«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر من أكبر 20 مصدرًا للملح ومهددة بالبدء فى استيراده خلال 10 سنوات
نشر في الشروق الجديد يوم 05 - 09 - 2010

فى عام 1989، اضطر عبدالقادر حلمى رئيس إحدى الشركات المتخصصة فى تصدير الملح أن يهبط بسعر الطن إلى أقل من 35 دولارا حتى يقبل الفرنسيون على شرائه، بسبب انخفاض جودته، وفى عام 2010 أذعن الفرنسيون والأوروبيون للسعر الذى قرره حلمى وزملاؤه لطن الملح المصرى الذى يزيد سعره على العام الماضى، وهو 75 دولارا، بنحو 25% تقريبا بل إنهم عرضوا عليه زيادة السعر إلى الضعف بشرط أن يلبى احتياجاتهم منه سريعا، لكنه رفض.
ولم يكن رفض عبدالقادر ترفعا أو زهدا فى تحقيق ربح أكبر فى فترة وجيزة، ولكن «ما باليد حيلة» حسب تعبيره، فإنتاج مصر من الملح محدود للغاية، ويكاد يكون حجمه ثابتا منذ عدة سنوات «رغم أن مستوى جودة الملح المصرى أصبحت الأفضل على مستوى العالم»، تبعا لما ذكره.
ويأتى ذلك فى وقت يشهد فيه الطلب العالمى على الملح بصفة عامة سواء اللازم للطعام، أو الخاص لأغراض صناعية، أو لاحتياجات إذابة الجليد، نموا كبيرا بينما يتناقص إنتاج عدد من البلدان الأوروبية مثل إسبانيا، بسبب تحويل مساحات كبيرة من أراضى ملاحات أحواض الملح إلى منتجعات سياحية. «الشروق» تفتح ملف صناعة الملح.
تنتج مصر من الملح نحو 3.4 مليون طن سنويا، وبذلك تحتل المرتبة ال16 بين 62 دولة منتجة للملح فى العالم، وتسهم شركتا النصر، والمكس للملاحات المملوكتان للدولة واللتان تأسستا فى بداية القرن ال18 ب80% من إجمالى الإنتاج. وتعمل الأولى من خلال ملاحتين فى العريش وبرج العرب بالإسكندرية، والثانية فى بورسعيد والمكس فى الإسكندرية، ونسبة ال20% المتبقية تنتجها 7 شركات من القطاع الخاص، ويتم تصدير نحو 70% من الإنتاج المحلى.
ويعد إنتاج مصر من الملح محدودا مقارنة بإمكانات إنتاجه الكبيرة والتى ترتبط فى المقام الأول بتوافر ظروف مناخية معينة مثل الشمس الساطعة طوال العام وسواحل بحرية، وفى وقت تنمو فيه فرص تصديره على خلاف معظم السلع الأخرى، ومع ضعف الكميات المنتجة فإنها مهددة بالتراجع فى السنوات المقبلة، كما قال أسامة عبدالعزيز العضو المنتدب لشركة المكس بسبب التعديات على الملاحات القائمة لشركات الدولة، وتعنت المحافظات، وعدم إتاحة أراضٍ جديدة تسمح بإقامة ملاحات لعمل توسعات إضافية.
الملاحات تائهة بين قانونين
بدأت مشكلة شركات الملح مع المحافظات قبل عدة سنوات، حيث قامت بزيادة القيمة الإيجارية للملاحات بصورة مبالغ فيها، وحسب عبدالعزيز فإنه بعد انتهاء مدة عقد ملاحة المكس فى عام 2005، رفعت محافظة الإسكندرية رسوم حق الانتفاع من 880 ألف جنيه بواقع نحو 8 قروش للطن الواحد إلى 8 ملايين جنيه فى العقد الجديد، وبعد محاولات وتدخل وزير البترول، سامح فهمى بصفته مسئولا عن الثروة المعدنية «للتوسط»، تم خفضها إلى 3 ملايين جنيه فقط، وهو ما يتعارض مع طبيعة الملح كسلعة منخفضة السعر ولا يمكن زيادته إذا ارتفعت التكلفة، لذلك نمت الأعباء على الشركة.
