فرقة الشارع

بعد خروجنا من العرض الذى قدمته «فرقة الشارع» بساقية الصاوى، قال لى المخرج الكبير «خيرى بشارة»: «وكأننا يا صديقى انتقلنا إلى عالم آخر». أظنه كان يقصد أن حنينا جارفا لزمن مضى قد عاد بقوة يغمرنا. بالفعل كان حضور عرض «الوطن واحد» أشعار شاعرنا العظيم فؤاد حداد بمثابة عملية غسيل رئة متكامل تنسمنا خلاله عشرات أنابيب الأوكسجين غير المضروب فخرجنا إلى الشارع سكارى. «فرقة الشارع» مكونة من الشاعر والصديق أمين حداد وسامية جاهين وأحمد حداد وآية حميدة وسلمى حداد ومى حداد والملحن وعازف العود المعجزة حازم شاهين. ومعهم العازفون أشرف نجاتى (عود) ويوسف الشريعى (بيانو) وشريف المصرى (جيتار) وحسن المنيلاوى (عود) وإسلام عبدالعزيز (عود). ينتقل العرض من قراءة لقصائد فؤاد حداد إلى غناء قصائد ملحنة وأحيانا تتداخل القراءة مع الغناء، وأحيانا أخرى تتمازج القراءة مع الموسيقى. ولحظات الصمت تصفيق حاد من جميع الحضور. كان يجلس إلى جوارى رجل فى الخمسين من العمر يتمايل بصفة متصلة من حالة طرب سكنته. ومع كل بيت يناجى وجدانه يصرخ: الله الله يا فؤاد. وانتقلت عدوى هذه الحالة إلىّ تدريجيا وبدأت ألاحظ أن الأبيات التى تعجبه تبهرنى، ثم فوجئت أن هذه الأبيات تصل إلى جميع الحضور فى نفس اللحظة وكأن هناك رباطا خفيا يضمنا جميعا ويصل فى نفس اللحظة إلى قلب فؤاد حداد. استمعنا إلى العديد من القصائد ولكننى سعدت بشكل خاص وابنى بجانبى ونحن نستمع إلى هذه القصيدة:
مصر جميلة
خليك فاكر مصر جميلة
كان على راسها ولفّت راسى
شمس العصر مع البلاصى
إخلاصها يزود إخلاصى
مصر جميلة
خليك فاكر مصر جميلة
الأداء من جميع أعضاء فرقة الشارع كان رائعا، بالطبع كان أداء المعلم أمين حداد أكثر احترافية من الشباب، أما صوت سامية جاهين وغناؤها فيخرج من روحها مباشرة ليخترق بسهم جاهينى ورثته ولاشك عن أبيها قلوب الحضور فتنفرج الآهات. بدأت عروض هذه الفرقة فى منتصف الثمانينيات، وأخذت شكلا جديدا عام 2004 بإطلاق اسم فرقة الشارع عليها. وأضاف انضمام حازم شاهين لها عام 2006 بعدا جديدا بألحانه وموسيقاه واحساسه المرهف وعزفه المعجز. «فرقة الشارع» قدمت خلال السنوات الماضية قراءة وغناء لأشعار فؤاد حداد وصلاح جاهين وأمين حداد وبهاء جاهين وأحمد حداد. بدأت الفكرة بتقديم أشعار للعملاقين الراحلين. ثم تطورت إلى قراءة أشعار الأبناء ثم الحفيد الموهوب أحمد. واليوم تخطط «فرقة الشارع» لتقديم عروض لشاعرنا بيرم التونسى ولأعمال الموسيقار زكريا أحمد أحد عمالقة الموسيقى العربية.
العرض الأخير أعده أمين حداد والألحان لحازم شاهين، واستطاعا بالكلمة والموسيقى تقديم عمل فنى يحمل طاقة وجدانية أتمنى أن تصل إلى كل عربى، ولكنها وصلت ولا شك لجمهور الحضور. هذا الجمهور الذى يجعلنا نتذكر دائما أن مصر جميلة، هؤلاء هم من يكتب لهم وعنهم فؤاد حداد ويذكرهم أن مصر بكم جميلة. تحية خالصة لهذا الجمهور الذى يرد بحسم وقوة على هؤلاء المجحفين الذين يرددون بلا انقطاع أن الجمهور لا يريد غير الردىء ولا يستهلك غير البضاعة الفاسدة، هؤلاء الذين يمتلكون كل أبواق الدعاية والتليفزيونات وغيرها من أدوات إعلامية وينتجون الغث لتأكيد أن مصر قبيحة، أقول لهم يا ليتكم كنتم معنا لتستمعوا بفرقة الشارع وهى تغنى:
كل الزرع حافظ لى منابى
كل الأرض بساط لاجنابى
عقد الحلو خرز عنابى
مصر جميلة
خليك فاكر مصر جميلة