محافظ المنيا يوجه باستغلال الفصول الدراسية لمواجهة الكثافة الطلابية    أسعار الفاكهة اليوم الإثنين 11 أغسطس في سوق العبور للجملة    تراجع أسعار الذهب اليوم الاثنين 11 أغسطس في بداية التعاملات    أسعار مواد البناء اليوم الإثنين 11 أغسطس 2025    «الدوما»: قادة أوروبا يستحقون الشفقة وهم يحاولون اللحاق بالقاطرة الروسية الأمريكية    دولة واحدة دافعت عنها.. انتقادات حادة لإسرائيل خلال اجتماع مجلس الأمن    هدية قطر لترامب تثير الجدل من جديد.. شكوك حول موعد تسليم الطائرة الرئاسية    جيش الاحتلال الإسرائيلي يرد على تغريدة محمد صلاح.. فماذا قال؟    حبس التيك توكر «نوجا تاتو» في اتهامها بنشر الفسق والفجور    السيطرة على حريق هائل بمحل دهانات في المنيا    لارا ترامب تتفاعل مع محمد رمضان على طريقتها    حظك اليوم الإثنين 11 أغسطس 2025 وتوقعات الأبراج    6 عادات يومية تؤثر على صحة عمودك الفقري.. احذر منها    بعد قرار جون إدوارد.. عبدالله السعيد يتدخل لحل أزمة نجم الزمالك (تفاصيل)    «بشهر أغسطس».. مباريات قوية تنتظر صلاح مع ليفربول في الدوري الإنجليزي    «حد فاهم حاجة».. الغندور يكشف مفاجأة بشأن رحيل كهربا عن الاتحاد الليبي    رابط نتيجة تنسيق المرحلة الثانية 2025 لطلاب الثانوية العامة.. أحدث بيان رسمي من مكتب التنسيق    زلزال بقوة 5.8 درجة يضرب سواحل المكسيك    أصعب 48 ساعة فى أغسطس.. إنذار جوى بشأن حالة الطقس: ذروة الموجة شديدة الحرارة    النيابة تنتدب المعمل الجنائى.. و«الحى»: كل الأكشاك غير مرخصة ويفترشون الأرصفة مقابل رسوم إشغال    فلسطين تطالب بتحرك عربى فعّال لمواجهة جرائم الاحتلال    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري بعد الهبوط العالمي الأخير.. قائمة ب10 بنوك    إجمالى إيرادات الفيلم فى 11 ليلة.. تصدر شباك التذاكرب«28» مليون جنيه    تعرف على القائمة الكاملة لفيلم سفاح التجمع    موسمُ الرياض سعوديًّا... وعقلٌ لا يعجبه العجب!    أمين الفتوى: لا مبرر للجوء إلى الحرام.. الله قدّر أرزاق العباد قبل خلقهم (فيديو)    جمال العدل: الزمالك هو الحياة.. ولا نية للترشح في الانتخابات المقبلة    لدعم صحة أعصابك.. أهم مصادر فيتامين B12 الطبيعية    بروتوكول المناعة الثقافية: وكيف نحصّن هوية أمتنا؟    بقوة 6.1 درجة.. مقتل شخص وإصابة 29 آخرين في زلزال غرب تركيا    محافظ الفيوم يكرم أوائل الثانوية والأزهرية والدبلومات الفنية    برشلونة يمطر شباك كومو في كأس خوان جامبر    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 11 أغسطس 2025 في القاهرة والمحافظات    هاني رمزي: ريبيرو يقلق جماهير الأهلي    يحسن وظائف الكبد ويخفض الكوليسترول بالدم، فوائد عصير الدوم    هتقعد معاكي لأطول مدة.. أفضل طريقة لحفظ الورقيات في الثلاجة    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل الصحفي أنس الشريف في غارة على غزة    ياسر ريان: مصطفى شوبير رتمه بطئ والدبيس أفضل من شكري    يوسف الحسيني: اجتماع الرئيس بقيادات الهئيات الإعلامية يفتح آفاقًا جديدة للإعلام    تكريم اسم الفنان لطفي لبيب والإعلامي عمرو الليثي بمهرجان إبداع للشباب- (25 صورة)    فرصة ذهبية لطلاب الإعدادية.. تخفيض الحد الأدنى للالتحاق بالثانوي بدمياط    الإسكندرية السينمائي