النيابة الإدارية تواصل تلقى طلبات التعيين بوظيفة معاون نيابة إلكترونيا.. المواعيد    سوق اليوم الواحد في حدائق الأهرام يطرح كيلو الرنجة ب125 جنيها    الرئيس السيسي: مصر تحرص على توظيف مختلف أدوات التعاون لتشجيع الشركات المصرية على توسيع استثماراتها بالدول الأفريقية    برشلونة يرفع عرضه المالي لضم حمزة عبد الكريم فى يناير المقبل    طقس الأحد.. أجواء شديد البرودة وانخفاض بدرجات الحرارة والصغرى بالقاهرة 11    السياحة في مصر.. شتاء استثنائي وحركة قوية تدعم معدلات الإشغال    الإحصاء: مصر تسجل نصف مليون نسمة زيادة في عدد السكان خلال 126 يومًا    وزير التعليم العالي: مسار الجامعات الأهلية حظي بدعم كبير من القيادة السياسية    غزة.. ارتفاع حصيلة ضحايا خروقات الاحتلال لاتفاق وقف إطلاق النار إلى 401 شهيد و1108 مصابين    الكويت تحتفل بالذكري الثانية لتولي الشيخ مشعل الأحمد مقاليد الحكم .    وزير الإسكان يتفقد مشروع «جنة 4» ومحطة تنقية المياه بالشيخ زايد    4000 فرصة عمل.. وزير الرياضة يفتتح ملتقى التوظيف الخامس بنادي الواي بأبوقرقاص    حكايات منتخب مصر مع أمم أفريقيا| 2006.. انطلاق العصر الذهبي للفراعنة    محمد عنتر: الزمالك "اختياري المفضل" دائما على حساب الأهلي.. والأندية الشعبية في خطر    الركراكي: حكيمي ضحى بنفسه من أجل المغرب    بسام راضي: تدشين خطوط جديدة لرحلات لمصر للطيران إلى إيطاليا    خلص على أولاده ال4.. تأييد حكم الإعدام على «سفاح قليوب»    إصابة 7 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بطريق الفيوم القاهرة الصحراوي    رسالة مؤثرة من شريهان بعد وفاة الفنانة سمية الألفي    بعد إعلان ارتباطه رسميا.. هذا هو موعد زفاف أحمد العوضي    رئيس هيئة التأمين الصحي في زيارة تفقدية لمبنى الطوارئ الجديد بمستشفى 6 أكتوبر    سحب 666 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    الدوري الإنجليزي.. موعد مباراة ليفربول وتوتنهام والقناة الناقلة وصلاح الغائب الحاضر    ظهر عاريا فى التسريبات.. بيل كلينتون فى مرمى نيران جيفرى إبستين.. صور    أستاذ علوم سياسية: تحركات مصرية مكثفة للانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة    ضبط طن ونصف استربس دواجن وبسطرمة مجهولة المصدر بشبرا الخيمة    روبيو: تنفيذ اتفاق غزة سيستغرق "مدة طويلة"… وانتقادات حادة لحماس والأونروا    وزارة العمل: 664 محضرا خلال 10 أيام لمنشآت لم تلتزم بتطبيق الحد الأدنى للأجور    موعد مباراة المغرب وجزر القمر في افتتاح أمم أفريقيا 2025    عين شمس ضمن أفضل 21% من جامعات العالم في تصنيف Green Metric 2025    محكمة باكستانية تقضي بسجن عمران خان وزوجته 17 عاما في قضية فساد    المخرج الفلسطيني يوسف صالحي: ترجمت الألم الداخلي إلى لغة سينمائية في فيلم «أعلم أنك تسمعني»    دار الإفتاء تعلن نتيجة رؤية هلال شهر رجب لعام 1447 هجريا بعد المغرب    روسيا تعلن تحرير بلدتين جديدتين شرق أوكرانيا    مستشار الرئيس للصحة: الوضع الوبائي مستقر تمامًا ولا يوجد خطر داهم على أطفالنا    دار الإفتاء توضح علامات الاستخارة وتحذر من ربطها بالأحلام فقط    مركز الدراسات والبحوث يشارك في مؤتمر علمي عن دور الذكاء الاصطناعي في تحقيق التنمية المستدامة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : لعنة الله على تلك .. المسماة " ديمقراطية !?    