فى الفترة الأخيرة عادت روسيا إلى الاهتمام بعملية السلام فى الشرق الأوسط، اقتناعا منها بأن الآن هو الوقت المناسب لتقديم مقترحات جديدة، وذلك لعدة أسباب، منها أن روسيا وجدت نفسها على هامش العملية، ولكنها استرجعت ثقتها بنفسها، بعد أن شعرت بضعف مكانة الولاياتالمتحدة على الساحة الدولية، وأن العملية السلمية التى تقودها قد وصلت إلى حائط مسدود. وتجدر الإشارة إلى أن روسيا تولى موضوع العملية السلمية فى الشرق الأوسط أهمية كبيرة، وتعتبره الموضوع الأساسى فى المنطقة. وفى رأيها أن الموضوع الفلسطينى قد تحول إلى أحد أسباب عدم الاستقرار الدولى، بالإضافة إلى تأثيره الكبير فى الاتجاهات الراديكالية فى العالم الإسلامى، وتتخوف روسيا من ابتعاد العالم العربى عن العملية السياسية، وتراجع السلطة الفلسطينية أمام حركة «حماس»، وهى تعتبر أن نجاح عملية السلام هو الطريق الرئيسى لكبح هذا التوجه المقلق، ولوقف الإرهاب الإسلامى عامة. ويرى الروس أن العملية السياسية قد وصلت إلى حائط مسدود، وأن من يتحمل المسئولية عن ذلك هى إسرائيل والولاياتالمتحدة كما يرون أن إسرائيل اختارت حاليا ممارسة سياسة «الحفاظ على الوضع القائم» لاعتبارات سياسية داخلية، أما الولاياتالمتحدة فقد فشلت فى تحقيق سياستها، وبدأ أوباما يخسر مكانته السياسية، وقد أدت السياسة التى انتهجها إلى التصلب فى الموقف الإسرائيلى، وها هو اليوم يعود تدريجيا إلى سياسة الرؤساء الذين سبقوه. فى رأى الروس، أن أصل البلاء يعود إلى احتكار الولاياتالمتحدة العملية السياسية واستبعاد روسيا عن شئون الشرق الأوسط. وترفض روسيا هذا الموقف الأمريكى الأحادى وتطالب بتغييره. ولكنها على الرغم من ذلك فإنها لا تنوى استبعاد الولاياتالمتحدة عن الاهتمام بالعملية السلمية، وإنما تريد لنفسها دورا موازيا فى هذه العملية. ويشير الروس هنا إلى عدد من النقاط التى يتفوقون فيها على الولاياتتالمتحدة، مثل نجاح روسيا فى أن تبنى لنفسها موقعا متوازنا ومقبولا من كل الأطراف فى المنطقة «بما فى ذلك إسرائيل التى يعتبر الروس أن العلاقة معها ممتازة» ناهيك عن تحولها فى المدة الأخيرة إلى قوة عظمى لها تأثيرها فى العلاقات الدولية عامة وفى العالم الإسلامى خاصة. ولكن على الرغم من ذلك تعترف روسيا بأنها غير قادرة على الضغط على إسرائيل، وأنه حتى الولاياتالمتحدة بدأت تفقد هذه القدرة. ومن أجل الخروج من الطريق المسدود يقترح الروس إحياء فكرة المفاوضات المتعددة الأطراف. بدلا من المسار الثنائى الراهن، الذى صار عديم الفائدة. وهنا يأتى دور اللجنة الرباعية ففى رأيهم يجب إعادة تفعيل هذه اللجنة، وتطويرها وتحويلها إلى هيئة دولية ذات تأثير وصلاحيات «وليس هيئة وساطة فقط كما هو حالها اليوم»، ومن أجل تحقيق هذه الغاية، يجب توسيع اللجنة، وإشراك أطراف مهمة جديدة مثل الصين والهند، «وثمة اقتراح بإدخال دول من الشرق الأوسط»، كما اقترح الروس ضرورة استبدال الموفد الحالى للجنة الرباعية «تونى بلير» بموفد روسى، لأن روسيا هى التى تمتلك حاليا الموقع الملائم فى المنطقة. أما فيما يتعلق بكيفية إدارة العملية السلمية بحد ذاتها، فلا تطرح روسيا هنا أفكارا جديدة، وإنما تعتمد على الأفكار التى كانت موجودة سابقا بعد أن يصار إلى تحديثها، وتحويلها إلى خطة واضحة، يجرى عرضها على الأطراف كافة، ومن بين الاقتراحات المطروحة «تبادل أراضٍ» وتسوية فى القدس، وتأجيل مشكلة اللاجئين أو تغييرها كما سيعرض على الأطراف ترتيبات أمنية شاملة، ومقترحات لترتيبات فى مجال الاقتصاد والطاقة والبيئة والمياه وغيرها. بالنسبة للأطراف المحليين تبدى روسيا استعدادها للتوسط بينهم، وترسم الصورة التالية: 1 بالنسبة للفلسطينيين ترى روسيا أنهم فى ضائقة وأن الانقسام الداخلى يعود عليهم بالوبال، وأن قوة التيارات الراديكالية إلى ازدياد، «وهناك إمكان أن تتفوق حماس التى تعارض العملية السلمية على السلطة الفلسطينية مستقبلا». 2 أما بالنسبة لسوريا التى تتعاون إيجابيا مع روسيا، فهى فى رأيهم ليست مستعدة حاليا لفتح قناة التفاوض مع إسرائيل قبل الفلسطينيين، لأن السوريين لا يريدون أن يدخلوا وحدهم فى مفاوضات سلام معها. 3 وترى روسيا أن إسرائيل هى الطرف الأساسى القادر على التأثير فى استمرارية العملية السياسية، لذا ينبغى الضغط عليها ومثل هذا الأمر تقدر عليه الولاياتالمتحدة فقط وتعتقد روسيا أن بإمكانها التأثير إيجابا فى الساحة الإسرائيلية بفضل علاقاتها الجيدة مع إسرائيل وصورتها «كوسيط نزيه» ولكنها لا تملك وسائل كافية للضغط عليها. أما إيران فهى فى نظر الروس «دولة خطرة» بسبب مساعيها الرامية إلى إفشال عملية السلام، ولكونها تشكل خطرا على الاستقرار فى المنطقة بصورة عامة. وأما تركيا فقد فقدت دورها كوسيط نزيه» فى الشرق الأوسط، بسبب توجهاتها نحو العالم الإسلامى. وبالنسبة للدول العربية المعتدلة مثل مصر والسعودية والأردن، فهى لا تبذل الجهد المطلوب من أجل دفع العملية السلمية، وينبغى زيادة التنسيق بينها وبين إسرائيل. فى الخلاصة نحن نشهد تجددا للمسعى الروسى من أجل المشاركة فى العملية السياسية فى الشرق الأوسط والتأثير فيها. ويكمن فى أساس هذه الإستراتيجية التى تشكل جزءا من السياسة الخارجية الروسية الحالية ضعف الإدارة الأمريكية والطريق المسدود الذى وصلت إليه عملية السلام.