فى صفحتى الرأى بإحدى الصحف المصرية الصادرة هذا الأسبوع كان هناك 13مقالا.. 12 منها تهاجم حزب الله اللبنانى وإيران. الصحيفة سالفة الذكر ليست استثناء، فمنذ الإعلان عن تنظيم حزب الله قبل حوالى أسبوعين، وكل الإعلام الحكومى وجزء كبير من الإعلام المستقل وحتى المعارض يواصل وبنجاح منقطع النظير توجيه مدفعيته الثقيلة لنسف أركان حزب الله وإيران وسوريا وحركة حماس وكل من يتجرأ على الخلاف أو الاختلاف مع الحكومة المصرية. الهجوم الإعلامى المصرى الكاسح وباستثناء كتابات موضوعية قليلة عمد إلى السباب والشتائم.. لم يكلف كثيرون أنفسهم مشقة بذل جهد موضوعى لإفهام القارئ لماذا لجأ حزب الله إلى ذلك، وكيف نتفاوض مع إسرائيل ونرفض محاورة إيران، وكيف سمحت الدبلوماسية المصرية لحماس بالارتماء فى أحضان طهران. ليس خطأ أن يهاجم الإعلام المصرى حزب الله وإيران وسوريا.. فالحزب أخطأ سياسيا وقانونيا حينما قرر العمل فى مصر من وراء ظهر الحكومة المصرية. الخطأ الفادح والكارثى والذى يتكرر كل مرة هو سيكولوجية القطيع، التى يمارسها الإعلام المصرى خصوصا الحكومى بحق القراء دافعى الضرائب.. يكفى أن يخرج مسئول محدد ليبدأ المعزوفة.. بعدها تنشد كل الأوتار نفس اللحن، وللأسف من دون قدرة فى مرات كثيرة على محاولة إبداع طريقة جديدة ومختلفة حتى لا يهرب القراء. سلوك القطيع الذى نعيشه فى مناحٍ كثيرة من حياتنا صار أمرا مرعبا ولا يتعلق فقط بقضية حزب الله. ليس خطأ أن يهاجم الإعلام إسرائيل وسياستها العنصرية العدوانية ضدنا.. على الأقل حتى لا تنسى الأجيال الجديدة أنها عدونا الرئيسى.. لكن الخطأ الأكبر ألا نشرح للناس لماذا تتقدم إسرائيل دائما ونتخلف نحن، ولماذا تهزمنا دائما.. وكيف تتم محاكمة مسئوليها وهم فى قمة الحكم، ونحن نعجز عن محاكمة وكيل وزارة طالما كان فى الخدمة؟ ليس خطأ أن نهاجم إيران أحيانا.. فهذه الدولة لديها أجندة قومية فارسية تتصادم أحيانا مع عروبتنا.. لكن على إعلامنا أن يشرح للناس أنه يمكن للعرب أن يختلفوا مع إيران، لكنها ليست عدوهم.. على هذا الإعلام ألا يوغل فى التفاهة، وينسى أن إيران لديها حضارة شامخة فى القدم، ومشروع سياسى متميز الآن، استطاع أن يقطع خطوات مهمة فى مجالات عديدة مثل الفضاء والقدرة النووية والصناعات العسكرية. ليس خطأ أن يهاجم إعلامنا حزب الله بسبب القضية الأخيرة، لكن عليه أيضا ألا ينسى دور هذا الحزب فى دحر الاحتلال الإسرائيلى، برغم كل الخلافات والاختلافات معه خصوصا لجهة علاقته العضوية بإيران وتوجهه الطائفى أحيانا، فقد لعب دورا مهما فى مقاومة إسرائيل وإفشال مشروعها فى لبنان. ليس خطأ أن نفعل أو نقول أى شىء.. طالما هناك قدرة على الموضوعية والفهم ونقد الذات.. الخطأ الكارثى هو سيكولوجية التعبئة والحشد.. تحية إلى ثقافة التمرد فى مواجهة ثقافة القطيع.