من العمارة 23 فى شارع الترعة البولاقية يبدأ عم رأفت مهمته المعتادة منذ 35 عاما لتوزيع «الجوابات». أول الخطابات صباح الاثنين الماضى كان لصاحب محل الفول، قبل أن يواصل جولته اليومية بين 38 شارعا وحارة.احتفل العالم أمس بذكرى تأسيس الاتحاد الدولى فى برن بسويسرا عام 1874، الاتحاد من أقدم المؤسسات الدولية، ويضم حاليا 191 دولة حول العالم. ولكن عم رأفت لم يحتفل، فهو لم يعد يشعر بأهمية خدماته، التى باتت تقتصر على توصيل خطابات الضرائب والبنوك والمحاضر، «بقيت نذير شؤم بعدما كنت مرسال الحبايب والحوالات وجوابات التعيين».ينتشر حول العالم 650 ألف مكتب بريد، وعم رأفت واحد من 5 ملايين عامل. هو خريج الدفعة الثالثة من مدرسة البريد، التى تم إنشاؤها 1961 بقرار من رئيس الجمهورية. عمل فى أول حياته فى الصعيد قبل أن يستقر فى مكتب توزيع بريد شبرا منذ 35 عاما. أول وثيقة تاريخية للبريد فى مصر منذ ألفى عام قبل الميلاد، كانت رسالة من والد لابنه، يتحدث فيها عن المستقبل الباهر الذى ينتظر الكاتب فى وظائف الحكومة. أيام متشابهة. التاسعة صباحا يتوجه عم رأفت إلى مركز التوزيع الرئيسى، ينتظر الخطابات التى يرسلها مركز الحركة فى رمسيس، يفرزها ويختمها بالتاريخ والوقت الذى تسلمها فيه، يحمل حقيبته السوداء، وبداخلها الخطابات القليلة مربوطة بحبل صغير، ثم يبدأ التوزيع. حقيبة عم رأفت تحتوى على 70 رسالة، كلها من مصالح حكومية، لا يوجد من بينها جواب شخصى واحد، «زمان كنت أوزع ألفين جواب فى اليوم»، عم رأفت يتحدث عن السبعينيات والثمانينيات، حيث موجات السفر الأولى لدول الخليج، وقبل عشرين عاما من ثورة البريد الإليكترونى. «وظيفة الاتحاد الدولى للبريد أنه يطور من خدماته لمواكبة المنافسة الإلكترونية»، كما يوضح نجيب بولعراس الممثل الإقليمى للاتحاد الدولى للبريد فى المنطقة العربية. تبعا لإحصاء الأخير للاتحاد عام 2009، وصل عدد الرسائل الورقية المتداولة حول العالم إلى 438 مليار رسالة ورقية، معظمها رسائل رسمية من الحكومات والبنوك. «عدد الرسائل المتداولة يزداد مقارنة بالماضى ولكن نادرا ما توجد رسائل شخصية ورقية».ويضيف بولعراس أن عمليات الشراء ببطاقات الائتمان عبر الإنترنت تنتهى أيضا فى مكاتب البريد، التى تقوم بتوصيل البضائع التى تم شراؤها إلى العملاء فى كل مكان. «60% تقريبا من خدمات توصيل الشراء عبر الشبكة العنكبوتية يتم من خلال رجل البريد». أمام إحدى العمارات القديمة وقف عم رأفت، فهناك رسالة منتظرة للدور الثالث. واصل بعدها السير فى شوارعه القديمة، التى لا يعرفه أحد من سكانها، خاصة مع عدم تسلمه الزى الخاص هذا العام.منذ يوم 21 سبتمبر الماضى بدأت «الشروق» الاتصال بمكتب رئيس الهيئة القومية للبريد للحصول على معلومات بشأن تطوير البريد المصرى، ولكن حتى الآن لم يتحدد موعد. «الدكتور أشرف زكى فى إسكندرية ومش فاضى». رغم كل الظروف فمازال عم رأفت يعتقد بأن مهمته «حساسة ومحتاجة ضمير»، خاصة فى توصيل الرسائل الطارئة مثل «جوابات محكمة الأسرة». خطاب وحيد تسلمه ساعى البريد طوال حياته، كان كارت معايدة من ابنة طالما حمل عم رأفت أخبارها إلى والدتها.