العام المقبل سيشهد نتيجة تجربة مثيرة فى عالم السينما بمساعدة التكنولوجيا والإنترنت، المهرجان الأشهر للسينما المستقلة «سندانس» سيعرض فى 2011 فيلم «يوم فى الحياة» للمخرج الأمريكى ريدلى سكوت، وهو توثيق لشكل الحياة فى يوم محدد هو 24 يوليو 2010 لأماكن وشخصيات مختلفة من حول العالم. الفكرة ليست جديدة، ففى عام 2004، تعاون 60 صانع أفلام محترك من حول العالم على تصوير فيلم مدته ساعة من مختلف أنحاء الكرة الأرضية. لكن المثير فى فيلم سكوت هو أنه لا يعتمد على المحترفين، ولا على عدد محدد من المتعاونين. فى يوليو الماضى أعلن سكوت عن دعوة مفتوحة لكل الراغبين فى الاشتراك بالفيلم فى تصوير ما شاءوا ونشره على قناة مخصصة للمشروع بموقع يوتيوب الخاص بمشاركة ملفات الفيديو على الإنترنت، وبالفعل استقبل سكوت 80 ألف فيديو فى اليوم الموعود، لينتظر العالم تحفته السينمائية المقبلة، التى شارك فى صنعها الآلاف وتكلفت القليل. مشروع سكوت هو خطوة جديدة وشكل مبتكر فى الطريق إلى سينما وأشكال فنية جديدة، لا يقتصر دور المشاهدين فيها على مجرد المتابعة، بل يصبح فى إمكانهم التدخل فى السيناريو والموسيقى وإيقاع الأحداث والمونتاج، باختصار يصبح الجمهور صانعا للأفلام والمسلسلات الدرامية بدلا من الاكتفاء بإبداء إعجابهم أو كراهيتهم لها. إنه النموذج الجديد الذى يقلب مفاهيم الإنتاج التجارى رأسا على عقب بفضل التكنولوجيا والإنترنت: الدراما مفتوحة المصدر. الجمهور منتجا عام 2002 شهد البداية. المشاركون فى مهرجان «هذا ليس فنا» This is not Art للفن التجريبى بأستراليا قرروا صناعة فيلم وثائقى عن المهرجان، فنتج عن مشروعهم أول فيلم مفتوح المصدر: الرقص للعمارة Dancing to Architecture. الجرأة فى مونتاج الفيلم وتلوين بعض مشاهده بألوان صارخة لم يكن ما جذب الجمهور لمشاهدته، بل كان عنصر الجذب هو توفير جميع المواد المصورة على الإنترنت، التى زادت على 180 جيجا من المواد المصورة، لمن يريد أن يستخدمها بأى شكل يريد. توالت بعدها تجارب المصدر الفتوح فى الأفلام الوثائقية والروائية، لتظهر أفلام مثل «الطريق 66» و«نقطة التحول» وغيرهما. المنتجون العازمون على المغامرة بأفلام جريئة ومبتكرة هم قلة، مقارنة بالراغبين فى الكسب المادى المضمون من الأفلام التجارية. طبقا لتقرير شركة «برايس ووتر هاوس كوبر» للمحاسبة، تسببت الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة فى إغلاق 50 شركة أفلام مستقلة فى المملكة المتحدة وحدها، فى أقل من 18 شهرا. هذا أدى إلى لجوء عشرات من السينمائيين والوثائقيين إلى اللجوء للجمهور من أجل إنتاج موادهم الفنية، وظهور مئات المواقع تقدم لهم الدعم بأشكال مختلفة. موقع «إندى جوجو» على سبيل المثال يتيح لصناع الأفلام المستقلة أن يعرضوا فكرة فيلمهم والدعاية له فى سبيل الحصول على تبرعات من المشاهدين. يحاول صناع الأفلام إغراء المتبرعين بمزايا خاصة يحددونها، «فإن تبرعت بخمسين دولارا ستحصل على 4 تذاكر مجانية حين يتم عرض الفيلم فى السينما، وإن تبرعت بمائة دولار تحصل على مقعد فى العرض الخاص»، وهكذا نجح فيلم واحد فقط فى جمع جميع الأموال المطلوبة لإنتاجه، وهو الوثائقى «معاطف الأمل» Tapestries of Hope. هذه المواقع قد لا تتبنى المفهوم الدقيق للسينما مفتوحة المصدر، فدور الجمهور يقتصر على مساعدة صناع الفيلم فى عملهم، دون أن يكون لهم دخل فى العملية الإبداعية للفيلم. سرب من ملائكة السينما أحد أجرأ التجارب، التى لم يحالفها النجاح حتى الآن، فى مجال السينما هى تجربة فيلم «سرب من الملائكة» Swarm of Angels. الفيلم روائى طويل، بميزانية مليون جنيه استرلينى. ممول الفيلم هو الجمهور، الذى يقوم بدور المنتج والمخرج والمتفرج معا. بدأت فكرة الفيلم عام 2006 على يد المخرج والمنتج مات هانسون، الشهير بتأسيسه منظمة «وان دوت زيرو» OneDotZero، التى تنظم مهرجانات متخصصة فى الابتكارات الجديدة بمجال الصورة المتحركة بجميع أشكالها. وبسبب معاداته للسينما التجارية التى لا تهتم سوى بحجم إيرادات الفيلم، قرر مات أن يكسر احتكار المنتجين للأفلام السينمائية. الفكرة تبدو بسيطة. يبدأ مات من خلال الدعاية على الإنترنت من دعوة 100 فرد أن يتبرع كل واحد منهم بجنيه استرلينى واحد فقط لا غير، ثم يبدأ فى مضاعفة عدد المتبرعين ومبلغ التبرع ليصل إلى ألف متبرع، ثم تستمر المضاعفة ليصل العدد إلى 50 ألف متبرع بالمبلغ المطلوب. لكن التبرعات لا تقتصر فقط على دفع الأموال، ولكن المشاركة بالمجهود فى صناعة الفيلم. مشاهدة الفيلم ستكون مجانية على الإنترنت، ولن يكون له أى حقوق ملكية فكرية، فمصطلح «سينما مفتوحة المصدر» يعنى أنه من حق الجميع تعديل الفيلم بأى شكل يرونه، كإضافة مشاهد أو تغيير شكل المونتاج أو الموسيقى أو استخدام المادة المصورة فى إيجاد فيلم جديد. اختارت مجلة فوربس الأمريكية عام 2007 مات هانسون كواحد من 40 شخصية من المنتظر أن يقوموا بفعل مدهش يغير من وجه العالم. «سرب من الملائكة» يمر الآن بالعديد من المصاعب التمويلية وبطء فى اتخاذ القرارات الإبداعية.