يطلق استفتاء جماهيري لاختيار أفضل فيلم سياسي مصري    "تضامن سوهاج" تكرم 47 رائدة اجتماعية وتمنحهن شهادات تقدير    الشقق المغلقة تدفع 9 جنيهات.. تفاصيل خصومات شحن عدادات الكهرباء مسبقة الدفع 2025    المسلماني: الرئيس لا يريد شعبًا مغيبًا وجاهلًا (فيديو)    الداخلية تضبط طالبا يستعرض بدراجة بخارية    قرار هام بشأن البلوجر مونلي صديق سوزي الأردنية بتهمة نشر فديوهات خادشة    السيطرة على حريق داخل مخزن مواد غذائية فى الزيتون دون إصابات.. صور    استشهاد الصحفي أنس الشريف بقصف إسرائيلي في غزة.. هذا آخر ما كتبه على «فيسبوك»    «لا يجب التنكيل بالمخطئين».. المسلماني: الرئيس طلب الاستعانة بكل الكوادر الإعلامية    سعر السكر والأرز والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الإثنين 11 أغسطس 2025    94 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال تداولات جلسة بداية الأسبوع    أمين الفتوى: لا يجوز كتابة كل ما يملك الإنسان لبناته لأنه بذلك يعطل أحكام الميراث    أمين الفتوى يوضح: المال الموهوب من الأب في حياته لا يدخل في الميراث    حكم الدردشة مع صحابي بالموبايل في الحمام؟.. أمينة الفتوى تجيب    هل يجوز إجبار الزوجة على الإنفاق في منزل الزوجية؟.. أمينة الفتوى تجيب    الشوربجي يشكر الرئيس السيسي على زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا للصحفيين    موعد إجازة المولد النبوى الشريف 2025 للقطاعين العام والخاص    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر من أكبر 20 مصدرًا للملح ومهددة بالبدء فى استيراده خلال 10 سنوات
نشر في الشروق الجديد يوم 05 - 09 - 2010

فى عام 1989، اضطر عبدالقادر حلمى رئيس إحدى الشركات المتخصصة فى تصدير الملح أن يهبط بسعر الطن إلى أقل من 35 دولارا حتى يقبل الفرنسيون على شرائه، بسبب انخفاض جودته، وفى عام 2010 أذعن الفرنسيون والأوروبيون للسعر الذى قرره حلمى وزملاؤه لطن الملح المصرى الذى يزيد سعره على العام الماضى، وهو 75 دولارا، بنحو 25% تقريبا بل إنهم عرضوا عليه زيادة السعر إلى الضعف بشرط أن يلبى احتياجاتهم منه سريعا، لكنه رفض.
ولم يكن رفض عبدالقادر ترفعا أو زهدا فى تحقيق ربح أكبر فى فترة وجيزة، ولكن «ما باليد حيلة» حسب تعبيره، فإنتاج مصر من الملح محدود للغاية، ويكاد يكون حجمه ثابتا منذ عدة سنوات «رغم أن مستوى جودة الملح المصرى أصبحت الأفضل على مستوى العالم»، تبعا لما ذكره.
ويأتى ذلك فى وقت يشهد فيه الطلب العالمى على الملح بصفة عامة سواء اللازم للطعام، أو الخاص لأغراض صناعية، أو لاحتياجات إذابة الجليد، نموا كبيرا بينما يتناقص إنتاج عدد من البلدان الأوروبية مثل إسبانيا، بسبب تحويل مساحات كبيرة من أراضى ملاحات أحواض الملح إلى منتجعات سياحية. «الشروق» تفتح ملف صناعة الملح.
تنتج مصر من الملح نحو 3.4 مليون طن سنويا، وبذلك تحتل المرتبة ال16 بين 62 دولة منتجة للملح فى العالم، وتسهم شركتا النصر، والمكس للملاحات المملوكتان للدولة واللتان تأسستا فى بداية القرن ال18 ب80% من إجمالى الإنتاج. وتعمل الأولى من خلال ملاحتين فى العريش وبرج العرب بالإسكندرية، والثانية فى بورسعيد والمكس فى الإسكندرية، ونسبة ال20% المتبقية تنتجها 7 شركات من القطاع الخاص، ويتم تصدير نحو 70% من الإنتاج المحلى.