ولم تقف المسألة عند هذا الحد، رغم التزام الشركة بدفع رسوم حق الانتفاع منذ عام تجديد العقد، حيث تماطل المحافظة فى منح الشركة مستندا يثبت أنها قامت بتجديده، وقال عبدالعزيز إن المماطلة ترجع لفهم خاطئ من قبل إدارات المحافظات مفاده خضوع استخدام الملاحات لقانون المزايدات والمناقصات رقم 9، وهو ما يستوجب أن يقوم مجلس الدولة بمراجعة العقد بينما فى الحقيقة الملاحات تخضع لقانون المحاجر والمناجم، واقترح عبدالعزيز أن تلغى سيطرة المحافظات على الملاحات فى قانون المحاجر والمناجم الجديد، «إن الملح سلعة استراتيجية يجب أن تصب منافعها فى الاقتصاد بصفة عامة وليس للمنافع الخاصة بالمحافظات».
حلو المر الضائع
الحصول على العقد ليس اهتماما بتأمين ورقة رسمية فقط، بل يضمن للشركة الاستفادة من المحلول المر الذى يتكون على سطح الملح بعد ترسيبه، والغنى بمادة المغنسيوم الذى يتسم بارتفاع سعره بسبب احتياج صناعات عديدة على رأسها الطائرات والمعدات الطبية وبعض الصناعات الحربية له كواحد من خامات الإنتاج الرئيسية، وقال عبدالعزيز إن فصل المغنسيوم عن السائل يتطلب تقنية دقيقة ومعقدة ولم تدخل أى دولة من دول منطقة الشرق الأوسط فى الصناعة باستثناء إسرائيل.
وتتسم تلك التقنية بارتفاع تكلفتها الاستثمارية، التى تفوق قدرات الشركة التمويلية، لذلك سعت إدارتها إلى مشاركة مستثمرين أجانب وبالفعل تم اختيار شركة روسية، لكنها ما إن علمت أن شريكها المصرى لم يحصل على العقد إضافة إلى قصر مدته والتى لم تتجاوز 10 سنوات اشترط المستثمر أن تكون مدة العقد 30 عاما حتى تراجعت عن مشروع استخلاص المغنسيوم، «إذا حصلنا على عقد بمدة انتفاع معقولة نستطيع أن نتصل بالشركات العالمية فى هذا المجال لاستغلال المحلول المر الذى نقوم حاليا بجمعه فى أحواض منفصلة حتى يتسنى لنا استغلاله وإضافة عوائد جديدة لإيرادات الشركة».
التوسعات مستحيلة
وتهدد مشكلة التعديات من الأطراف المختلفة على الملاحات إنتاج شركات الملح الحالى، وفى جولة ل«الشروق» فى ملاحة المكس فى الإسكندرية بدت الملاحة وكأنها محاصرة من جميع الجهات، بمبانى المصانع ومساكن الأهالى إضافة إلى الطريق الدائرى الذى قطع الملاحة إلى جزءين، وقال عبدالعزيز إن موقف ملاحة بورسعيد لا يختلف كثيرا عن المكس التى تمتد على مساحة 39 كيلومترا، وقد خلقت تلك التعديات وضعا يستحيل معه عمل أية توسعات، رغم أن الطلب ينمو بقوة على الملح بصفة عامة والمصرى خاصة، «لو كان إنتاجنا وصل إلى 7 ملايين طن هذا العام كنا نستطيع تصديرها جميعا» حسب تعبيره.
