العديد من أجهزة الموبايل التى يذهب بها أصحابها إلى الصيانة فى مناطق مختلفة من القاهرة وأحيانا فى بعض المحافظات، تمر دون أن يدرى أصحابها على مكتب هشام إسماعيل بشارع عبدالعزيز. هناك حركة دائبة تصعد إلى المكتب الذى يحتل شقة فى الدور الثانى من البناية التى يعلوها فندق العتبة. أصحاب منافذ الصيانة هم المتعاملون الرئيسيون، يحضرون إليه أجهزة الموبايل التى يتسلمونها من زبائنهم، يسلمونها فى الصالة الصغيرة أو ينتظرون قليلا على الكراسى القليلة فى جوانبها انتظارا لهشام أو أحد مساعديه. من مكانه بالداخل يشاهد هشام إسماعيل الحركة فى الصالة عبر شاشة معلقة أعلى الحائط المواجه له. على مكتبه عدد ضخم من أجهزة الموبايل المفككة وقطع متناثرة منها بجانب أدواته الأساسية. الأجهزة التالفة المرتجعة كانت طريقه من العمل كموزع إلى أن يصبح واحدا من أشهر متخصصى الصيانة فى شارع عبدالعزيز. يقول هشام: «الحمد لله. معظم محلات الصيانة فى عبدالعزيز بتصلح عندى، وعندى أيام مخصصة فى الأسبوع لوارد المحافظات. فيه عمال فى السكة الحديد بيجيبولى الأجهزة العطلانة حتى من أسوان ويستلموا الأجهزة المتصلحة من المرة الى فاتت». الشقة التى يحتلها المكتب كانت قبل ذلك مخزنا لمحل أدوات كهربائية يملكه والده إسماعيل تمام. بدأ هشام العمل معه فى تجارة الأجهزة منذ عام 1993. مرتجع الأجهزة التالفة استفز هشام: «دى عادة عندى. ما فيش أى حاجة تبوظ فى البيت إلا وأفتحها وأحاول أصلحها»، بدأ هشام تجربته مع أجهزة الأتارى وحاول إصلاحها ونجح فى ذلك ليحول جزءا من خسارة المرتجع إلى مكسب بيع المستعمل. عندما فترت تجارة الأجهزة الكهربائية فى شارع عبدالعزيز وانتعشت تجارة الموبايل، تحول هشام إلى موزع للأجهزة الموبايل، افتتح محلا أمام جامعة عين شمس، ومرة أخرى واجه مرتجع الأجهزة التالفة وبدأ فى التعامل معها محاولا الاستفادة منها. فى بداية الأمر احتاج مساعدة معلم. كان الباشمهندس جمال، أحد مساعدى محمد عبدالحميد الذى اشتهر فى شارع عبدالعزيز بدكتور المحمول. يتوقف هشام هنا ويقول إن الله فتح عليه وأصبح شريكا فى مصنع شواحن وكابلات فى الصين، أما مساعده جمال فقد افتتح مكتبا للصيانة فى مدينة نصر. بمساعدة الباشمهندس جمال بدأ هشام تعلم أساسيات صيانة الموبايل، ثم واصل مسيرته عبر التجربة والخطأ وتسجيل الملاحظات فى كشكول خاص يعتز به ولا يفارق مكتبه: «التكرار علمنى، أنا فتحت أكتر من 1000 جهاز دلوقتى. ولما تكون بتحب حاجة وغاويها بتصبر عليها وتتعلم. وأنا سهرت كتير بأجرب وأفتح أجهزة علشان أفهمها وأكتشف عيوبها». هشام متخصص فى أجهزة «نوكيا» وفى مكتبه أقسام متخصصة لكل نوع. على باب كل قسم مكتوب اسم المسئول وتخصصه، وقد يمتزجان: «سامح سامسونج» مثلا. التحديث الدائم فى التقنيات يمثل تحد لهشام ورفاقه. ولكنه لا يزال يستعين أحيانا بمشورة المهندس جمال معلمه وصديقه، وأحيانا كثيرة يطلب من زملائه ومساعديه البحث عبر الإنترنت عن بعض المعلومات والبيانات عن الأجهزة