فى أسبوع واحد احتلت مصر المركز الأول فى الإصابة بإنفلونزا الطيور وخرجت تماما من تصنيف أفضل خمسمائة جامعة فى العالم، ليس ذلك سوء حظ بطبيعة الحال، ولكنه سوء إدارة وترتيب. لن نفصل فى مسألة الإصابة بإنفلونزا الطيور التى أفاضت الصحف المصرية فى الحديث عنها طيلة الأيام الماضية، لكن ما يحتاج إلى بعض التفصيل هو الشق الخاص بالفشل الأكاديمى الذريع الذى شهد به تصنيف الجامعات الأفضل فى العالم، وهو ما صدمنا به زميلنا الأستاذ لبيب السباعى حين نعى إلينا الخبر فى الأهرام «عدد 27/4»، وأرفقه ببعض البيانات التى تملؤنا شعورا بالحسرة والغضب. قال زميلنا فى تقريره المفجع إنه قبل ثلاث سنوات جاءت جامعة القاهرة فى مركز متأخر فى الترتيب العالمى للجامعات، لكن الموقف أصبح أسوأ الآن. حيث غابت الجامعات ومراكز البحوث العلمية المصرية والعربية جميعها من التصنيف، فى حين انضمت إلى قائمة الجامعات الأفضل ست جامعات ومراكز بحثية إسرائيلية (كانت ثلاثا فى التصنيف السابق) وثلاث جامعات من جنوب أفريقيا. كنت قد كتبت قبل أيام عن بعض مظاهر تخريب التعليم فى مصر، وجاء التقرير الدولى الذى نحن بصدده لكى يعلن إحدى النتائج التى حققها ذلك التخريب. وقد عبرت فيما أشرت وقتذاك عن الدهشة إزاء سكوت المسئولين عما يحدث فى ذلك القطاع، الذى هو فى تماس مباشر مع الأمن القومى للبلد، باعتبار أن ضحايا آثاره المدمرة هم الأجيال الجديدة، ها نحن نجد أن المأساة ذاتها تتكرر مع التعليم الجامعى، إذ حين أعلن قبل ثلاث سنوات أن جامعة واحدة فى مصر هى جامعة القاهرة قد أصبحت فى مركز متأخر ضمن الجامعات المحترمة، وهى التى ظلت منارة للمعرفة فى العالم العربى على الأقل، فإن ذلك الفقر العلمى لم يحرك شيئا فى بر مصر. بالتالى ظل مؤشر التدهور يستمر فى الهبوط حتى خرج التعليم الجامعى تماما من المنافسة، فى الوقت الذى وجدنا فيه أن الآخرين لا يتوقفون عن الصعود ويصرون عليه. لا أعرف صدى الصدمة الأخيرة، لكننى أتصور أن أى إدارة رشيدة تتحلى بالوعى والمسئولية لابد أن تتحرك بسرعة للإجابة عن سؤالين هما: لماذا تراجعت أوضاع الجامعات ومراكز الأبحاث. ومن بالضبط المسئول عن ذلك التراجع؟ وكيف يمكن إنقاذ الموقف والنهوض بالجامعات ومراكز البحث العلمى؟. حين نجح الاتحاد السوفييتى فى إرسال رائد فضاء إلى القمر محققا بذلك سبقا علميا كبيرا على الولاياتالمتحدة، فإن الدنيا قامت ولم تقعد فى واشنطن، وأصدر وزير التعليم هناك فى عام 1981 قرارا بتشكيل لجنة ضمت 18 شخصا من أكبر العقول الأمريكية لتقييم حالة التعليم فى البلد، وإصدار التوصيات التى تمكن أمريكا من اللحاق بالاتحاد السوفييتى ومنافسته. وأصدرت اللجنة بعد سنتين من العمل الجاد تقريرا ذاع صيته آنذاك، تضمن توصيات متعددة للنهوض بالتعليم، كان عنوانه «أمة فى خطر». وهذا الذى حدث للجامعات المصرية يستحق استنفارا مماثلا من جانب الغيورين على التعليم والمستقبل والأمن القومى للبلد. ولكن يبدو أن ثمة مشكلة فى العثور على هذا الصنف من الناس، أو أنهم موجودون فعلا ولكنهم مشغولون بأمور أخرى. هذه البلادة التى نتعامل بها مع ملف التعليم ليست حكرا عليه فقط، لأننا نرى تجسيدا لها فى التعامل مع إنفلونزا الطيور، التى كانت شبحا يلوح فى الأفق منذ سنتين، وتحولت مع اللامبالاة والتراخى المشهودين إلى خطر داهم يهدد البلاد والعباد. وهوما يعنى أن المشكلة أكبر من الجامعات أو من إنفلونزا الطيور، وأنها تكمن فى أسلوب إدارة المجتمع وترتيب أولويات مشكلاته، التى أصبح الأمن السياسى على رأسها، وكل ما عداه أقل أهمية أو عديم الأهمية.