أخذ الأطفال الفلسطينيون راية إلقاء الحجارة من آبائهم وإخوانهم الكبار، لكنهم لا يملكون الأجندة السياسية ولا القائد الذي سينظم تحركاتهم، لذا وصفت صحيفة "لو فيجارو" الفرنسية هذه الانتفاضة ب"انتفاضة الأطفال"، فهي مجرد "لعبة" بالنسبة لهم، لكنها لعبة خطيرة. ولا تمر عمليات إلقاء الحجارة بسلام، حيث عادة ما تسفر عن العديد من الجرحى وأحيانا القتلى، كما أنها لم تعد تقتصر على الشباب والمراهقين بل أصبحت الآن تصيب الأطفال الذين عادة ما تقل أعمارهم عن العشر سنوات. وكان أخر هذه الحوادث ما تعرض له الطفلين إياد غيط - 11 عاما - وعمران منصور – 12 عاما حينما حاول ديفيد بيري - رئيس جمعية "إلعاد" الاستيطانية المتطرفة التي تمارس نشاطها في بلدة "سلوان" المقدسية - يوم 8 أكتوبر بعد صلاة الجمعة سحق الطفلين بسيارته في "سلوان"، واعتقل بيري ثم أطلق سراحه بعد ساعات بزعم أنه لم يتعمد إيذاء الطفلين. ويشهد حي السلوان توترًا شديدًا منذ مقتل رب عائلة فلسطيني برصاص حارس خاص إسرائيلي مكلف بحراسة المستوطنين في ذلك الحي. وبعد أسبوع من الحادث، تم استدعاء إياد ووالده إلى مخفر الشرطة ليتم استجوابهما، وعن ذلك قال الصبي الصغير: "أروني بضعة صور للحادث وسألوني لما كنت أخفي وجهي وألقي الحجارة، لكني قلت لهم نعم أنا أظهر بالصورة، لكني لم أخف وجهي ولم ألق أي حجارة، ثم سألوني عن أسماء الصبية الآخرين لكني قلت لهم أني لا أعرفهم". وطلبت الشرطة من الأب دفع كفالة حتى يسمحوا له بأن يرجع بابنه إلى المنزل، لكن الأب قال: "أكدت لهم أني لا أملك المال الذي يطالبونني به، ولذا فبإمكانهم الاحتفاظ بالطفل، إلا أنهم سمحوا لنا في النهاية بالعودة للمنزل". وعادة ما تشهد سلوان العديد من الصدامات بين المستوطنين اليهود والفلسطينيين – الذين يبلغ عددهم هناك حوالي 60 ألف فلسطيني، وذلك في الوقت الذي تعمل فيه منظمة "إلعاد" على قدم وساق من أجل توسيع رقعة الاستيطان عن طريق شراء منازل الفلسطينيين وتوطين العائلات اليهودية فيها. ومشروع "إلعاد" الاستيطاني – الذي تدعمه بلدية القدس – يهدف إلى توسيع الموقع السياحي في القدسالمحتلة عن طريق تحويل الجزء السفلي من الوادي في سلوان إلى متنزه أثري وذلك عبر تدمير منازل الفلسطينيين! قال والد إياد: "نسكن في مدينة القدس ونقوم بدفع الضرائب باستمرار لكن الحي لا يعبأ بنا، يتم استخدام أموالنا في تمويل بناء المستوطنات التي تتمتع بكل الخدمات أما نحن فلا نحصل على أي شيء". وأضاف: "لا يجد أطفالنا أي مكان يذهبون إليه لذا يذهبون للعب في الوادي وهنا تبدأ الصدامات، لكن رغم ذلك لا استطيع حبس ابني في المنزل". وعبر والد إياد عن استيائه من مطالبة طالب أحد النواب في الكنيسيت الإسرائيلي الأسبوع الماضي بتحميل الآباء مسئولية إلقاء أبنائهم للحجارة، في حين أن المستوطن الذي دهس ابنه لا يزال طليقا! وقال أهالي سلوان أن الشرطة الإسرائيلية عادة ما تقتحم بيوتهم ليلا لتلقي القبض على الأطفال الذين عادة ما ينظمون أنفسهم في مجموعات لإلقاء الحجارة بدون علم الأهل. بصوت مرتجف، اعترف ابن عم إياد – 12 عاما - بإلقائه الحجارة، حيث قال: "نقسم أنفسنا إلى مجموعات، وهناك صبية يحذروننا في حالة قدوم الشرطة. تم القبض علي الأسبوع الماضي، كنت خائفا جدا، التقطوا صورة لي وأخذوا بصماتي وفي المساء استدعوا والدي لمخفر الشرطة". قال والد إياد: "أظل طوال الليل مرتديا ملابسي تحسبا لقدومهم. أتذكر عندما كنت في ال17 ألقي القبض علي، وكنت مرتعبا للغاية، لكن هؤلاء الصغار لا يهمهم شيء".