أصبحنا تقريبا نشترى ثلث ما كنا نأكله من فواكه فى العام الماضى» يتحدث منصور. أسرة أمانى دائما تشترى الفواكه التى لا يزيد سعرها على جنيه ونصف، ولا تزيد كمية الفاكهة التى تشتريها أسبوعيا على كيلو، «توقفنا عن شراء العديد من أصناف الفاكهة مثل الكانتلوب، مع زيادة أسعارها عن طاقتنا، وهناك أصناف لا يمكن شراؤها على الإطلاق مثل التفاح»، تتحدث أمانى. الفواكه التى تأكلها أسرة أمانى تقتصر على البرتقال أو اليوسفى، وتشترى أمانى أقل الأصناف جودة للتماشى مع التكلفة التى تتماشى مع ميزانيتها المتواضعة جنيه ونصف للكيلو، «أحيانا من الممكن شراء الجوافة» تبعا لأمانى. منصور مسعود يودع العام الحالى وهو يخشى من استمرار زيادة أسعار الأصناف الضرورية للحياة، خاصة أن أولاده ما زالوا فى مراحل عمرية صغيرة، ولم يدخل فى مرحلة زيادة متطلبات المدارس، فعلى الرغم من أن أطفاله يذهبون إلى الحضانة إلا أن مصاريفهم الشخصية تصل إلى اثنين جنيه يوميا للطفل الواحد بحساب تكلفة الوجبة المدرسية (الساندويتش)، لأن أى زيادة فى أسعار السلع الأساسية تعنى مزيدا من التوفير فى بند تكلفة الأكل.