مدارس الأحد حركة تربوية نشأت بجهود عدد من العلمانيين، نهاية القرن التاسع عشر، بهدف نشر «تعاليم الكنيسة» القبطية بين أبنائها منذ طفولتهم. بدأت المدارس لمواجهة حركات التبشير الإنجليزية والفرنسية، لكنها تحولت عبر مراحل متعددة الحركة إلى وسيلة الكنيسة الأولى، وربما الوحيدة، لنشر خطابها الدينى بين الأقباط. مدارس الأحد موجودة حاليا فى كل كنائس مصر التى يتجاوز عددها 1750كنيسة، ويترأسها فى كل من الإبراشيات ال 48 أمينا عاما من رجال الدين، وآخر من العلمانيين، وتعتبر أسقفية الشباب هى التنظيم الأعلى لإدارة الحركة الآن. 1 الترنيمة الأولى (1900 1951 ) كنيستى كنيستى هى بيتى هى أمى هى سر فرح حياتى «ترنيمة رددتها مثل كل قبطى فى طفولته مادام قد حضر ولو لمرة واحدة أحد دروس الأحد». الشاب بيتر مجدى أحد خدام مدارس الأحد الآن، لم يكن يرحب فى طفولته بقضاء يوم الجمعة فى فصل دراسى، مثل بقية أيام الأسبوع فى المدرسة، لكن الأسباب التى ربطته بمدرسة الأحد كثيرة. «إصرار والدى على الذهاب إلى مدارس الأحد، والطابع التنافسى بين الأطفال داخل الكنيسة وتلك الصور الملونة الجميلة والكوبونات، التى تعطى كمكافآت تستبدل بعد فترة بهدية أو برواز كبير لصور القديسين»، كلها كانت جميعها دافعا أمام بيتر للذهاب لمدارس الأحد، التى تعقد دروسها الدينية ظهر كل جمعة. أحبها بيتر فى هذا الوقت، لكن لم أعد أحبها بنفس المقدار الآن عندما أصبحت خادما، مدرسا، لفصل المرحلة الثالثة الابتدائية فى كنيستى بشبرا الخيمة». «مدارس الأحد» لم تكن فى المرحلة الأولى من حياتها (1900 1951) مجرد اجتماع أسبوعى لبث التعليم الدينى، بل أداة لتشكيل عضوية الكنيسة ككل، والطريقة الأساسية لبث التعليم الدينى، كما يظهر فى خطاب مؤسسها حبيب جرجس فى بحثه «تاريخ مدارس الأحد» عندما قال: «الإصلاح الكنسى لا يقوم على الهجوم أو النقد اللاذع للقيادات الكنسية، وإنما بالعمل الجاد مع الأطفال والفتيان والشباب، إذ يصيرون أعضاء الكنيسة فى المستقبل، ومنهم من يتسلم القيادات الكنسية» وهو ما عرفه جيدا البابا كيرلس الخامس (1874 1927) عندما أعلن تأسيس حركة مدارس الأحد وأسندها فى 1900 للشماس حبيب جرجس، خريج المدرسة البطريركة الكبرى، التى أنشأها سلفه البابا كيرلس الرابع رجل الإصلاح. ولم يكن إنشاء هذه المدرسة بدون تضحيات فقد مات كيرلس الرابع مسموما عندما قاوم رجال الكنيسة المؤيدين للخديو والمختلفين معه فى الخطاب. بينما كانت حركات التبشير من الإنجيلين،الإنجليز، والكاثوليك الببابويين، الفرنسيين، على أشدها فى الكنيسة، كان لكيرلس فى حركة مدارس الأحد الملاذ لبناء جمهور كنسى شاب مؤمن بالخطاب الرسمى للكنيسة، خاصة أن خيوط إدراة شئون الكنيسة لم تكن جميعها، فى العصر شبه الليبرالى، فى يد البابا بل فى يد وجهاء الأقباط قيادات المجلس المللى، الذى أرغم كيرلس فى 31 أغسطس 1892، على الانعزال فى دير البراموس، وتوجه أعضاء المجلس المللى بصحبة قوة عسكرية لفتح أبواب البطريركية لإعلان