أصبحت مخلفات القوات الأمريكية التي استغنى عنها بعد انسحابه من مدينة الأنبار كبرى المدن العراقية من حيث المساحة ملاذا لسد متطلبات الأسر الفقيرة التي لا تقوى على تأمينها لارتفاع أسعارها في السوق العراقية. وشرع مقاولون عراقيون بتشييد ساحات واسعة "لخزن الملايين من المعدات التي تم شراؤها من الجيش الأمريكي وهي عبارة عن مخلفات عسكرية لوجستية استغنى عنها مع بداية انسحاب قطاعاته العسكرية من مدينة الأنبار، لتتحول إلى خردة تباع في السوق المحلية العراقية، وخاصة الأجهزة الكهربائية وأجهزة التبريد والمعدات الإليكترونية والكرفانات ومولدات الطاقة الكهربائية وأشياء منزلية أخرى متنوعة". ورغم رفض شريحة واسعة من العراقيين التعامل مع هذه المخلفات، فإن العائلات الفقيرة سارعت بشراء بعض من الأجهزة الكهربائية وكرفانات السكن لرخص أسعارها في محاولة للتخفيف من وطأة الظروف الصعبة التي يعانون منها. وقال سعد عبدالله (30 عاما): "هذه مخلفات تذكرنا بالاحتلال الأمريكي للعراق وبالذكريات المؤلمة التي تركها، لكن ماذا أفعل لا أملك خيارا آخر وأنا بحاجة إلى شراء هذه الأجهزة لرخصها لأن أسعارها في السوق مرتفعة جدا ولا أملك مالا كافيا لشرائها". وأضاف: "أخشى أن تكون المعدات التي نشتريها تحمل ملوثات إشعاعية ولكني اضطررت لشراء مولد كهرباء للتخلص من حرارة الجو جراء الانقطاع شبه التام للتيار الكهربائي". بينما قال مولود محمد (48 عاما): ¬"جئت إلى هذه المخازن للبحث عن كرفان واسع لاستيعاب عائلتي المكونة من 12 فردا للسكن بعد تدمير منزلي في معارك الفلوجة 2004 ولم أتمكن من إعادة إصلاحه لعدم توفر الأموال المطلوبة". وأضاف: "لقد أرهقني استئجار منزل لارتفاع أسعار الإيجارات لهذا أحاول الحصول على كرفان من مخلفات الجيش الأمريكي من أجل تأمين سكن آمن لعائلتي". هذا ولا يحبذ عراقيون آخرون التعامل مع الخردة الأمريكية بالبيع أو الشراء ويعتبرون العمل داخل الساحات للاتجار بمخلفات الجيش الأمريكي "أمرا يخدش الكرامة". وقال علي أبو دلف (67عاما) يعمل حارسا في أحد المخازن: "لو كان عندي مصدر رزق آخر أو أولاد يشتغلون لما عملت بموقع الخردة الأمريكية لأنها إهانة لنا". وأضاف: "الأمريكيون يقولون بأننا بعنا (نفاياتنا) إلى العراقيين، وأن الكرفانات التي تعرض حاليا للبيع شهدت تعذيبا لكثير من العراقيين طوال السنوات الماضية". وقرر الجيش الأمريكي قبل أشهر من عملية سحب الجزء الكبير من قطاعاته نهاية شهر أغسطس الماضي من العراق، بيع ملايين القطع من الأجهزة والمعدات التي تعتبر تكاليف نقلها إلى الولاياتالمتحدة أكبر من قيمتها الحقيقية، بعدما كان يستخدمها لسنوات في مهمته العسكرية لينتهى بها الأمر في ميادين الخردة لتباع في السوق المحلية. وتفيد أرقام الجيش الأمريكي أن ما جرى بيعه حتى الآن "يعادل عشرة آلاف طن من المواد المختلفة بسعر 500 ألف دولار".