فوز الدكتور أحمد طه بجائزة الطبيب العربى 2025.. وعميد قصر العينى يهنئه    إقبال جماهيري على «حفلة الكاتشب» في ليلة افتتاحه على مسرح الغد بالعجوزة    بعد قليل، محاكمة عصام صاصا بتهمة التشاجر داخل ملهى ليلي في المعادي    وزير الرى يتابع خطة إعداد وتأهيل قيادات الجيل الثاني لمنظومة المياه    قفزة قياسية متوقعة لأسعار الذهب في 2026.. وتراجع محتمل للنفط    نجم الزمالك السابق: أحمد عبدالرؤوف مُطالب بالتعامل بواقعية في المباريات    وزير التعليم العالى: دعم الباحثين والمبتكرين لتعزيز مكانة البحث العلمي فى مصر    مكتبة مصر العامة بالأقصر تستقبل وفد المركز الثقافي الكوري لبحث التعاون    المبادرات الرئاسية تعيد كتابة التاريخ الصحي لمصر    للنساء بعد انقطاع الطمث، تعرفي على أسرار الريجيم الناجح    أزهري يعلق علي مشاجرة الرجل الصعيدي مع سيدة المترو: أين هو احترام الكبير؟    نشرة أخبار طقس اليوم السبت 20 ديسمبر| الأرصاد تحذر من أجواء شديدة البرودة    ذكرى ميلاده ال95.. صلاح جاهين يصرخ عام 1965: الأغنية العربية في خطر!    مواقيت الصلاه اليوم السبت 20ديسمبر 2025 فى المنيا    محمد معيط: روشتة صندوق النقد الدولي عادة لها آلام وآثار تمس بعض فئات المجتمع    الأنبا فيلوباتير يتفقد الاستعدادات النهائية لملتقى التوظيف بمقر جمعية الشبان    القبض على إبراهيم سعيد لاعب كرة القدم السابق وطليقته داليا بدر بالقاهرة الجديدة    نائب وزير الخارجية يلتقي الممثل الخاص لسكرتير الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث    كل عام ولغتنا العربية حاضرة.. فاعلة.. تقود    طائرات ومروحيات أمريكية تشن هجوما كبيرا على عشرات المواقع لداعش وسط سوريا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة التعليم العالى الأمريكى وتجارب الإصلاح
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 10 - 2010

كتب مارفن ليزرسن فى مجلة ال«Chronicle of Higher Education» مشيرا إلى أنه خلال نصف القرن الذى تلا الحرب العالمية الثانية، بنى الأمريكيون حلمهم على ثلاثة أسس: منزل جديد، وسيارة جديدة، وتعليم عال. وبمرور الوقت سيطر التعليم العالى على الحلم، لأنه كان تعبيرا عن المستقبل والأبناء وفرص أفضل فى الحياة. ونظرا لأنه صار الطريق الوحيد لعدد متزايد من المهن، والطريق الرئيسى للنجاح الاقتصادى، فقد جلب المزيد من التوقعات والأموال، وزادت أعداد الملتحقين بالجامعات.
وأصبح التعليم العالى من أنجح الصناعات الأمريكية، كما صار هدفا للاستياء والغضب. ولا تكاد تكون هناك صناعات نمت بالسرعة نفسها، أو اكتسبت المكانة نفسها، أو أثرت على حياة هذا الكم من البشر. وتلقى التعليم العالى أموالا ضخمة من الحكومات الفيدرالية والإقليمية وأجهزة الحكم المحلى. وقدم الخريجون والمؤسسات منحا سخية.
ولجأت الأسر إلى مدخراتها واقترضت حتى يتمكن أبناؤها من الالتحاق بالكليات. وأظهرت صناعة التعليم مثلها مثل صناعة السيارات مهارة ملحوظة فى التسويق وإضافة مؤسسات، وبرامج، ومنشآت جديدة. وعلى غرار قطاع الإسكان، تقدمت فى تعليم الأفراد كيفية الحصول على التمويل، كما خلقت مساعدات مالية بجرعات سخية من الأموال العامة.
وبحلول العقود الأخيرة من القرن العشرين، كانت الكليات قد حققت احتكارا باعتبارها وكالات تمنح التراخيص للأمريكيين الذين يريدون تحسين فرصهم الوظيفية. وسعت كل المهن إلى زيادة مكانتها ودخلها بجعل الحصول على درجة جامعية (أو أعلى) شرطا للالتحاق بها. وصار استكمال تعليم المرء أمرا ضروريا مع تدهور سوق التوظيف بالنسبة لغير الحاصلين على درجات جامعية، الذين انتهى بهم المطاف بالعمل فى مطاعم الوجبات السريعة.