ويرى عبدالعزيز أنه فى ظل استحالة عمل توسعات، وأيضا تقلص مساحة الملاحات القائمة بسبب التعديات عليها، فإن الحل الأفضل لزيادة الإنتاج هو التوسع فى مناطق جديدة، وقال إن الشركة طلبت منحها مساحة من الأرض فى أى محافظة ساحلية أيا كانت لعمل مصنع جديد وحتى الآن لم يتم الاستجابة لها، مشيرا إلى أنه لا يوجد أى مشكلة فى عملية التمويل والتى لن تقل عن 200 مليون جنيه، وستقوم بها الشركة القابضة للصناعات الكيماوية التى تتبعها المكس، «توجد شواطئ فى مصر يصل طولها إلى 1000 كيلومتر من العريش وحتى السلوم ومنح الشركة 40 كيلو لا يمثل شعرة رقيقة منها».
وقال عبدالعزيز إن ملاحة بورسعيد التى تمتد على مساحة 12كيلومترا مربعا، ويعتبر الملح المنتج منها أكثر تميزا بسبب عوامل فنية وبيئية عديدة مهددة حاليا بقطع الجزء الخاص بقناة التغذية لأحواض الترسيب من البحر منها مهما كانت المساحة التى ستقتطع صغيرة فإنها ستدمر الملاحة» وذلك لصالح مشروع عقارى، «وقد طلبنا من المحافظ منحنا أرضا بديلة ولكن الطلب لم يجد آذانا صاغية».
«مصانع الملح تشجع على خلق كيانات صناعية لمنتجات أخرى تعتمد على هذه الخامة كمادة رئيسية من مستلزمات الإنتاج» حسب عبدالعزيز، وأضاف لذلك أنشئت شركات مثل الإسكندرية للأسمنت، وبيكربونات الصوديوم بجوار المكس، «إذا وقف إنتاج الشركة أو انخفض فإن الشركات الموجودة حولها ستقف هى الأخرى، كما لن يجد المواطن مياها صالحة للشرب، وبهذا المنطق الذى تتعامل به الجهات المختلفة مع هذه الصناعة ستضطر مصر لاستيراد الملح خلال 10 سنوات لتلبية احتياجاتها المحلية»، كما أن إقامة ملاحات جديدة ستسهم فى زيادة الإنتاج للكيلو الواحد، بعدما بدأت الملاحات القديمة مرحلة الشيخوخة بعد نحو 200 عام من العمل.
وقد قامت شركة المكس بتصدير 880 ألف طن من إجمالى إنتاج 1.4 مليون طن، أى ما يمثل نحو 85%، وبلغت قيمة الصادرات 55 مليون جنيه، ويقول عبدالعزيز إن إقامة ملاحة جديدة لإنتاج مليون طن سترفع قيمة الصادرات إلى 200 مليون جنيه، مشيرا إلى أن استهلاك مصر من ملح الطعام سنويا يصل إلى 70 ألف طن والباقى يتم توجيهه للتصدير وللصناعات الأخرى، «البرازيل أو شيلى أو إيطاليا ليست أفضل من مصر حتى تنتج كل واحدة منها أكثر من 5 ملايين طن سنويا، وتتقدم على المرتبة ال16 التى تحتلها مصر بين أكبر الدول المنتجة للملح».
ملاحات أوروبا تتآكل
يشهد الإنتاج العالمى من الملح تراجعا متواصلا منذ عدة سنوات، كما ينمو الطلب نتيجة لزيادة استخداماته، ويرجع حلمى الذى زار الكثير من ملاحات أوروبا نمو الطلب العالمى إلى تناقص الإنتاج بسبب إغلاق كثير من الملاحات الأوروبية خاصة فى إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، والتى تعد الأسواق الرئيسية لصادرات مصر من الملح، وتحويلها إلى أنشطة استثمارية أخرى أهمها المنتجعات السياحية.