ويعد إنتاج مصر من الملح محدودا مقارنة بإمكانات إنتاجه الكبيرة والتى ترتبط فى المقام الأول بتوافر ظروف مناخية معينة مثل الشمس الساطعة طوال العام وسواحل بحرية، وفى وقت تنمو فيه فرص تصديره على خلاف معظم السلع الأخرى، ومع ضعف الكميات المنتجة فإنها مهددة بالتراجع فى السنوات المقبلة، كما قال أسامة عبدالعزيز العضو المنتدب لشركة المكس بسبب التعديات على الملاحات القائمة لشركات الدولة، وتعنت المحافظات، وعدم إتاحة أراضٍ جديدة تسمح بإقامة ملاحات لعمل توسعات إضافية.
الملاحات تائهة بين قانونين
بدأت مشكلة شركات الملح مع المحافظات قبل عدة سنوات، حيث قامت بزيادة القيمة الإيجارية للملاحات بصورة مبالغ فيها، وحسب عبدالعزيز فإنه بعد انتهاء مدة عقد ملاحة المكس فى عام 2005، رفعت محافظة الإسكندرية رسوم حق الانتفاع من 880 ألف جنيه بواقع نحو 8 قروش للطن الواحد إلى 8 ملايين جنيه فى العقد الجديد، وبعد محاولات وتدخل وزير البترول، سامح فهمى بصفته مسئولا عن الثروة المعدنية «للتوسط»، تم خفضها إلى 3 ملايين جنيه فقط، وهو ما يتعارض مع طبيعة الملح كسلعة منخفضة السعر ولا يمكن زيادته إذا ارتفعت التكلفة، لذلك نمت الأعباء على الشركة.
ولم تقف المسألة عند هذا الحد، رغم التزام الشركة بدفع رسوم حق الانتفاع منذ عام تجديد العقد، حيث تماطل المحافظة فى منح الشركة مستندا يثبت أنها قامت بتجديده، وقال عبدالعزيز إن المماطلة ترجع لفهم خاطئ من قبل إدارات المحافظات مفاده خضوع استخدام الملاحات لقانون المزايدات والمناقصات رقم 9، وهو ما يستوجب أن يقوم مجلس الدولة بمراجعة العقد بينما فى الحقيقة الملاحات تخضع لقانون المحاجر والمناجم، واقترح عبدالعزيز أن تلغى سيطرة المحافظات على الملاحات فى قانون المحاجر والمناجم الجديد، «إن الملح سلعة استراتيجية يجب أن تصب منافعها فى الاقتصاد بصفة عامة وليس للمنافع الخاصة بالمحافظات».
حلو المر الضائع
الحصول على العقد ليس اهتماما بتأمين ورقة رسمية فقط، بل يضمن للشركة الاستفادة من المحلول المر الذى يتكون على سطح الملح بعد ترسيبه، والغنى بمادة المغنسيوم الذى يتسم بارتفاع سعره بسبب احتياج صناعات عديدة على رأسها الطائرات والمعدات الطبية وبعض الصناعات الحربية له كواحد من خامات الإنتاج الرئيسية، وقال عبدالعزيز إن فصل المغنسيوم عن السائل يتطلب تقنية دقيقة ومعقدة ولم تدخل أى دولة من دول منطقة الشرق الأوسط فى الصناعة باستثناء إسرائيل.
وتتسم تلك التقنية بارتفاع تكلفتها الاستثمارية، التى تفوق قدرات الشركة التمويلية، لذلك سعت إدارتها إلى مشاركة مستثمرين أجانب وبالفعل تم اختيار شركة روسية، لكنها ما إن علمت أن شريكها المصرى لم يحصل على العقد إضافة إلى قصر مدته والتى لم تتجاوز 10 سنوات اشترط المستثمر أن تكون مدة العقد 30 عاما حتى تراجعت عن مشروع استخلاص المغنسيوم، «إذا حصلنا على عقد بمدة انتفاع معقولة نستطيع أن نتصل بالشركات العالمية فى هذا المجال لاستغلال المحلول المر الذى نقوم حاليا بجمعه فى أحواض منفصلة حتى يتسنى لنا استغلاله وإضافة عوائد جديدة لإيرادات الشركة».