ومع الطلب المتصاعد على الالتحاق بالجامعات، وتوافر الأموال الحكومية والخاصة لذلك، ورغبة كل ولاية ومجتمع محلى فى أن يكون له كليته أو جامعته الخاصة، كان من السهل على التعليم العالى أن يفرض السعر التى يمكن فيض الراغبين من الالتحاق. وفى الثمانينيات، تجاوزت الرسوم معدل التضخم ومعدل نمو دخل الأسر المتوسطة بشكل كبير، حتى بدا التعليم العالى مثل أى قطاع جشع آخر.
وجلبت التسعينيات تدفقات متجددة من الأموال وأيديولوجيا السوق الحرة، مما جعل الكليات والجامعات موازية بدرجة أكبر للصناعات الأخرى. واستطاعت المؤسسات ذات الأوقاف والأموال الضخمة، الاستثمار فى الأسواق المالية والحصول على عوائد ضخمة، بينما انخرطت المؤسسات التى لا تملك فائضا من المال فى حملات جمع الأموال واستأجرت مستشارين لمساعدتها كى تصبح أكثر ثراء.
وانفجرت فقاعة الانترنت نحو عام 2000، ولكن سرعات ما تلاشت ذكريات الصدمة، حتى جاء العامان 2008 و2009 بعواقب مالية مدمرة. واتضح أن صناعة التعليم العالى، والروح التى غذتها، لم تكن تختلف كثيرا عن صناعتى الإسكان والسيارات.
ومع صعود التعليم العالى كصناعة عملاقة، اكتسب أساتذة الجامعة أيضا مكانة شعبية هائلة. واختفت الصورة النمطية للأستاذ شارد الذهن المرتبك، وحل محلها عدد متزايد من مستشارى الحكومة، والمحللين السياسيين، ومستشارى الشركات، والمعلقين الإعلاميين. وصار الأساتذة وهما أبرز أعضاء هيئة التدريس عمالا أحرارا، يبيعون أنفسهم فى سوق العمل المتحركة. وأصبح اتخاذ القرار بيد هيئة التدريس فى الحرم الجامعى، أو كما يعبر الإداريون عادة عن المبدأ الرئيسى للحياة الأكاديمية: هيئة التدريس هى قلب المؤسسة.
حتى جاءت الثمانينيات؛ حيث كانت روح جديدة قد رسخت نفسها، وهى روح كانت تنمو بصورة مفرطة للغاية وقوية؛ إنها روح السوق. وعلى الرغم من أن التوجه نحو السوق كان موجودا دائما فى التعليم العالى، صارت للسوق كقوة قاهرة ثقلا كاملا جديدا فى نهاية القرن العشرين. فقد جاء معها تحول هائل لميزان القوة فى التعليم العالى. حيث تكاثر مديرو المؤسسات. وازدادت سلطة مجالس الإدارة.
وجاء الأعضاء الأكثر نفوذا فى المجالس من عالم الأعمال، لافتراض أنهم يفهمون طبيعة الأسواق الاقتصادية. وصار الطلاب أكثر أهمية من قبل لأن مدفوعاتهم الدراسية المتزايدة باستمرار أدت إلى استقرار الموازنات، وأعلت مهاراتهم العلمية مكانة جامعاتهم. فتوقعوا أن يلقوا معاملة جيدة كعملاء، وافترضوا أكثر فأكثر أن شهاداتهم الجامعية ستكون قيّمة فى سوق العمل.
وفقد أعضاء هيئة التدريس النفوذ، بعدما كانوا ذات يوم أهم صانعى القرار. ومع أنهم احتفظوا بأمور مثل تعيينات هيئة التدريس، فإن القرارات المهمة حقا، مثل توزيع موارد المؤسسات، وما إذا كانت تذهب لقسم دراسة الأحياء أو لقسم التاريخ، أم إلى دراسات الجديدة كالسياسة العامة أم تذهب إلى خدمات الطلاب أو برامج الزمالة لطلاب الدراسات العليا، لم تكن ملكا لهيئة التدريس. ومع زيادة نسبة الأساتذة العاملين بنظام الدوام الجزئى، تزايدت الانقسامات داخل صفوف هيئة التدريس، ليزيد تقلص سلطة الأساتذة.