وأضاف حلمى أن التغيرات المناخية السلبية، والتى أدت إلى زيادة كمية الثلوج فى أوروبا، كانت من العوامل التى رفعت الطلب على الملح فى السنوات الأخيرة أيضا، إذ إنه يستخدم فى إذابة الجليد، مشيرا إلى أن التوقعات تشير إلى استمرار هذا العامل فى دعم الطلب على الملح فى السنوات المقبلة، «أى أن هذه الزيادة ليست مؤقتة أو مرتبطة بعامل غير دائم»، وأضاف عبدالعزيز أن أوروبا لا يمكن أن تخلو من الثلوج لأن ذلك ضد طبيعة مناخ دولها.
ويحكى حلمى عن تجربة العام الماضى فى تصدير الملح قائلا، إنه لأول مرة فى تاريخ سوق الملح العالمية يتم نقله بالطائرات، حيث إنه يعد من السلع المنخفضة السعر والتى لا تحقق إيرادات كبيرة، لكن الثلوج التى غطت مطار باريس الدولى دفعت الإدارة إلى نقله بالطائرة حتى لا يتوقف عمل المطار، كما أنه لأول مرة تتراص مراكب نقل الملح التى تنقله من خارج أوروبا فى طوابير فى الموانئ رغم غرامات التأخير التى تصل إلى نحو 8 آلاف دولار يوميا للمركب، وذلك بغرض ضمان الحصول على الكميات المطلوبة منه.
كما تشترط قواعد العمل فى كل أنحاء أوروبا إقامة مخازن للملح على جانبى الطرق الرئيسية فى مواقع متقاربة، ويجب أن يتم ملؤها قبل الشتاء ووضع ماكينات نثر الملح بجوارها حتى تقوم بالعمل عند أول بادرة لظهور الثلج، حسبما قال حلمى، مشيرا إلى أن معظم الملاحات الأوروبية قد أنهت محصولها هذا العام، مما يعنى أن الطلب الكبير الذى شهده العام الماضى والذى كان استثنائيا مقارنة بموجة ارتفاع الطلب بصفة عامة والتى بدأت قبل 3 سنوات، سيكون استثنائيا هذا العام أيضا.
شركات الدولة الأفضل لإنتاج الملح
وتبدو تلك الصناعة للوهلة الأولى سهلة وغير مكلفة، لكن عبدالعزيز يرفض هذا الاعتقاد تماما، حتى يصل الملح إلى المائدة أو المصنع الذى سيستخدمه كمدخل إنتاج هناك تكلفة ومجهود كبيرين، وقال إن كل ما يلمس الملح من معدات وآلات وحتى الحوائط تتآكل بسرعة وينخفض عمرها الافتراضى إلى النصف، وبالتالى تزيد تكلفة الاستهلاك، كما تضطر الشركة إلى استئجار شركات مقاولات خاصة لنقل الملح إلى جميع أنحاء الجمهورية عبر 81 شونة (مركز توزيع)، ويشترط أحد بنود قانون المحاجر رقم 27 لسنة 81، التى تخضع له صناعة الملح توفير وجبة تصل تكلفتها إلى 120 جنيها شهريا للعامل الواحد، وأشار عبدالعزيز إلى أن وزارة المالية كانت تدفع ثمن هذه الوجبة إلى أن بدأت عملية إعداد الشركات العامة للخصخصة فتم إلغاؤها، لتضيف عبئا على ميزانية الشركة.
وتدفع الشركة بدل عمل متميزاًًً ل700 عامل من بين ألف عامل، وذلك لأن القانون يعتبر مصنع الملح منجما سطحيا يتعرض لنفس مخاطر العمل فى المناجم، وقال عبدالعزيز إن تلك الميزات جعلت أجور عمال تلك الصناعة الأعلى فى مصر حيث يصل متوسط الأجر السنوى إلى 48 ألف جنيه.
وتتطلب صناعة الملح استثمارات ضخمة، حيث لا تقل تكلفة إقامة مصنع جديد لإنتاج مليون طن من الملح عن 250 مليون جنيه اتساع الملاحة لهذه الكمية 40 كيلومترا وتستغرق الملاحة الجديدة نحو سبع سنوات من العمليات الفنية والإجراءات المختلفة حتى تبدأ إنتاج ملح جيد، وليتمكن المستثمر من استرداد أمواله، ويرى عبدالعزيز أنه نتيجة لكل الأسباب السابقة لا يصلح القطاع الخاص أن يقيم مشروعات للملح، والأفضل أن تقوم الشركات المملوكة للدولة بها.
