انتهى التصويت داخل إحدى لجان مدينة فى الصعيد فى الساعة السابعة مساء الأحد.. وبعد أن تم تجميع الصناديق من اللجان الفرعية الصغيرة فى القرى والنجوع، تم بدء الفرز لينتهى الأمر تماما فجر اليوم التالى. عرف جميع من كانوا داخل لجنة الفرز الرئيسية أن المرشح «ه» قد رسب تماما وأن «ص» سيدخل انتخابات الإعادة مع المرشح «م» واستغرب الجميع أن رئيس اللجنة لا يريد إعلان النتيجة. شخص ما يعرف رئيس اللجنة جيدا اقترب منه سأله بود شديد من واقع صداقة قديمة لماذا لا تعلن النتيجة وتعود إلى منزلك؟!. الرجل أجابه وهو متوتر أكثر بأنه فى انتظار التعليمات.. حاول الصديق القديم الاستفسار أكثر، لكن المسئول تركه وعاد إلى زحام اللجنة. عندما انتصف النهار تفاجأ الجميع بأن المسئول يعلن أن الإعادة ستكون بين «م» صاحب أعلى الأصوات والمرشح «ه» الذى كان الجميع يعرفون أنه قد سقط وهكذا وجد «ص» نفسه فى «الكازوزة». تكهرب الجو وخرج أنصار «ص» يهتفون ضد الحزب الوطنى رغم أن مرشحهم ينتمى للحزب نفسه.. وتطورت الأمور إلى إحراق مقر الحزب ومهاجمة قسم الشرطة. هذه الحكاية ليست خيالية، لكنها حدثت فى إحدى مدن الصعيد، ولولا أن الشخص الذى حكاها لى اثق به تماما، ما صدقتها، الراوى كان عضوا سابقا فى مجلس الشعب، ويعرف رئيس اللجنة شخصيا. حاولت أن أعرف هل كان رئيس اللجنة عندما كان يتحدث عن انتظار التعليمات يقصد تعليمات من اللجنة العليا للانتخابات فى القاهرة، أم من مسئول قيادى فى الحزب الوطنى أم من ماذا؟!. على حد علمى أن رئيس اللجنة هو الذى يجرى عملية الفرز ويعلن النتيجة ويبلغها للجنة العليا، وليس من حق أحد غيره أن يقول له أعلن نجاح هذا المرشح أو فشل مرشح آخر. هذه الحكاية يبدو أنها تكررت فى دوائر كثيرة، وهى تستحق التأمل والتفكير، لأنها إذا صحت تعنى أننا وصلنا إلى مرحلة متقدمة من التزوير الفج، الذى يبدو أن أصحابه وصلوا إلى مرحلة من الفجور لم يعد يخشون فيها أحدا، أو لم يكلفوا أنفسهم حتى محاولة تزيين التزوير، وإخراجه بشكل به حد أدنى من المنطق. عندما تتأخر نتائج، وتتغير نتائج أخرى، ويعلن فوز شخص فى الصباح، ثم يدخل الإعادة ظهرا، وعندما يأتى المساء يتحول إلى ساقط، نكون قد وصلنا إلى مرحلة أقرب إلى تطهير مجلس الشعب من كل العناصر غير المرغوب فيها. من حقنا أن نسأل الآن.. من الذى أخطأ؟ الحكومة عندما أصرت على الغاء الإشراف القضائى الكامل على العملية الانتخابية، أم القضاة الذين قبلوا ما يشبه العملية الانتحارية، أم اللجنة العليا للانتخابات التى ستجد نفسها مسئولة أمام التاريخ عن انتخابات لم تكن هى المتحكمة فعلا فى كل تفاصيلها. بغض النظر عن أشياء كثيرة فإن العقل المدبر أو المخرج الكبير لما حدث يوم الأحد، لم يكن مخرجا مسرحيا جيدا.. لم يعد نصه جيدا، لم يختر ممثلين مناسبين، احتقر الجمهور، وخالف كل قواعد التمثيل والإخراج.. والنتيجة مسرحية هزلية!.