وفى الوقت نفسه صارت حقوقهم ومسئولياتهم محل تساؤل. هل هو صحيح أن لديهم حصانة من الفصل؟ وهل يقومون بالتدريس 12 ساعة فقط فى الأسبوع؟ كانت مثل هذه الأسئلة هى الوجه الظاهر من الاستياء المتزايد. وبدت القواعد الأكاديمية نفسها، التى كانت قلب الحياة الأكاديمية، كما لو أنها حواجز ضد أساليب جديدة للتعلم، وبدا أن سلطة الأقسام الأكاديمية تعمل بالأساس على تقويض القرارات التى تتخذ لصالح المؤسسة ككل. وأدى تضخم حجم التعليم العالى كصناعة، وما أحاط بها من توقعات، إلى أن أصبحت هدفا سهلا.
وفى نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، بدا أن صناعة السيارات تنهار، ومعها سوق العقارات وهما اثنتان من دعائم النجاح فى أمريكا. وصارت تداعيات إخفاقهما ثقيلة للغاية منها الطمع واللامبالاة القاسية بالبيئة والتهاون فى مواجهة المنافسة الأجنبية، بالإضافة إلى تقييد الائتمان.
ورغم أن صناعة التعليم العالى لم تشهد انهيارا، لكنها واجهت اتهامات مماثلة لما واجهته صناعتا السيارات والعقارات، حيث لاقت توبيخا بسبب تقديم منتجات وخدمات مرتفعة الثمن ومنخفضة الجودة، تتسم بانعدام الكفاءة والبيروقراطية، وانعدام الرغبة فى مسايرة الأسواق الجديدة، والتخلف التكنولوجى، والتضخم الإدارى، وعدم الاهتمام بالتدريس، ووضع الأهمية على الإضافات غير الضرورية عوضا عن المنتج الأصلى. ولكن ربما تعيد صناعة السيارات تشكيل نفسها؛ فالأمريكيون عندهم موهبة إعادة البناء. وسيكون علينا أن ننتظر بعض الوقت لنرى النتيجة.
وماذا بالنسبة للتعليم العالى؟ فهو يحاول أيضا إعادة صياغة نفسه. وعندما انخفضت أموال الأوقاف فى أغنى الجامعات بنسب تتراوح بين 25 و30 فى المائة، تراجعت المنح، وواجهت الولايات الإفلاس، وارتفعت على نحو كبير تكلفة النشاط المعتاد. فتم اتخاذ جميع الخطوات الواضحة: تخفيض عدد العاملين والبرامج، وإلغاء الاستثمارات الرأسمالية، وتأجيل مشروعات الصيانة، وإعادة التفاوض بشأن الديون، ووقف الزيادات فى الأجور، وحزم المساعدات المالية.
ومع ذلك، كان لتأجيل الصيانة عواقب خانقة، لأن التكاليف تتصاعد بمرور الوقت. ويتسارع تحول هيئة التدريس بنظام الدوام الجزئى، وليس هناك من يعلم العواقب. وزادت كثافة استخدام قياسات التكلفة مقابل الربح التى تستخدم بالفعل منذ التسعينيات لتحديد التعليم الذى ينبغى تقديمه، أو نوعية الأبحاث التى يجب إجراؤها، بينما يبدو أن هدف تحقيق أكبر قدر من الإنصاف للطلاب فى سبيله للتلاشى.
ومما يدعو للإحباط أن 45 فى المائة تقريبا من الطلاب الملتحقين بالجامعات يفشلون فى التخرج، وتزداد النسبة بين طلاب الأقليات والطلاب الذين ينتمون لأسر منخفضة الدخل. وما يزعج هو أن الطلاب يحصلون على قدر من التعليم أقل كثيرا مما يجب أن يتلقوه. وقد جعلت التكنولوجيا جميع أشكال التعليم غير مقيدة بمكان، كما جعلتها بلا حدود، مما يثير التساؤلات حول مستقبل العديد من المؤسسات التعليمية ويفتح مجال فرص العمل الحر. ويعتبر الطلاب الكبار المهتمون بالتدريب المهنى عملاء أساسيين للتعليم العالى ربما أكثر حتى من الفئة العمرية التى كانت تمثل الطلاب من قبل، وهى الفئة بين 17 و22 عاما.
وما زالت العوائد من التعليم العالى مرتفعة، ولذلك سوف تستمر الرغبة فى الالتحاق به. وذلك يعنى أن بيع وشراء التعليم العالى سوف يزداد كثافة. فالجامعات الخاصة جاءت لتبقى. ولن تنتهى الاحتجاجات داخل وخارج قطاع التعليم العالى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.