أحد العاملين فى دار نشر تبيع الكتب المدرسية الخارجية حكى لى وقائع لم أستطع تصديقها لولا تأكدى من أمانته واطلاعه على المعلومات التى ذكرها. هذا الرجل قال لى إن الحال وصل ذات عام إلى أن دار النشر تمكنت من إقناع بعض المسئولين فى وزارة التربية والتعليم بتأخير طبع وتوزيع الكتب المدرسية الحكومية حتى تنتهى هذه الدار من توزيع كتبها الخاصة فى السوق. هذه الدار ودور أخرى اعتادت فى أزمنة «الهناء والبغددة» الإغداق على مسئولين ومدرسين ومدارس خاصة وعامة لتسويق كتبها، من أول الإهداءات البريئة للمدرسين الكبار ونهاية بالتواطؤ والتدليس والغش وإهدار مال الدولة لمصلحة هذه الدور. هل يتخيل أحدكم أن مؤلف أحد الكتب الخارجية هو نفسه المسئول عن إجازة تمرير وترخيص الكتاب نفسه داخل وزارة التربية والتعليم؟!. يعنى باختصار هو القاضى والجلاد، الخصم والحكم أو بلغة أخرى «حاميها حراميها». قبل أن يبدأ وزير التعليم أحمد زكى بدر معركته ضد هذه الدور، لم يكن الكثيرون يعرفون حجم الأموال والأرباح، التى تجنيها دور النشر من هذه التجارة غير المنظمة. لم يسأل أحد نفسه كم يتكلف الكتاب الخارجى؟. سألت متخصصا فقال لى: إن بعض الكتب لا تزيد تكلفته الفعلية على عشرة جنيهات لكنه يباع بخمسة وعشرين جنيها.. جزء منها كان يذهب إلى جيوب المتنفذين، والباقى يتم تكديسه فى خزائن أصحاب الدور. من الذى يقرر أن هذا الكتاب يباع بهذا السعر؟.. هل المسألة مفتوحة وتشبه سلعة الطماطم فى جنونها؟.. لا توجد دولة واحدة فى العالم يقرر فيها صاحب السلعة بمفرده بكم يبيعها، ولا توجد دولة فى العالم تسمح لشخص واحد أو مجموعة أشخاص قلائل بتكوين ما يشبه «الكارتل» واحتكار سلعة خصوصا إذا كانت استراتيجية. هل هناك ملكية فكرية فى مسألة الكتب الخارجية؟! المسألة فيها نظر ويفترض أن يحسمها القضاء أو النقاش الحر الموضوعى، وحتى إذا ثبت أنه لا توجد ملكية فكرية وأن من حق هذه الدور أن تطبع وتبيع ما تشاء، فمن الذى يعطى هذه الدور فقط الحق فى التحكم فى سوق الكتب الخارجية؟. آجلا أو عاجلا سوف تحسم المسألة، لكن أحدا لم يكلف نفسه عناء مناقشة ما أعتقد أنه جوهر المشكلة. الأصل فى الأشياء أن يكون هناك كتاب مدرسى حكومى جيد ومطور فى شكله ومضمونه. لو كان لدينا مثل هذا الكتاب ما نشأت المشكلة أصلا. أشعر بتضامن كبير مع وزير التعليم أحمد زكى بدر فى هذه المعركة، لكنى أشعر بأنه يحتاج لخطة أو استراتيجية متكاملة إذا كان فعلا يرغب فى إصلاح التعليم. أول شروط الخطة أن تكون متكاملة وتجيب أولا عن سؤال: ماذا نريد من التعليم؟! لا يمكن مجازاة مدير مدرسة أو مشرف أو ناظر مدرسة فقط وبعدها نعتقد أن الوضع تمام. علينا أن نصلح الأسس، وفيما يتعلق بالكتاب المدرسى، فلا حل سوى أن يكون هناك تنافس شريف وعادل بين الجميع لتأليف الكتب المدرسية ثم طباعتها ومن يكسب عبر هذا التنافس يفوز. لو أجريت هذه المسابقة سنويا لربما نكون بدأنا إصلاح جانب من الخلل الكبير الذى نعانيه. يحتار المرء أن الحكومة تتحدث ليل نهار عن تشجيع القطاع الخاص، وعندما يتعلق الأمر بتنافس شريف بشأن المناهج، التى سنضعها فى عقول الصغار، نجد «التلاكيك» والتواطؤ والتدليس لإسناد هذه المناهج لبضعة أشخاص، ثم طباعة الكتب لدى بعض الصحف الحكومية حتى لا يتم إشهار إفلاسها. هناك مافيا وزعت الكعكة ولاتريد لأى شخص آخر أن يشاركها.. والمؤكد أن هناك بعض الموظفين الفاسدين يحاربون الوزير. لدى بدر فرصة عبقرية للبدء فى الإصلاح، لكن هل ينجح أولا فى مواجهة لوبى الفساد الكبير الذى يشعر بأن الوزير يهدد امبراطوريته؟!.