التوسعات مستحيلة
وتهدد مشكلة التعديات من الأطراف المختلفة على الملاحات إنتاج شركات الملح الحالى، وفى جولة ل«الشروق» فى ملاحة المكس فى الإسكندرية بدت الملاحة وكأنها محاصرة من جميع الجهات، بمبانى المصانع ومساكن الأهالى إضافة إلى الطريق الدائرى الذى قطع الملاحة إلى جزءين، وقال عبدالعزيز إن موقف ملاحة بورسعيد لا يختلف كثيرا عن المكس التى تمتد على مساحة 39 كيلومترا، وقد خلقت تلك التعديات وضعا يستحيل معه عمل أية توسعات، رغم أن الطلب ينمو بقوة على الملح بصفة عامة والمصرى خاصة، «لو كان إنتاجنا وصل إلى 7 ملايين طن هذا العام كنا نستطيع تصديرها جميعا» حسب تعبيره.
ويرى عبدالعزيز أنه فى ظل استحالة عمل توسعات، وأيضا تقلص مساحة الملاحات القائمة بسبب التعديات عليها، فإن الحل الأفضل لزيادة الإنتاج هو التوسع فى مناطق جديدة، وقال إن الشركة طلبت منحها مساحة من الأرض فى أى محافظة ساحلية أيا كانت لعمل مصنع جديد وحتى الآن لم يتم الاستجابة لها، مشيرا إلى أنه لا يوجد أى مشكلة فى عملية التمويل والتى لن تقل عن 200 مليون جنيه، وستقوم بها الشركة القابضة للصناعات الكيماوية التى تتبعها المكس، «توجد شواطئ فى مصر يصل طولها إلى 1000 كيلومتر من العريش وحتى السلوم ومنح الشركة 40 كيلو لا يمثل شعرة رقيقة منها».
وقال عبدالعزيز إن ملاحة بورسعيد التى تمتد على مساحة 12كيلومترا مربعا، ويعتبر الملح المنتج منها أكثر تميزا بسبب عوامل فنية وبيئية عديدة مهددة حاليا بقطع الجزء الخاص بقناة التغذية لأحواض الترسيب من البحر منها مهما كانت المساحة التى ستقتطع صغيرة فإنها ستدمر الملاحة» وذلك لصالح مشروع عقارى، «وقد طلبنا من المحافظ منحنا أرضا بديلة ولكن الطلب لم يجد آذانا صاغية».
«مصانع الملح تشجع على خلق كيانات صناعية لمنتجات أخرى تعتمد على هذه الخامة كمادة رئيسية من مستلزمات الإنتاج» حسب عبدالعزيز، وأضاف لذلك أنشئت شركات مثل الإسكندرية للأسمنت، وبيكربونات الصوديوم بجوار المكس، «إذا وقف إنتاج الشركة أو انخفض فإن الشركات الموجودة حولها ستقف هى الأخرى، كما لن يجد المواطن مياها صالحة للشرب، وبهذا المنطق الذى تتعامل به الجهات المختلفة مع هذه الصناعة ستضطر مصر لاستيراد الملح خلال 10 سنوات لتلبية احتياجاتها المحلية»، كما أن إقامة ملاحات جديدة ستسهم فى زيادة الإنتاج للكيلو الواحد، بعدما بدأت الملاحات القديمة مرحلة الشيخوخة بعد نحو 200 عام من العمل.
وقد قامت شركة المكس بتصدير 880 ألف طن من إجمالى إنتاج 1.4 مليون طن، أى ما يمثل نحو 85%، وبلغت قيمة الصادرات 55 مليون جنيه، ويقول عبدالعزيز إن إقامة ملاحة جديدة لإنتاج مليون طن سترفع قيمة الصادرات إلى 200 مليون جنيه، مشيرا إلى أن استهلاك مصر من ملح الطعام سنويا يصل إلى 70 ألف طن والباقى يتم توجيهه للتصدير وللصناعات الأخرى، «البرازيل أو شيلى أو إيطاليا ليست أفضل من مصر حتى تنتج كل واحدة منها أكثر من 5 ملايين طن سنويا، وتتقدم على المرتبة ال16 التى تحتلها مصر بين أكبر الدول المنتجة للملح».
