عيد النيروز أحد أعيادنا القومية، فهو مبدأ سنتنا الشمسية التى عليها حساب الأمة فى زرعها وقلعها وبذرها وحصادها.. استمسك المصريون بحسابها لبساطته ولأنه طريقهم القومى الذى عرفوه وألفوه من قديم الزمان. يحتفل المواطنون الأقباط بعيد النيروز، رأس السنة المصرية، القبطية، فى اليوم الحادى عشر من شهر سبتمبر من كل عام، حيث تبدأ سنة زراعية جديدة، تتكون من ثلاثة عشر شهرا: توت، بابة، هاتور، كيهك، طوبة، أمشير، برمهات، برمودة، بشنس، بؤونة، أبيب، مسرى، نسىء. كما أنه يوافق عيد الشهداء، حيث يتذكرون الشهداء الذين حافظوا على المسيحية بدمائهم. ولقد كان الاحتفال بعيد النيروز سنة 1919م عيدا مختلفا، ليس فقط بالنسبة للأقباط وإنما لجميع المصريين، حيث تقرر أن يكون الاحتفال بهذا العيد فى تلك السنة احتفالا قوميا، وكان ذلك من وحى ثورة 1919م التى وحدت قلوب المصريين وأفكارهم على مختلف أديانهم أمام هدف واحد هو (الاستقلال التام أو الموت الزؤام) تحت شعار (الدين لله والوطن للجميع)، حيث أقيمت العديد من الحفلات بهذا العيد فى عدد من الأندية والمسارح العمومية والجمعيات الأهلية (ومن أبرزها جمعية التوفيق القبطية الأرثوذكسية).. نشرت مجلة (رعمسيس) لصاحبيها رمزى تادرس وكيرلس تادرس، وغيرها من الصحف المصرية، خطب ذلك الاحتفال فى عددها الثامن من سنتها الثامنة.. عيد قومى لكل مصر فى البداية تحدث فتح الله بركات باشا الذى قال فى خطبته: «أتشرف باسم لجنة الاحتفال بشكر حضراتكم على إجابتكم داعى الاتحاد والوطنية، فقد أعدتم عيدا من الأعياد القومية المصرية بعد أن كادت تقضى عليه يد الزمان والتفريق.. وأنى أقدم الشكر مضاعفا لحضرات العلماء والشعراء والملحنين الذين تفضلوا بإحياء هذه الحفلة حتى أنفذوا بمواهبهم السامية إلى القلوب والمشاعر والنفوس صورة مجسمة من الاتحاد والتضامن بين المصريين جميعا الذين هم فى الحقيقة أفراد أسرة واحدة.. دامت مصر متحدة ودامت لها أعيادها». مصر أمنا والنيل أبونا ثم تحدث الأستاذ مرقس حنا بك وقال فى خطبته: «أحييكم تحية الأخ لأخيه، تحية المصرى للمصرى، تحية الإخلاص والوداد، تحية المحبة الأكيدة والوحدة الوطنية الوحيدة. أحييكم تحية الاتحاد المتين والوداد المكين. أحييكم تحية العام الجديد وملء فؤادى السرور وكلى آمال بل يقين بأن هذا المظهر وجلاله وهذا التآلف وجماله وهذا الجمع وعظمته ومهابته ما هو إلا فاتحة عصر جديد يُذكرنا بعظمة أجدادنا وبمجد آباءنا الذين كانوا على رأس العالم وقمة العلم، الذين كانوا نبراسا للعالمين وهدى للناشئين، كانوا فخر المدنية وتاجها وسياج الحرية وينبوعها يمنحونها من شاءوا متى شاءوا ويهبونها من أرادوا متى أرادوا تلك الحرية التى ننشدها والعلم الذى نسعى إليه وذلك المجد الذى لاشك أننا حاصلون عليه بفضل ارتباطنا الذى لا انفصام له واتحادنا الذى لا انفكاك له، ما أبهج هذا المنظر وما أجمل هذه الذكرى ذكرى المجد وذكرى الحرية تحت سماء واحدة وفى صعيد واحد بين هذا الجمع الذى شمل كل مصرى وكل من يمثل مصر والمصريين، ذلك الشعب الطيب العنصر الكريم