ويجب أن تكون مشكلة المياه المتوقعة بسبب خلاف دول حوض النيل حول إعادة توزيع مياه النيل، دافعا آخر لإقامة مصانع جديدة لإنتاج الملح، وقال عبدالعزيز إن مصر تعانى عجزا مائيا أصبح مهددا بالتزايد، وفى هذه الحالة لابد من اللجوء إلى تحلية مياه البحر لتلبية الاحتياجات المختلفة للمواطنين، وتعتمد معدات التحلية على الملح بشكل رئيسى.
عبدالناصر وغاندى والملح
تشبه التجربة المصريةالهندية فى إنتاج الملح فى نصفها الأول، لكنها أصبحت بعيدة كل البعد عنها فى نصفها الثانى، فقد أسس شركات الملح فى البلدين الاحتلال كان فرنسيا فى مصر وبريطانيا فى الهند.
وعندما احتلت بريطانيا مصر أصبحت شركة المكس تدار من العاصمة البريطانية لندن وحظيت تلك الشركات بدعم من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى فترة الخمسينيات حين أصيبت الأسواق بعجز فى المعروض من الملح فى النصف الأول من الخمسينيات، مما أدى إلى قيام عبدالناصر بإقالة رئيس شركة المكس وكل قياداتها، وقام بزيارة للشركة لتفقد الأمر وفى وقت لاحق قام عبدالناصر بتأميم شركات الملح.
وكانت بريطانيا، كلما واجهت مشاكل مالية وعجزت عن الصرف على حكومتها فى الهند، خاصة وقت الحروب، تزيد الضرائب على الهنود، وبالتالى عندما واجهت صعوبات مالية فى العشرينيات من القرن الماضى أصدرت قانونا يخول لها احتكار صناعة وبيع الملح، وتضمن القانون عقوبة بالسجن ستة أشهر على كل من يصنع ملحا، حتى اذا ذهب إلى البحر وجمع حجارة ملح.
ودفع ذلك المهاتما غاندى فى بداية الثلاثينيات إلى القيام بمسيرة الملح والتى كانت جزءا أساسيا من كفاحه السلمى الذى بدأه قبل ذلك بسنوات من أجل تحرير بلاده من الاستعمار البريطانى العسكرى والتبعية الاقتصادية، وكانت أهم ملامح العصيان المدنى فى 1930 رفض دفع ضريبة الملح التى فرضها البريطانيون، والسير نحو مصنع الملح فى داندى تأكيدا لرفض الهنود احتكار البريطانيين لصناعة الملح فى البلاد، وحق الهنود فى القيام بتصنيع الملح بأنفسهم، بل واستعادة السيطرة على كل الصناعات الوطنية التى تحتكرها بريطانيا.
وكتب غاندى الذى كان يبلغ 61 سنة فى ذلك الحين، فى جريدة «يانج انديان» (الهندى الشاب) الأسبوعية، التى كان أسسها قبل ذلك بسنة «ربما فكر البريطانيون فى ظلم كل هندى بفرض ضريبة على الماء، ثم وجدوا أن ذلك مستحيلا. ولهذا فرضوا ضريبة على الملح».
صرخة غاندى دفعت الهند لأن تكون أكبر منتج للملح فى العالم، وأصبحت تنتج نحو 18 مليون طن سنويا الآن، وهو ما دفع أحد خبراء الكيماويات الألمان فى مجال إنتاج الملح يقول فى مؤتمر الملح الأخير الذى عقد فى الهند فى فبراير الماضى الذى يعقد بصورة دورية كل عدة سنوات «إننى أنحنى تواضعا أمام الهنود لما وصلت إليه الهند فى مجال إنتاج الملح»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.