الجديدة ومشاكلها المتكررة. ولكن التحدى الأهم لهشام وزملائه هى العيوب التى ترفض مراكز الصيانة المعتمدة والتوكيلات التعامل معها. ساعتها يغلق هشام باب غرفته على نفسه لساعات متواصلة أو تشترك مجموعة فى ذلك، حتى يتم اكتشاف العيب وابتكار طريقة ما لتجاوزه. قد يضطر هشام أحيانا للتضحية بجهازين أو ثلاثة خلال الفك والتركيب والتجربة ويتحمل ثمنها مقابل اكتشاف الحل. يبتسم هشام وهو يحكى شعوره لحظة الوصول للمشكلة وحلها: «ربنا بيوقفنا دايما. وبتفضل الطريقة سر لمدة 6 أشهر مثلا، لحد ما نلم حقها. وبعد كده ممكن أعلمها للحبايب فى شارع عبدالعزيز وغيرهم». تتسع ابتسامته وهو يقول إن بعض العاملين فى التوكيلات ومراكز الصيانة المعتمدة يحضرون أجهزتهم الخاصة إليه لكى يصلحها. ويحكى حكاية عن وزير يرفض ذكر اسمه أرسل إليه جهازه الذى أصابه عطل ما وعجز خبراء الصيانة عن استخراج الأرقام والبيانات المسجلة عليه. وكانت رسالة الوزير أنه سيدفع مثل ثمن الموبايل مقابل اسطوانة عليها الأرقام والبيانات، ويؤكد هشام أنه نجح فى ذلك بعد بعض العناء: «بفضل الله. الموضوع ده تخصصى». عند ذكر أكاديميات تعليم صيانة المحمول يزداد اعتداده بنفسه: «أنا أدرس لمائة مدرس أكاديمية. خريجو الأكاديميات والدورات بيجولى علشان أعلمهم يعرفوا يشتغلوا فى السوق. الممارسة هى الأساس، الحاجات المكتوبة ودورات الصيانة بتعلم تركيب الأجهزة ومعلومات أساسية، لكن الأجهزة بتتغير كل يوم والمشاكل بتتغير». يستدرك أنه يساعد زملاءه من العاملين فى الصيانة فى شارع عبدالعزيز ويعلمهم: «أنا هنا بقيت زى شيخ حارة وعلىّ واجبات». ويقول إنه يأتيه يوميا شباب وكهول وشيوخ وفتيات ونساء منتقبات يطلبون تعلم الصيانة، فيوافق أحيانا عندما يجد استعدادا فى الراغب: «شغلانة الصيانة عاوزة الصبور الهادى الراكز القاعد. إحنا ساعات بنسهر على الأجهزة نفكك ونجرب يوم بليلة»، ولكن هشام يرفض تعليم البنات والنساء ولا يرى لهن مكانا فى هذه المهنة أو على الأقل فى مكتبه. يضيف أن بعض دور النشر عرضت عليه كتابة كتب وملخصات فى الصيانة وبعض المراكز عرضت عليه التدريس فى دورات، وهو حتى الآن يرفض العروض ولكنه سيعيد التفكير فى ذلك وربما يفتتح هو مركزا تعليميا. وكأى نابغ مترفع يشعر أنه مل من المهنة لكثرة الدخلاء والسمعة السيئة لبعض العاملين فى مجال الصيانة، تتغير ملامحه قليلا وهو يقول: «أنا أصلا خريج كلية الحقوق من جامعة عين شمس وعضو نقابة المحامين. صحيح لم أمارس المحاماة لكنى أقول فى منطقة سكنى وأى مكان أنى محامى. سمعة شارع عبدالعزيز سيئة بسبب ممارسات البياعين والنصب وتبديل الأجزاء الأصلية بالمضروبة».ثم يوضح أن هناك لافتة فى الصالة مكتوب عليها أنه يرفض تسلم أى شىء إلا اللوحة الرئيسية للموبايل «البوردة» لكى يتجنب الأقاويل واحتمالات الشك فى استبدال الإكسسوارات أو الشاشات ويحافظ على سمعته. يرفع يديه بحزم: «سمعتى هى كل شىء. هى اللى بتجيب لى ناس من كل مكان. وهى اللى خلتنى أتكلم معاكم دلوقتى».