خرج الحضور بتشاؤم واضح من مستقبل السودان، عقب كلمة ألقاها زعيم حزب الأمة القومى السودانى الصادق المهدى، أمام المجلس المصرى للشئون الخارجية أمس الأول، حذر فيها من أن استفتاء أبناء جنوب السودان على حق تقرير مصيرهم فى الظروف الراهنة سيكون «استفتاء مضروبا يسمم الأجواء بين الشمال والجنوب، ويحول السودان إلى جبل مغناطيس يجذب إليه جميع تناقضات مناطق القرن الإفريقى وحوض النيل والشرق الأوسط». رئيس الوزراء السودانى الأسبق (1985 1989) وصف ما أسماه اهتمام الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى وباقى الدول الكبرى «بشكل الاستفتاء دون جوهره» بأنه «نوع من «الدروشة السياسية». وتصر جميع التصريحات الصادرة عن واشنطن على إجراء الاستفتاء فى موعده، «مهما كان الأمر»، على الرغم من تحذير 26 منظمة إنسانية ومركز بحثى غربى من أن السودان ليس مستعدا لإجراء استفتاء حر ونزيه، وهو أمر يمكن أن يعيد البلاد إلى المربع الأول من الحرب الأهلية، التى حصدت خلال عقدين أكثر من مليونى إنسان، بخلاف النازحين واللاجئين، والمصابين. وكان السيناتور الأمريكى جون كيرى قد صرح أمس الأول قائلا: «تلقيت خطابا مكتوبا بعبارات واضحة يؤكد أن حكومة السودان تلتزم باجراء استفتاء جنوب السودان فى التاسع من يناير المقبل، وتلتزم بنتيجته». وفى نفس اليوم، وخلال مؤتمر صحفى بواشنطن، قال المبعوث الأمريكى إلى السودان سكوت جرايشن، إن الإدارة الأمريكية ملتزمة باستفتاء الجنوب واستفتاء منطقة أبيى، وحث حزب المؤتمر الوطنى الحاكم، والحركة الشعبية على اتخاذ القرارات والخطوات اللازمة لتحقيق ذلك. هذا الإصرار الأمريكى أرجعه المهدى إلى رغبة الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى «تحقيق انتصار دولى، يمكنه من الفوز بولاية ثانية، خصوصا مع حقيقة أن السودان هو المنطقة الوحيدة لتحقيق نجاح للسياسة الخارجية الأمريكية، بعد فشلها فى جميع مناطق إفريقيا (الصومال وزيمبابوى والكونغو الديمقراطية) والشرق الأوسط (فلسطين والعراق وإيران)، وجنوب آسيا (أفغانستان وباكستان)». وطالب ب«إسناد إدارة الاستفتاء لجهة محايدة، لأن أى جهة سودانية سيطعن فى نزاهتها»، مضيفا أن «دولا آسيوية وإسكندنافية ستكون مقبولة من جميع الأطراف». وحذر من الركون للوعود الأمريكية والإسرائيلية، معتبرا أنها «وعود كاذبة»، لأن «أمريكا وإسرائيل..فى مرحلة جدية لا يستطيعان فيها صنع المعجزات». وحذر المهدى من تجدد الحرب، فى المناطق التى تشهد خلافا قبليا على المراعى، وهى ما يعرف فى السودان «مناطق التداخل العرقى». وتابع قائلا: أنا أصدق الرئيس (عمر) البشير ونائبه سيلفاكير (ميارديت) فى قولهما أنهما لا يريدان العودة للحرب، إلا أن «أطرافا ثالثة وحلفاء هم الذين يمكن أن يشتبكوا ويجروا الآخرين للحرب»، فى إشارة لمناطق التداخل القبلى، التى شهدت حروبا طويلة ومتكررة، خلال العقود الماضية. ويضم السودان 570 قبيلة تتكلم 130 لغة، وهو ما يمثل «نصف الدماء الإفريقية»، بحسب تعبير رئيس قطاع الشمال فى الحركة الشعبية ياسر عرمان، إلا أن وسط السودان يشهد تداخلا عربيا إفريقيا على امتداد أكثر من 1300 كيلومتر، أبرزها منطقة أبيى الغنية بالنفط بين الدينكا نوكوك (أفارقة) والمسيرية (عرب)، والتى شهدت قتالا بين القبيلتين، حول المراعى وأحقية التصويت فى الاستفتاء، إضافة إلى منطقتى جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان، حيث سيطبق قانون المشورة الشعبية. وقال المهدى إنه سيبحث مع رئيس حكومة الجنوب ورئيس الحركة الشعبية سيلفا كير الأسبوع المقبل فى الخرطوم «خطة بديلة فى حال الانفصال، تهدف إلى وحدة ندية أو انفصال واصل».