فى الانتخابات قصص كثيرة وحكايات طويلة، منذ أن يتقدم المرشح بأوراقه المطلوبة للترشيح، وربما قبل ذلك ببعض الوقت، مرورا بخوض المعركة الانتخابية مع منافسيه، وصولا إلى يوم التصويت وإعلان النتائج، فبين التقدم للترشيح وإعلان أسماء الفائزين فى الانتخابات تدور الكثير من الوقائع والأحداث. وتشهد أحداث التاريخ الحديث والمعاصر كيف أن ممارسة العملية الانتخابية ليست عملية سهلة أو بسيطة فهى تحتاج إلى خطط محكمة وترتيبات منظمة من أجل ضمان الفوز وتحقيقه. يُقدم المرشح لأهالى دائرته برنامجا انتخابيا، وقد لا يقدمه مكتفيا بالخطب والأحاديث المملوءة بالآمال والوعود، ويقصده أهالى الدائرة لأداء بعض الخدمات. ويتفق المرشح مع أشخاص يتولون الدعاية الانتخابية من إعداد الملصقات ولافتات الدعاية والإعلانات وتنظيم اللقاءات الجماهيرية وتوزيع البرنامج الانتخابى، كما يحتاج المرشح إلى مساندة شخصيات عامة لها مصداقية وقبول عند الجماهير، تخطب من أجله وتحث الناس على انتخابه. بعض المرشحين يستخدمون وسائل شريفة ونزيهة فى حملتهم الانتخابية، وبعضهم يستخدم وسائل غير شريفة، أما البعض الثالث فإنه يجمع بين النوعين من الوسائل.. ففى الانتخابات نسمع عن المرشح الذى هبط (بالبراشوت) على الدائرة، التى رشح نفسه فيها لينوب عن أهلها، فلم يكن يوما ما من بين سكانها ولم يكن من أهلها، ونسمع عن رشوة الناخبين وشراء الأصوات، وإطلاق الشائعات، وافتعال المشاجرات مع مؤيدى المرشح المنافس. ومن تاريخ المعارك الانتخابية، التى دارت فى مصر، منذ نحو خمس وسبعين سنة، إن جريدة (الإنذار)، وكانت صحيفة سياسية أسبوعية تصدر بمدينة المنيا بصعيد مصر لصاحبها صادق سلامة، نشرت فى عددها الصادر بتاريخ 25 ديسمبر 1949 مقالا عنوانه «من مذكرات مرشح قديم: كيف واجهت الناخبين لأول مرة!» كتبه الأستاذ زهير صبرى وكان يعمل محاميا كما كان عضوا فى البرلمان المصرى لعدة دورات تحدث فيه عن ذكرياته فى أول معركة انتخابية يخوضها، حيث كتب يقول: واجهت الناخبين لأول مرة سنة 1935 بدائرة نكلا بالجيزة. لم أكن أعرف أحدا من أهلها. بل ولعلى لم أكن أعرف موقع دائرتى من مديرية الجيزة على وجه التحديد. فكل مؤهلاتى لخوض المعركة الانتخابية الرهيبة هى أننى مرشح الوفد المصرى! لكن ذلك على العموم كان يكفى. فلم تكن النفوس قد تغيرت. ولم يكن الناخب يعرف المساومة. ولم يكن المرشح يجرؤ على تقديم الرشوة. وكانت المعركة معركة دعاية لا أكثر ولا أقل! وبدأ منافسى يطلق الشائعات بين الناخبين ضدى. وكانت أهمها على الإطلاق: أولا: إننى يهودى مغربى. ثانيا: إن الوفد بعد أن رشحنى خجل من تأييدى بدليل أن النحاس باشا لم يوفد مكرم عبيد باشا أو توفيق دياب مثلا ليخطب لمصلحتى.. ثالثا: إننى بخيل جدا. أما الشائعة الأولى فلم ألبث أن قضيت عليها بالحكاية التى اشتهرت عنى. فقد استخرجت شجرة الأنساب من نقابة الأشراف التى انتسب إليها. وهى لا تثبت إسلامى فحسب. بل تثبت أيضا أننى أنحدر من سلالة الحسين رضى الله عنه ابن بنت النبى عليه الصلاة والسلام. ونشرت صورة شجرة الأنساب بالزنكوغراف وطبعتها فى منشور. ما كاد الناخبون يقرأونه حتى حملونى على الأكتاف. وطافوا يهتفون يحيا ابن بنت رسول الله. أما الشائعة الثانية. الخاصة بعدم اهتمام النحاس باشا بأمر ترشيحى فقد قضيت عليها بمناورة لطيفة إذا اصطحبت معى يوما صديقى الأستاذ حسن النحاس المحامى وتفضل أنصارى بإطلاق إشاعة قبيل حضورنا إلى الدائرة. هى أن رفعة النحاس باشا سيوفد شقيقه حسن بك بالنيابة عنه.. وذهبنا. وتعالى الهتاف بحياة (النحاس وشقيقه) وحياة (أخ الزعيم) إلى آخر هذه الهتافات التى ألقمت منافسى حجرا وأى حجر. إما الشائعة الثالثة. إشاعة بخلى. فقد رددت عليها عمليا. إذ دعوت نحو ستين ناخبا من أعيان الدائرة لتناول الغداء فى مطعم معروف بالقاهرة. وطلبت إليهم أن يطلب كل منهم ما شاء من الكباب والكفتة والكبد إلخ ما اشتهر به ذلك الحاتى. وكان أقصى ما أتصور أن يتناول الواحد منهم رطلين فى المتوسط. ولكن هالنى ما رأيته بعينى أثناء الأكل. فقد التهم الرجل الذى كان يجلس إلى جوارى ثمانية أرطال كباب وثلاثة (مخاصى) وطلب الرجل الذى كان يجلس أمامى ستة أرطال كباب على كفتة وأعقبها برطلين كبده.. وما زلت إلى الآن فى دهشة لا أعرف كيف استطاع ستون رجلا أن ياكلوا كبابا بمائة جنيه فى وجبة واحدة. وفى سنة 1935 حيث الأسعار متهاودة بسيطة! هل أكلوا بهذا الشكل الفظيع انتقاما من الرجل البخيل، كما صوره لهم منافسى سامحه الله؟ أم أكلوا هكذا بالأصالة عن أنفسهم وبالنيابة عن بقية أهل الدائرة الذين لم أشأ أن أكلفهم مشقة الحضور؟ أم أن هذه هى عادتهم فعلا وأكثرهم من العربان وهذه هى تقاليدهم فى المآدب؟ على كل حال.. كل هذا لا يهمنا الآن.. المهم هو أننى اكتسحت منافسى فى ذلك الحين.. فلم يظفر حتى بالتأمين!».