يرى روبرت فيسك في تحقيق له بصحيفة "الإندبندنت" البريطانية أن انتشار النكات والشائعات المتعلقة بالرئيس حسني مبارك وصحته، يعكس شعور المصريين بالحاجة الملحة للتغيير، وانتظارهم لوجه جديد، ليس كرها في مبارك وإنما حبا في التغيير السياسي نفسه الذي طال انتظاره، خاصة وأن "الحقبة المباركية" التي يعيشها المصريون لا هدف لها سوى تشتيت الناس وإغراقهم في المشاكل بهدف ترتيب أوراق الانتخابات المقبلة. يقول فيسك إن المصريين يحاولون الاستعداد لمرحلة ما بعد مبارك، التي قال عنها بنفسه إن "الله وحده يعلم" من سيخلفه في الرئاسة. وساعد على حيرة المصريين عدم وجود نائب لمبارك(82 سنة)، وتناثر الشائعات حول ترتيب الأمر لنجله الأصغر جمال ليحل من بعده رئيسا لمصر. المصري المطحون ويشبه فيسك وضع المصريين الآن بالعراقيين أثناء فرض عقوبات الأممالمتحدة عليهم، حيث كان الغرب يأمل أن يثور العراقيون للإطاحة بصدام، لكن الفارق أن المصريين مرهقون للغاية، هم مطحونون جدا لدرجة أنهم لا يستطيعون مواجهة النظام بشكل مباشر، وكل منهم يجاهد لحماية أهله من الفقر، أكثر مما يهتم بالإطاحة بالذي تسبب في كل هذا البؤس. ويقول فيسك إنه مثلما كانت حكومات العصر الفيكتوري في إنجلترا تخشى ثورة الأحياء الفقيرة في لندن ومانشستر وليفربول، فإن أجهزة الأمن المصرية تخشى أن تتحول أحياء الفقراء إلى بؤر لمعارضة النظام والثورة، لذلك فهي تخصها بتواجد مكثف وعناية خاصة، وتغرق هذه الأحياء في أمواج الدين أو أمواج القمامة. من ناحية أخرى، وصف فيسك لافتات تأييد جمال مبارك رئيسا لمصر بأنها "حركة يائسة تستهدف جهل الأميين، وحاجة الفقراء"، يتزعمها معارض تائب لصالح الحزب الوطني الحاكم، فاقد الشعبية. لماذا يتوق المصريون للتغيير؟ ويجيب فيسك عن سؤال لماذا يريد المصريون التغيير قائلا إن القمع بسبب قانون الطوارئ والفساد والفقر والركود السياسي أهم الأسباب، فضلا عن انتهاك حقوق الإنسان وحرية الرأي واستفحال سلطات الداخلية. والملاحظ لشئون مصر، سيجد أن معدلات الفقر تضاعفت بشكل غير مسبوق، فالأغنياء يزدادون غنى ويعيشون في تجمعات منفصلة ومنعزلة عن المدينة، بينما تعج الفنادق بالأجانب والعرب ورجال الأعمال المصريين الأثرياء فقط. أما الفقراء في مصر، فلهم الدين الذي تريده لهم الحكومة، والمنازل البائسة إن وجدوها، ومسلسلات التلفزيون العقيمة. ويبدو أن مصر كلها تتم إدارتها كما تدير الحكومة التلفزيون المصري؛ بشكل ديكتاتوري، وهامش محسوب من الحرية، وتصريحات راكدة لا تتغير. فعندما تصف مصر بالديكتاتورية، ستظهر التصريحات الحكومية قائلة إن تطبيق الديمقراطية يأخذ وقتا - كأن 29 عاما من الحكم الديكتاتوري لا تكفي- لكن الحكومة من جهة أخرى ستتساهل بشكل ما مع جماعة الإخوان المسلمين عندما يقررون دخول الانتخابات. ورغم أنه تم إطلاق سراح أكثر من 500 معتقل سياسي، بعد ادعاءات النظام أن تطبيق قانون الطوارئ سيقتصر على المخدرات والإرهاب فقط، فإن أكثر من 10 آلاف معتقل آخرين مازالوا قابعين في معتقلات مصر لأسباب سياسية بحتة لا علاقة لها بالمخدرات أو الإرهاب. ويؤكد فيسك على أن الأزمات السياسية والاجتماعية، وتلك التي تظهر على شكل منع النقاب أو زيادة الأسعار أو خلط التعليم بالعلمانية أو زيادة جرعة الدين فيه تعتبر أسلوبا يميز "الحقبة المباركية" بجدارة، ولا هدف لها سوى تشتيت الناس وإغراقهم في المشاكل بهدف ترتيب أوراق الانتخابات المقبلة. البرادعي ورغم محاولات الدكتور محمد البرادعي وحركات المعارضة أمثال "كفاية" وغيرها، فإن مبارك يبدو غير مباليا بكل ذلك، إذ يسخر فيسك من البرادعي الذي يحاول معارضة مبارك فقط لا غير، بشكل مبهم، ويلتف حوله الشباب وأبناء الطبقة المتوسطة. فهو لن يصمد، كما أنه أعلن مقاطعته للانتخابات الرئاسية ما لم تكن نزيهة وديمقراطية، الأمر الذي يشبه الطلب من النيل العودة للوراء! واختتم فيسك تحقيقه قائلا إن المصريين يحفظون تاريخهم جيدا، فجمال عبد الناصر كان بطلا لكنه ألحق بهم الهزيمة، وأنور السادات كان بطل الحرب والسلام لكنه ألحق بهم الذل، أما مبارك.. فسنعرف ما فعله بالمصريين فقط بعد انتهاء رئاسته.