طلب بعض القراء أن أوضح معنى عبارة كتبتها فى هذا المكان بشأن سجود لاعب مصرى أحرز هدفا بيده فى مرمى فريق منافس. وكانت العبارة هى: «الأخلاق ليست مسألة ثقافية فقط (قيم وشعارات)، ولكنه كذلك مسألة بنيوية هيكلية (structural) ومؤسساتية تنظيمية (institutional)». والحقيقة لم أكن أعرف كيف أوضح هذه العبارة دون الدخول فى تفاصيل فلسفية مملة حتى جاءت مناسبة مباراة الأهلى والترجى فى تونس، حيث شاهدنا مشهدا مشابها لمناسبة كتابة المقال السابق. أعتقد أن لعبة كرة القدم بالقواعد التى تحكمها وبالثقافة المسيطرة عليها تتضمن خللا أخلاقيا حادا. فالقيم الثقافية المسيطرة على اللعبة هى الإثارة والمكسب أكثر من العدل والحق. وهذا واضح أكثر فى المؤسسات والقواعد، التى تحكمها، فمثلا يرى أغلب مسئولى الفيفا أن أخطاء التحكيم جزء من الإثارة المطلوبة، وعليه فهم يرفضون وجود عدد أكبر من الحكام أو الاستعانة بمشاهد الفيديو للحكم على لعبة ما، وبالتالى ما أقره الحكم وانتهت عليه المباراة هو القول الفصل حتى لو كان ظلما. وهكذا أدت القواعد المؤسسية الحاكمة لخلق ثقافة وبنية من المصالح (متمثلة فى شركات إعلانية ومحللين رياضيين ومشجعين متعصبين) تعلى من قيم معينة (مثل الإثارة والمنافسة وقطعا معها المهارة والاجتهاد) على حساب قيم أخرى مثل العدل والحق والوقوف فى مواجهة الظلم. وعليه فقد شاهدنا فى نفس المباراة من يحاول أن يمنع حارس مرمى الفريق المصرى من أن يرى الكرة، وهى ترفع فى اتجاه مرماه باستخدام انعكاس الضوء، وقد سمعنا فى مباريات أخرى من يشتم لاعبى الفريق المنافس بل وينال من كرامة شعب كامل بأحط الألفاظ. المعضلة أن هذه اللعبة بهذه التوليفة الثقافية (المناهضة للعدل) والمؤسسية (المنحازة للإثارة) والبنيوية (الهادفة للربح) تنعكس سلبا فى مجالات أخرى، فإن قبل عقل الإنسان أن يكسب فريق كرة قدم ظلما، فسيقبل ضمنا أن يفوز شخص بوظيفة بالواسطة، وأن يفوز حزب فى انتخابات بالتزوير. الأخلاق لا تتجزأ. هل من حل لهذه المعضلة؟ هذه هى أهمية أخلاقية القواعد المؤسسية لأى نشاط بشرى، فمثلا لو كان اللاعب الذى يدخل هدفا بيده سُيمنع من اللعب لمدة عام إن لم يعترف للحكم فورا بخطئه، فهنا تكون للقواعد المؤسسية نتائج ثقافية مهمة بتعويد الناس على أن العدل قيمة لا يمكن التغاضى عن انتهاكها. هذه محاولة للفهم قد تفتح آفاقا لنقاشات أهم فى المستقبل.