ملاحات أوروبا تتآكل
يشهد الإنتاج العالمى من الملح تراجعا متواصلا منذ عدة سنوات، كما ينمو الطلب نتيجة لزيادة استخداماته، ويرجع حلمى الذى زار الكثير من ملاحات أوروبا نمو الطلب العالمى إلى تناقص الإنتاج بسبب إغلاق كثير من الملاحات الأوروبية خاصة فى إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، والتى تعد الأسواق الرئيسية لصادرات مصر من الملح، وتحويلها إلى أنشطة استثمارية أخرى أهمها المنتجعات السياحية.
وأضاف حلمى أن التغيرات المناخية السلبية، والتى أدت إلى زيادة كمية الثلوج فى أوروبا، كانت من العوامل التى رفعت الطلب على الملح فى السنوات الأخيرة أيضا، إذ إنه يستخدم فى إذابة الجليد، مشيرا إلى أن التوقعات تشير إلى استمرار هذا العامل فى دعم الطلب على الملح فى السنوات المقبلة، «أى أن هذه الزيادة ليست مؤقتة أو مرتبطة بعامل غير دائم»، وأضاف عبدالعزيز أن أوروبا لا يمكن أن تخلو من الثلوج لأن ذلك ضد طبيعة مناخ دولها.
ويحكى حلمى عن تجربة العام الماضى فى تصدير الملح قائلا، إنه لأول مرة فى تاريخ سوق الملح العالمية يتم نقله بالطائرات، حيث إنه يعد من السلع المنخفضة السعر والتى لا تحقق إيرادات كبيرة، لكن الثلوج التى غطت مطار باريس الدولى دفعت الإدارة إلى نقله بالطائرة حتى لا يتوقف عمل المطار، كما أنه لأول مرة تتراص مراكب نقل الملح التى تنقله من خارج أوروبا فى طوابير فى الموانئ رغم غرامات التأخير التى تصل إلى نحو 8 آلاف دولار يوميا للمركب، وذلك بغرض ضمان الحصول على الكميات المطلوبة منه.
كما تشترط قواعد العمل فى كل أنحاء أوروبا إقامة مخازن للملح على جانبى الطرق الرئيسية فى مواقع متقاربة، ويجب أن يتم ملؤها قبل الشتاء ووضع ماكينات نثر الملح بجوارها حتى تقوم بالعمل عند أول بادرة لظهور الثلج، حسبما قال حلمى، مشيرا إلى أن معظم الملاحات الأوروبية قد أنهت محصولها هذا العام، مما يعنى أن الطلب الكبير الذى شهده العام الماضى والذى كان استثنائيا مقارنة بموجة ارتفاع الطلب بصفة عامة والتى بدأت قبل 3 سنوات، سيكون استثنائيا هذا العام أيضا.
شركات الدولة الأفضل لإنتاج الملح
وتبدو تلك الصناعة للوهلة الأولى سهلة وغير مكلفة، لكن عبدالعزيز يرفض هذا الاعتقاد تماما، حتى يصل الملح إلى المائدة أو المصنع الذى سيستخدمه كمدخل إنتاج هناك تكلفة ومجهود كبيرين، وقال إن كل ما يلمس الملح من معدات وآلات وحتى الحوائط تتآكل بسرعة وينخفض عمرها الافتراضى إلى النصف، وبالتالى تزيد تكلفة الاستهلاك، كما تضطر الشركة إلى استئجار شركات مقاولات خاصة لنقل الملح إلى جميع أنحاء الجمهورية عبر 81 شونة (مركز توزيع)، ويشترط أحد بنود قانون المحاجر رقم 27 لسنة 81، التى تخضع له صناعة الملح توفير وجبة تصل تكلفتها إلى 120 جنيها شهريا للعامل الواحد، وأشار عبدالعزيز إلى أن وزارة المالية كانت تدفع ثمن هذه الوجبة إلى أن بدأت عملية إعداد الشركات العامة للخصخصة فتم إلغاؤها، لتضيف عبئا على ميزانية الشركة.
وتدفع الشركة بدل عمل متميزاًًً ل700 عامل من بين ألف عامل، وذلك لأن القانون يعتبر مصنع الملح منجما سطحيا يتعرض لنفس مخاطر العمل فى المناجم، وقال عبدالعزيز إن تلك الميزات جعلت أجور عمال تلك الصناعة الأعلى فى مصر حيث يصل متوسط الأجر السنوى إلى 48 ألف جنيه.
