تواصلت أمس ردود الأفعال السياسية والإعلامية على ما كشفت عنه 390 ألف وثيقة سرية عن حرب العراق نشرها موقع «ويكيليكس» مساء الجمعة الماضى، محدثا ضجة كبيرة فى بغداد وواشنطن والعديد من العواصم المرتبط بغزو العراق فى مارس 2003. رئيس الوزراء العراقى المنتهية ولايته، والذى يقترب من ولاية جديدة، نورى المالكى اعتبر مساء أمس الأول أن نشر «ويكيليكس» لوثائق الجيش الأمريكى يستهدف تخريب عملية اعادة انتخابه. وفى مقال بصحيفة إندبندنت البريطانية أمس علق الكاتب الشهير روبرت فيسك على محتوى الوثائق بعبارة: «عار على أمريكا». وانتقد فيسك الغرب قائلا: «نحن فقط يمكننا أن ندعى أننا لم نعرف، فالغرب قادر على مواجهة كل إدعاء ضد الأمريكيين أو البريطانيين وإقامة سياج من الأكاذيب»، مضيفا أن أى حديث عن شخص تعرض للتعذيب يعتبرونه «دعاية إرهابية». ورأى أن هذه الوثائق تمثل «مادة غنية للمحامين فى المحاكم». وختم مقاله بالقول إن «ما يثير حنق الجنرالات الأمريكيين ليس الكشف عن الوثائق السرية، ولا إراقة الدماء، ولكن لأنه تم الكشف عن كذبهم كما نعلم جميعا». ومستنكرة تساءلت الصحيفة فى تقرير أمس أيضا: كيف حاولت الولاياتالمتحدة أن تبقى على عمليات التعذيب والقتل وإطلاق الرصاص على الأطفال دون إفصاح وبشكل هادئ، مشددا على أن هذه الوثائق: «تكشف المدى الحقيقى لسفك الدماء بقرار الذهاب إلى الحرب». ومضت قائلة: «بدأنا نعرف المدى الكامل لما سماه (رئيس الوزراء البريطانى الأسبق) تونى بلير «ثمن الدم»، حيث جرى «تعذيب معتقل بالأسلاك الكهربائية، وقتل أطفال برصاص القوات الأمريكية عند نقطة تفتيش، ومتمردين يستخدمون الأطفال لتنفيذ تفجيرات انتحارية فى مكان آخر». وفى الصحافة الأمريكية تنوعت الزوايا التى ركزت عليها الصحف فى تحليل تداعيات الكشف عن الوثائق، حيث رأت صحيفة «نيويورك تايمز» أمس أن أرشيف الحرب على العراق، بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة، يقدم سيناريو تحذيريا للاستراتيجية العسكرية الأمريكية الحالية فى أفغانستان. الصحيفة تابعت: «ففى العراق، كان من المتوقع أن يتم استقبال الأمريكيين على أنهم محررون، لكنهم أثاروا استياء العراقيين كمحتلين، وشعر العراقيون فى نهاية المطاف بالتعب واليأس من الأمريكيين». وفى أفغانستان، تم الترحيب بالأمريكيين فى البداية، ولكن مع استمرار الحرب، فقد الأفغان الثقة فى قدرة الامريكيين على حمايتهم، وفقا للصحيفة التى خلصت إلى أن «الدرس المستفاد من العراق هو أنه بدون هذه الثقة لا يمكن لأى استراتيجية أن تنجح حتى لو كانت مستوعبة جيدا». فيما ركزت فى تقرير آخر على مخاوف واشنطن بشأن ما قد يحدث بعد مغادرة القوات الأمريكية البلاد بحلول نهاية عام 2011، إذ تحذر إحدى الوثائق من أنه: «بدون تأثير قوى وعادل من طرف ثالث، فإن هذه التوترات بين العرب والأكراد قد تتحول بسرعة إلى أعمال عنف». أما صحيفة لوس أنجلوس تايمز فاهتمت بجس نبض العراقيين فى الشارع بعد نشر الوثائق، ونقلت الصحيفة عن نجاح لوكون (33 عاما) قوله: «نحن جميعا نعرف هذه الأشياء، وأكثر من ذلك.. هذه الوثائق لا تقدم جديدا». وقد فقد هذا الشاب 17 من أفراد عائلته فى عمليات القتل الطائفى عام 2006، وهم من السنة الذين يعيشون فى الأحياء الشيعية. وهو ما عبر عنه السياسى العراقى فلاح نقيب بقوله: «من الغريب أن الأمريكيين يعرفون كل شىء عن التعذيب، والقتل، وسلوك الشرطة، لكنهم لم يفعلوا شيئا حيال ذلك»، مضيفا أن «معظم العراقيين يعرفون كل هذه المعلومات». فيما حذر المحلل السياسى العراقى إبراهيم سوميدى من أن «خصوم المالكى يحاولون الاستفادة مما كشفت عنه الوثائق»، معتبرا أنها قد تدمر فرصته فى ولاية ثانية على رأس الحكومة. وبعد يوم من التجاهل بدأت الصحف العراقية فى رصد ردود أفعال مختلف الجهات الرسمية والقوى السياسية على الوثائق، ومنها صحف الصباح، الجيران، المدى. وبينما واصلت الولاياتالمتحدة إدانتها للكشف عن هذه الوثائق، تصاعدات الدعوات لبغداد وواشنطن بالتحقيق فى مدى صحة هذه الوثائق التى يقول البعض إنها توفر معلومات عن ارتكاب جرائم حرب. ومن بين الجهات الداعية إلى التحقيق، كل من الأممالمتحدة ومنظمة هيومان رايتس ووتش، وغيرهما من المنظمات الحقوقية حول العالم.