الصلاة بدون البابا. وكان لهذا المناخ أوسع الأثر على سلطات البابا، الذى رأى فى إنشاء مدارس لمحو أمية الرهبان وإنشاء مدارس الأحد لمحو الأمية الدينية الحل فى فرض خطابه على الكنيسة كوسيلة أساسية لاستقرار الإدارة فى يد البطريرك وقد كان. لما كنت صغيرا ليا أربعين يوما بالتحديد خدنى أبونا من رجليا وغطسنى فى جرن غويط وكانت ليا المعمودية وكانت هى ميلاد جديد هكذا تمتد الترنيمة الأساس فى مدارس الأحد تلقن أطفال الأقباط قصتهم مع المسيحية، التى تبدأ بالتعميد. وهذا تحديدا كان هدف حبيب جرجس رائد حركة مدارس الأحد، الذى رشح نفسه، بالرغم من أنه لم يكن من الرهبان، لمنصب البطريرك عند وفاة كيرلس الخامس، وظهر أن الاختبار الأول لحركة «الإصلاح» (مدارس الأحد)، كان اختبارا مبكرا جدا، لرغبة الحركة فى السيطرة على الكنيسة فى المرحلة الأولى من حياتها. وقد جاءت نتائج هذه الرغبة محبطة، ومتوقعة، فبالرغم من أن حبيب جرجس العلمانى ورائد الحركة استطاع أن يترشح للبابوية، لكنه فشل فشلا زريعا، إذ حصل على صوتين فقط من مجمل 74 صوتا، تحكم فيها الحرس القديم المنتمى للقرن التاسع عشر، ليعلن بذلك تأجيل حلم مدارس الأحد بالسيطرة على الكنيسة إلى وقت غير معلوم، وتنتهى المرحلة الأولى من حياة حركة مدارس الأحد بوفاة مؤسسها عام 1951. المرحلة التى حاولت فيها حركة مدارس الأحد فرض نفسها كخطاب جديد فى الكنيسة وتمنت، عبر ترشيح مؤسسها للبطريكية، لو تسيطر على الكنيسة ككل. 2 الترنيمة الثانية (1951 1971) أعروس الفادى القبطية وضياء بلادى المصرية بمحبة قلبى النارية أهواكى يأ أرثوذكسية «أصبحت هذه ترنيمتى الجديدة عندما أصبحت فى الإعدادية. وقد أحببتها من أول يوم». يعترف بيتر أن معظم أطفال مدارس الأحد لا يعرفون بالتحديد، معنى عبارة «محبة قلبى النارية»، ولا مفهوم كلمة «أرثوذكسية»، لكن الكثير منهم أحبها. هذا السحر الخفى لترانيم الشماس المؤسس حبيب جرجس كانت أحد أسباب جذب مجموعة من الشباب رسمت خريطة الكنيسة الجديدة فى النصف الثانى من القرن العشرين، لعل أبرزهم كان الراحل القمص متى المسكين، والأنبا صامؤيل أسقف الخدمات الاجتماعية، والأنبا إغرغوريوس أسقف البحث العلمى، والأنبا شنودة البطريرك الحالى، وقد يكون أحدثهم عهدا الأنبا موسى أسقف الشباب. مع هذه المجموعة الشابة دخلت حركة مدارس الأحد مرحلة ثانية تم فيها النظر للحركة كهيئة مستقلة، وأحيانا معارضة، داخل الكنيسة. كما تحكى «السيرة التفصيلية لأبينا متى المسكين» وكما يتضح من خطابات الحركة عبر مجلتها للبطاركة المتعاقبين. وقد تكللت المرحلة الثانية بالكثير من النجاح بوصول البابا كيرلس السادس، البطريرك السابق، إلى سدة الكرسى البابوى «1959 1971»، وهو الأب الروحى لشباب الحركة الجدد. أم الشهداء جميلة أم الشرفاء نبيلة عبرت بحر الأزمان حفظت بدماها الحق قويم هكذا تمتد الترنيمة متحررة من كل قيود الخلاف، الذى كان بين الكنيسة ومدارس الأحد، لكن ترنيمة الأحد لم تتحرر بعد من روح مواجهة حركات التبشير