وتتطلب صناعة الملح استثمارات ضخمة، حيث لا تقل تكلفة إقامة مصنع جديد لإنتاج مليون طن من الملح عن 250 مليون جنيه اتساع الملاحة لهذه الكمية 40 كيلومترا وتستغرق الملاحة الجديدة نحو سبع سنوات من العمليات الفنية والإجراءات المختلفة حتى تبدأ إنتاج ملح جيد، وليتمكن المستثمر من استرداد أمواله، ويرى عبدالعزيز أنه نتيجة لكل الأسباب السابقة لا يصلح القطاع الخاص أن يقيم مشروعات للملح، والأفضل أن تقوم الشركات المملوكة للدولة بها.
ويجب أن تكون مشكلة المياه المتوقعة بسبب خلاف دول حوض النيل حول إعادة توزيع مياه النيل، دافعا آخر لإقامة مصانع جديدة لإنتاج الملح، وقال عبدالعزيز إن مصر تعانى عجزا مائيا أصبح مهددا بالتزايد، وفى هذه الحالة لابد من اللجوء إلى تحلية مياه البحر لتلبية الاحتياجات المختلفة للمواطنين، وتعتمد معدات التحلية على الملح بشكل رئيسى.
عبدالناصر وغاندى والملح
تشبه التجربة المصريةالهندية فى إنتاج الملح فى نصفها الأول، لكنها أصبحت بعيدة كل البعد عنها فى نصفها الثانى، فقد أسس شركات الملح فى البلدين الاحتلال كان فرنسيا فى مصر وبريطانيا فى الهند.
وعندما احتلت بريطانيا مصر أصبحت شركة المكس تدار من العاصمة البريطانية لندن وحظيت تلك الشركات بدعم من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى فترة الخمسينيات حين أصيبت الأسواق بعجز فى المعروض من الملح فى النصف الأول من الخمسينيات، مما أدى إلى قيام عبدالناصر بإقالة رئيس شركة المكس وكل قياداتها، وقام بزيارة للشركة لتفقد الأمر وفى وقت لاحق قام عبدالناصر بتأميم شركات الملح.
وكانت بريطانيا، كلما واجهت مشاكل مالية وعجزت عن الصرف على حكومتها فى الهند، خاصة وقت الحروب، تزيد الضرائب على الهنود، وبالتالى عندما واجهت صعوبات مالية فى العشرينيات من القرن الماضى أصدرت قانونا يخول لها احتكار صناعة وبيع الملح، وتضمن القانون عقوبة بالسجن ستة أشهر على كل من يصنع ملحا، حتى اذا ذهب إلى البحر وجمع حجارة ملح.
ودفع ذلك المهاتما غاندى فى بداية الثلاثينيات إلى القيام بمسيرة الملح والتى كانت جزءا أساسيا من كفاحه السلمى الذى بدأه قبل ذلك بسنوات من أجل تحرير بلاده من الاستعمار البريطانى العسكرى والتبعية الاقتصادية، وكانت أهم ملامح العصيان المدنى فى 1930 رفض دفع ضريبة الملح التى فرضها البريطانيون، والسير نحو مصنع الملح فى داندى تأكيدا لرفض الهنود احتكار البريطانيين لصناعة الملح فى البلاد، وحق الهنود فى القيام بتصنيع الملح بأنفسهم، بل واستعادة السيطرة على كل الصناعات الوطنية التى تحتكرها بريطانيا.
وكتب غاندى الذى كان يبلغ 61 سنة فى ذلك الحين، فى جريدة «يانج انديان» (الهندى الشاب) الأسبوعية، التى كان أسسها قبل ذلك بسنة «ربما فكر البريطانيون فى ظلم كل هندى بفرض ضريبة على الماء، ثم وجدوا أن ذلك مستحيلا. ولهذا فرضوا ضريبة على الملح».
صرخة غاندى دفعت الهند لأن تكون أكبر منتج للملح فى العالم، وأصبحت تنتج نحو 18 مليون طن سنويا الآن، وهو ما دفع أحد خبراء الكيماويات الألمان فى مجال إنتاج الملح يقول فى مؤتمر الملح الأخير الذى عقد فى الهند فى فبراير الماضى الذى يعقد بصورة دورية كل عدة سنوات «إننى أنحنى تواضعا أمام الهنود لما وصلت إليه الهند فى مجال إنتاج الملح»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.