الفؤاد الساكن الهادئ المملوء من الحياة والآمال..».. وهو يضيف أنه «لنا أعياد قومية وطنية أربعة. عيد وفاء النيل، ويوم شم النسيم، وعيد رأس السنة الهجرية، وعيد النيروز.. تلك أعياد يجب أن نحتفظ بها جد الاحتفاظ لأنها أعياد زمنية وطنية مصرية تجمعنا كلنا وتضمنا كلنا ويجب أن نتخذ لها مظاهر الفرح والجود أعظمها وأبهاها فيعلو بذلك البناء المصرى المنشود وتلوى فتلة وحدتنا تلك الفتلة القوية النامية.. قد آن لنا أيها السادة أن نضم صفوفنا ونوحد كلمتنا ونعيد هذه الذكرى الحسنة ونحيى معا أعيادنا القومية ونعمل على الدوام يدا واحدة فيقوى عضدنا وتتوثق رابطتنا وتصبح آمالنا قريبة ورغائبنا حقيقية أكيدة ومن سار على الدرب وصل.. على أن هذا الاتحاد ليس بالأمر الحديث بل هذا شأننا فى التاريخ من قديم..».. وهو يختتم خطبته بتأكيده على أنه «نحن أبناء أم واحدة هى مصر وأب واحد هو النيل.. الاتحاد طبيعى بيننا لا تشوبه شائبة مهما كانت الظروف، ولكن يجب أن نتعهده دائما كالغرس النامى فينمو ويترعرع ونبلغ السعد ويبلغنا السعد باسما إن شاء الله فيما نبغى ونؤمل. وأرجو الله أن نسير معا فى كل أمورنا إلى الأمام على أساس الحب والوئام اليوم وغدا بل على الدوام..». نحن شعب واحد وخطب محمد عاطف بركات بك خطبة طويلة جاء فيها أنه: «ليست الأمة المصرية مكونة من عنصرين مختلفين مسلم وقبطى كما يدور أحيانا على الألسنة من غير تمحيص للحقائق ولا تحر للألفاظ، وإنما هى شعب واحد وعنصر واحد. واحد فى مبدئه ومنشأه واحد فى خلقه واحد فى عاداته ومشاربه واحد فى مصالحه ومآربه واحد فى آماله القومية وأطماعه السياسية. نعم إن الشعب المصرى كل واحد بطبيعته مستعد بفطرته لا يتنافر ولا يتخالف وما يطرأ عليه من الفوارق أحيانا إنما هى فوارق صناعية وقتية لا بقاء لها ولا تلبث أن تزول..». وأخذ الخطيب يشرح فكرته الخاصة بوحدة شعب مصر بشىء من التفصيل، فهو يقول: «نحن شعب واحد لأن جميع العوامل الطبيعية والاجتماعية والسياسية تضافرت على أن تجعلنا كذلك، فنسبنا واحد ومصالحنا واحدة وعاداتنا واحدة وشريعتنا واحدة ولغتنا واحدة وتربيتنا واحدة وديننا يدعونا إلى صراط مستقيم واحد، فالأمة المصرية جسم عضوى واحد يحيا بروح واحدة ونحن أعضاؤه نستمد الوجود والحياة من الاتصال به، وإذا انفصل عضو منا فنصيبه الموت والفناء، فلنضع هذه الحقيقة نصب أعيننا ولنسر إلى الأمام فى طريق السعادة.. نحتفل هذا اليوم بعيد النيروز لأنه أحد أعيادنا القومية، فهو مبدأ سنتنا الشمسية التى عليها حساب الأمة فى زرعها وقلعها وبذرها وحصادها، وقد استمسك المصريون بحسابها لبساطته ولأنه طريقهم القومى الذى عرفوه وألفوه من قديم الزمان، ومع محاربة السنة الإفرنجية لها بقوة الحكومة فلايزال الفلاح لا يعرف له حسابا بغير الشهور القبطية..». وفى ختام خطبته قال الرجل: «فلنبتهج جميعا بعيدنا القومى وسنتنا الجديدة ولنبتهل إلى الله سبحانه وتعالى أن يبارك للأمة المصرية فى عيدها وأن يجعل سنتنا هذه سنة خير وبركة وأن يوثق عرى المودة بيننا ويبلغنا آمالنا إنه سميع الدعاء».