البروتسانتينية والكاثوليكية التى كانت أحد أسباب نشأتها منذ أكثر من قرن. وهذا ما يؤكده بيتر مجدى، «عندما دخلت المرحلة التى يتم فيها إعداداى لأكون خادما، صُدمت. فكل ما تعلمته كان فى الثقافة الدينية وحسب خاصة ما يسمى اللاهوت المقارن، الذى يهتم بالرد على الطوائف الأخرى المختلفة مع كنيستى فى العقيدة، دون أن أتلقى أى تأهيل تربوى أو ثقافى». ومع وفاة البابا كيرلس فى مارس 1971 تدخل حركة مدارس الأحد المرحلة الثالثة مع وصول الأنبا شنودة أسقف التربية الكنسية (مدارس الأحد) إلى سدة الكرسى الباباوى، وهى مرحلة التزاوج الكامل فقد ذابت مدارس الأحد فى الكنيسة وذابت الكنيسة فيها. 3 الترتيلة الثالثة (1971 إلى الآن) يا سائح للقاء يسوع لا يهمك عطش ولا جوع طعامك خبز الحياة ويرويك ماء الينبوع بهذه الترتيلة تنتهى مراحل الطفولة فى مدارس الأحد، وتبدأ أولى خطوات بث الخطاب الرهبانى فى نفوس شباب الكنيسة مع بداية المرحلة الثانوية، ليصبح كتاب «بستان الرهبان» إلى جوار هذا النوع من التراتيل هو السائد والمحرك الرئيس للشباب المنتظم، أو الملتزم كنسيا، كما يؤكد الأنبا مكاريوس الأسقف العام، فى كتابه «لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟». الطريق قد يبدأ بقبول الخدمة فى مدرسة الأحد. «نحن نبدأ فى السابعة صباحا كل أسبوع ندور على منازل الأطفال نجمعهم، بصحبة مايكروباص أو بدون، إلى القداس الذى تعقبه مدارس الأحد»، كما يؤكد الشاب بيتر مجدى، الذى يتحفظ على «ثبات» طرق التلقين فى مدارس الأحد. «نحن لا نزال نستخدم الطرق ذاتها والترانيم والحكايات ذاتها، التى وضعت منذ مائة عام، بالرغم من أننا فى عصر السماوات المفتوحة، صحيح أن دروسا مثل تعليم الألحان القبطية لابد أن تستمر كما هى، فالألحان ثابتة لكن الكثير من التغيير لابد وأن يدخل على مناهج مدارس الأحد». يا رمال الصحرا اهتفى بأعلى صوت أحكى عن الاباء اللى غلبوا الموت إحكى عن عن أبو الرهبان أنطونيوس الوديع وإزاى غرس الاغصان وفجر فيكى ينابيع هكذا تمتد الترانيم التى تبث روح الرهبنة وحب رموزها فى نفوس شباب الأقباط فى المرحلة الثانوية وما يليها. ازداد تأثير حركة مدارس الأحد مع وصول الأنبا موسى أسقف الشباب إلى الأسقفية فى 1980 فقد توسعت خدمة التربية الكنسية كثيرا، حتى أصبح ممكنا القول إنه لا توجد كنيسة فى مصر أو المهجر إلا تنظم دروس الأحد، وتتبعها بالمسابقات التنافسية كمسابقة «الكأس لمين» الشهيرة، والتى شارك فيها العام الماضى، على سبيل المثال، نصف مليون شاب وفتاة من أنحاء مصر، كما أكد الأنبا موسى فى حديثه مع «الشروق». «الخدمات النوعية» تلك التى تهتم بشباب العمال أو العاطلين أو ذوى الاحتياجات الخاصة أو المسنين، وجميعها خدمات تطوعية، أصبحت عنصرا جاذبا جديدا تستغل به الكنيسة القدرات الخدمية للشباب، وفى الوقت ذاته تضمن بقاءهم داخل أسوارها. بيتر مجدى ما زال يعتبر مدرسة الأحد بيته، لا يتأخر عن واجبه الأسبوعى هناك، لكنه لا يتقدم خطوة أكثر من ذلك.