يبدو أن هناك قانونا جديدا يترسخ يوما بعد يوم.. يتم سنه من دون أن يمر على البرلمان.. القانون يقول إن من يملك المال الكثير يمكنه أن يرتكب ما يشاء من الجرائم، ثم يدفع دية أو تعويضا للضحية أو أهل الضحية، ويفلت من جريمته أو على الأقل تخفف عقوبته إلى أدنى حد ممكن. فى يوم واحد هو السبت الماضى كان هناك حدثان ملفتان البطل فيهما هو المال الكثير الذى يغسل الجرائم بطريقة أكثر بياضا. الحدث الأول يقول إن استيفو ريمون كريازى نجل صاحب شركات كريازى لإنتاج الأدوات الكهربائية المنزلية والذى كان متهما بالشروع فى قتل ضابط أمن الدولة السابق ولى الدين شفيق فى نهاية أغسطس الماضى بمصر الجديدة، تصالح مع المجنى عليه مقابل تعويضه ماليا وتحمل جميع نفقات علاجه فى ألمانيا، إضافة إلى التبرع بمليون جنيه لمركز الدكتور محمد غنيم للكلى اعتذارا من المتهم للشعب المصرى الذى حاول الاعتداء على احد افراده. الحدث الثانى فى نفس اليوم يقول إن طالب الجامعة الأمريكية على عبدالحميد المتهم بقتل 12 شخصا وإصابة 8 آخرين على الطريق الدائرى فى أكتوبر الماضى قد تصالح مع 3 من أسر ضحاياه. قبلها بيوم كان أهالى الضحايا يرفضون العرض الذى تقدمت به أسرة المتهم والمتضمن 40 ألف جنيه لأسرة كل متوفى و5 آلاف جنيه لكل مصاب. الجريمة الأولى مازالت بعض أسرارها غامضة، وهناك أطراف كثيرة متورطة فيها، أو فى محاولة حلها بعيدا عن المسار القانونى، وهى جريمة تكشف إلى أى حد وصلت سلطة ونفوذ المال، وكيف يمكن للصراع بين الكبار أن يكون بلا حدود، والتصالح جاء قبل بدء المحاكمة، لكنه لم يكشف كم حصل المجنى عليه تعويضا عما لحق به. فى الجريمة الثانية، فإن المتهم لم يكن يقصد بالطبع أن يقتل هؤلاء الأبرياء، لكن الكارثة أن هذا الاستهتار وغياب الردع فى مخالفات المرور هو الذى يجعل مثل هذه الحوادث تتكرر، طالما أن ثمن القتيل لن يزيد على 40 ألف جنيه. بالطبع علينا ألا ننسى أن هناك رائدا كبيرا فى هذا المجال هو هشام طلعت مصطفى الذى دفع مبلغا لم يتم تأكيده وقيل إنه بملايين الدولارات لأسرة المطربة سوزان تميم المدان بقتلها هو وضابط الشرطة السابق محسن السكرى. هذا المبلغ لعب الدور الكبير فى تخفيف الحكم من الإعدام إلى السجن مثلما أكد خبراء القانون. يمكن تفهم دفع الدية وجريمة القتل الخطأ فى حوادث الطرق، شرط أن يكون المتهم يحمل رخصة قيادة ويلتزم بقوانين المرور لكن أن يلجأ كل قاتل او ابن ثرى أو متهم بالقتل إلى سلاح المال للإفلات بجريمته، فتلك جريمة كبرى علينا أن نحذر منها. فى الماضى البغيض كان من يملك المال يستطيع الإفلات من الخدمة العسكرية بحيث يذهب إليها الفقراء فقط. بالمنطق الحالى، فلن نجد فى سجوننا المستقبلية إلا الفقراء الذين لا يستطيعون دفع الدية، أما الغنى فيمكنه أن يقتل من يشاء طالما أنه قادر على الدفع والتصالح قبل النطق بالحكم.