لم أصدق ما قرأت، وكى أتأكد بحثت عن أكثر من مصدر لصحة الخبر. والخبر هو تصريح من رئيس غرفة عمليات اللجنة العليا للانتخابات بأن اللجنة أصدرت قرارا للقضاة المشرفين على اللجان العامة فى الدوائر التى تشهد صراعات شديدة بأن يلتزموا مقار اللجان العامة وعدم مغادرتها خوفا على حياتهم ووفقا للصيغة التى أوردتها جريدة «اليوم السابع» أكد رئيس غرفة عمليات اللجنة العليا أنه يجب أن تقوم الشرطة بتأمين مقار اللجان الانتخابية، لكى يستطيع القاضى مباشرة دوره فى مراقبة أعمال اللجان التابعة له إذن هناك جملة ناقصة فى الاستدلال: على الشرطة أن تؤمن مقار اللجان، والشرطة لن تفعل ذلك، إذن لا يخرج القضاة من اللجان العامة إلى اللجان الفرعية ومن يريد التزوير، فهذه مسألة لا نملك حيالها شيئا ما هذه المهانة؟ إن الحزب الوطنى ينال من مؤسسات الدولة كى يظل فى الحكم. ولنعتبر هذا افتراضا قابلا للاختبار وله مؤشرات أولية تشير إلى صحته. لقد فقد الكثيرون الثقة فى مؤسسات الأمن باعتبارها تعمل لصالح مجموعة من الأفراد ضد مصالح أغلبية المصريين، وها هى مؤسسة القضاء تفقد هيبتها بسبب عدم احترام أبجديات القانون ووضع حد للانتهاكات المتكررة سواء من البلطجة أو الرشوة أو التزوير أما المؤشرات التى أقصدها فكانت تعليقات القراء على الخبر السابق، وسأشير لبعضها فقط ولكنها كلها تقريبا تسير فى نفس الاتجاه فقال أحدهم: لا يتجولون خوفا على حياتهم على أساس أن الانتخابات ستكون فى إسرائيل أو تورا بورا. واستنتج آخر أن «هذا أدق اعتراف بأنها انتخابات مزورة». ولخص ثالث موقفه فى كلمتين: «عليه العوض» ووجه رابع كلمته إلى رئيس الجمهورية بشكره على هذه المسرحية الهزلية. ويتعجب خامس من موقف الأمن الذى لا يستطيع أن يحمى القضاة وفى نفس الوقت «يشرف على التزوير ويباركه ويحميه». وآخر التعليقات جاءت من شخص وضعنا جميعا فى جوهر المأزق بالتأكيد على أن هيبة الدولة وسيادة القانون انتهيا وهو ما يعتبره من إنجازات حكومة الحزب الوطنى إن شيوع هذه الآراء بين قطاع من المصريين يشير إلى أننا أمام جريمة تاريخية لها فاعل وأداة وضحية. أما الفاعل فهو الحزب الوطنى والأداة هى امتهان جميع مؤسسات الدولة وقيمها (من قانون وقضاء وأمن ومجلس تشريعى) كى يبقى هو فى سدة الحكم والضحية هو المواطن المصرى، الذى استمرأ دور الضحية واكتفى به. ولكن إلى متى؟.