تعد صفقة الأسلحة السعودية الأمريكية الأخيرة، والتي من المتوقع أن تصل قيمتها إلى 60 مليار دولار، هي الأكبر في تاريخ الولاياتالمتحدة، وهي الصفقة الأكبر التي تعقدها السعودية بعد صفقة "اليمامة"، والتي اشترت فيها السعودية من الحكومة البريطانية عام 1985 أسلحة بقيمة 86 مليار دولار أمريكي، والتي أخذت شهرتها بسبب ضخامة الرشاوى والعمولات فيها، التي تم الكشف عنها عام 2007. وتضم الصفقة، بحسب "وول ستريت جورنال" نقلاً عن مسؤولين أمريكيين، بيع 84 مقاتلة من نوع إف- 14، وتحديث 70 طائرة أخري، وبيع ثلاثة أنواع من المروحيات: 70 أباتشي و72 بلاك هوك و36 ليتل بيردز. وقد رحب البعض بالصفقة بوصفها وسيلة لحماية الأمن القومي السعودي، في حين تساءل البعض الأخر حول خلفيات الصفقة وأسبابها، مرددين.. لماذا الصفقة بهذا الحجم في هذا التوقيت؟ ولماذا الشراء من الولاياتالمتحدةالأمريكية بالذات؟ وهل تساعد هذه الصفقة في إنعاش الاقتصاد الأمريكي، الذي يعاني منذ الأزمة المالية العالمية؟ الأبعاد السياسية والاقتصادية: طبقا لهيئة البحث التابعة للكونجرس، تعد السعودية أكبر مشتر للأسلحة الأمريكية خلال أربع سنوات بين 2005 و2008، بصفقات تصل قيمتها 11.2 مليار دولار. وتربط صحيفة الديلي تلجراف بين صفقة السلاح السعودية وانتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي التي أعلنت الصفقة قبلها، وتعتبر الصحيفة أن الصفقة انقلاب لصالح إدارة الرئيس أوباما. إذ يواجه الديمقراطيون ضغوطا في الانتخابات بسبب زيادة معدلات البطالة، ومن المتوقع أن تساعد الصفقة السعودية الصناعات الدفاعية الأمريكية في 44 ولاية من الولاياتالمتحدة، وتسهم في حماية 77 ألف وظيفة. ويقول لورين تومبسون، محلل الشؤون العسكرية بمعهد ليكسنجتون في فرجينيا لإذاعة صوت تركيا: "هذه الصفقة تبين أنه ربما لا يزال هناك الكثير من الحياة في المقاتلة إف- 15 وغيرها من برامج الطائرات العتيقة لدي بوينج!"، مضيفا أن "الصفقة السعودية ستخلق بذاتها اختلافا كبيرا في عائدات الشركة في السنوات الخمس القادمة على الأقل". وربما بدا ذلك واضحا في ارتفاع سهم بوينج 36 سنتا إلى 64.20 في تعاملات منتصف اليوم الثلاثاء، في بورصة نيويورك للأوراق المالية. ويرى مراقبون أن الصفقة ستساهم في تحريك عجلة الاقتصاد الأمريكي المتضرر جراء الأزمة المالية العالمية الأخيرة، هذا بالإضافة إلى المفاوضات التي يجريها المسؤولون الأمريكيون مع السعودية لعقد صفقة لتحديث قوتها البحرية بقيمة 30 مليار دولار، وقد وصف مسؤول أمريكي المحادثات ب«السرية والثنائية»، مشيرا إلى أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأنها بعد. وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال" إنه بإمكان الكونجرس إدخال تعديلات وفرض شروط أو تجميد العقد، كما تجري مفاوضات لتعزيز أنظمة الدفاع الباليستية السعودية، إذ تشجع واشنطنالرياض على شراء أنظمة صواريخ تعرف باسم «تي إتش آي آي دي» أو أنظمة الدفاع الحرارية المرتفعة، وتحديث صواريخ الباتريوت التي تملكها لتخفيض خطر الصواريخ الإيرانية، غير أن المسؤولين الأمريكيين أشاروا إلى أن تكلفة هذا المشروع لا تزال غير معروفة. لماذا الشراء من أمريكا؟ يعترض كثير من المحللين على الصفقة متسائلين عن سر شراء السعودية لأسلحة بمليارات الدولارات فقط من بريطانيا وأمريكا، في الوقت الذي يمكنها فيه شراء عدد أكبر من الأسلحة أو الطائرات من روسيا أو الصين، وهي الأسلحة التي لن تقل في الجودة أو الكفاءة! وصرح حمزة الحسن، المحلل السعودي المقيم في لندن، لدويتشه فيله، بأن "صفقات الأسلحة الكبيرة التي تعقدها المملكة مع دول غربية استنزاف لثروات البلاد التي جمعت مؤخرا مع ارتفاع أسعار النفط"، واصفا تلك الصفقات "بالرشاوى لتلك الدول لحماية النظام السعودي". ويتساءل البعض حول الأسباب المتحكمة في عقد هذه الصفقات مع دولة بعينها، وهل هي العمولات؟ أم مصلحة الدولة نفسها في شراء السلاح المناسب؟! ووفقا للخبراء فإن المبلغ الذي يكفي لشراء حوالي 70 طائرة تايفون من بريطانيا يمكن أن يشترى 500 مقاتلة حديثة من روسيا، ويرى الحسن أن "السعودية ليست بحاجة إلى هذه الأسلحة، إذ أن المملكة -حسب عقيدتها العسكرية- لا يوجد لديها عدو مُشخص"، ويضيف أن "المملكة لا تخشى وقوع هجوم من أي دولة أخرى، كما أنها ليست بقادرة على الدخول في مواجهة مع إيران". ولا يختلف الحال بالنسبة إلى الخطر الإسرائيلي، فالسعودية لا تستطيع الدخول في حرب لا توافق عليها أمريكا، كما أن الأسلحة الأمريكية في السعودية سوف تصبح بلا فائدة في أي مواجهة مع إسرائيل، وهو ما تؤكده التصريحات الأمريكية الرسمية المتكررة التي تضمن التفوق العسكري لإسرائيل، ففي الوقت الذي تقدم فيه واشنطن للسعودية مقاتلات اف- 15، تقدم لإسرائيل مقاتلات إف- 35 الأكثر تطورا بكثير. ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مايكل أورين، السفير الإسرائيلي في واشنطن، قوله: "نقدر الجهود التي تبذلها الإدارة الأمريكية من أجل المحافظة على التقدم العسكري النوعي الإسرائيلي، ونتوقع أن نستمر في مناقشة قلقنا مع الإدارة الأمريكية حول هذه المسائل". صفقة غير عادية أبدى صفوت الزيات، المحلل الإستراتيجي والعسكري، لتليفزيون "بي بي سي" دهشته من حجم الصفقة الكبير، والذي أكد أنه تفوق على عدد الصفقات التي عقدتها السعودية على مدى ال8 أعوام الماضية، حيث أوضح الزيات أن السعودية اشترت أسلحة بقيمة 36 مليار دولار على مدى 8 سنوات، بينما الصفقة الأخيرة وحدها تبلغ 60 مليار دولار! ونفى الزيات أن تكون هذه الصفقة لمواجهة إيران، موضحا أن السعودية بدون الصفقة الأخيرة تملك تفوقًا جويًّا ضد إيران، لكنه عاد وأكد أن الصفقة قد تكون لمواجهة عناصر أخرى تتفوق فيها إيران، كالمكون السكاني أو التدريب أو الخبرة أو عوامل أخرى متعددة. وعلى الجانب الإسرائيلي قال المحلل الإستراتيجي إن "الصفقة نزع منها تجهيزات لأنظمة صاروخية بعيدة المدى، وبالتالي لا تسبب قلقا لإسرائيل، مؤكدا أن الدول الخليجية ستظل في حاجة إلى الدعم الأمريكي في هذا المجال، مهما زادت كميات الأسلحة لديها.