رحم الله الإمام محمد الغزالى السقا حيث التفت إلى هؤلاء الذين حسنت نواياهم وأخطأ فقههم وساءت دعوتهم فهم يعرضون الدين الذى ارتضاه الله لعباده إطارا دينيا وحضاريا.. يقدمون هذا الدين على أنه مجموعة من العادات البدوية التى تلائم البيئة الصحراوية قليلة الموارد محدودة الظروف والإمكانات، وليس الدين الصحيح أن تفرض حكما شرعيا واجبا على جميع المكلفين دون مراعاة لتغير الظروف، فرسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعثه ربه فى ختم طابور طويل من النبوات الهادية يبلغ وحى الله الخاتم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربه فإذا قرأت صحيح الحديث النبوى يوصى الناس باستعمال السواك بعد كل طعام وعند كل صلاة فاعلم أنه (صلى الله عليه وسلم) قصد تهذيب الأمة وتعليمها عادات حسنة تهدف إلى دوام تنظيف الفم تطييبا للرائحة، والسواك كما يعلم الكافة غير متاح إلا فى البيئة الحارة فحسب، فماذا يفعل أهل البلاد الأخرى؟ هل يستوردون السواك وتصبح نظافتهم رهنا بإرادات سياسية بين البلاد، لا شك أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قصد النظافة والتطيب دون قصد إلى الوسيلة، وإن قصد الوسيلة فهو (صلى الله عليه وسلم) يقصد الوسائل المتاحة فى كل زمان وكل مكان فضلا عن أهمية توافرها رخيصة لا ترهق أحدا بل لا تشذ عن الذوق والعرف الإنسانى العام. وإذا قرأت صحيح حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المشهور بحديث الذبابة، فاعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد أطلعه ربه على ما أثبته العلم الحديث مما خلق الله فى جناحى الذبابة أن أحدهما يحمل الداء والآخر يحمل الدواء، فلما علم (صلى الله عليه وسلم) ذلك من ربه سارع (صلى الله عليه وسلم) فأبلغ هؤلاء الذين لا يجدون إلا القليل من الزاد ليخفف عنهم ما يواجهونه من مشقة تدبير طعام غير الذى سقط الذباب فيه فأخبر هؤلاء ومن فى مثل ظروفهم بقوله (صلى الله عليه وسلم) (إذا سقط الذباب فى إناء أحدكم فليغمسه ثم ليرفعه، فإن فى أحد جناحيه داء وفى الآخر دواء). هذا هو كل ما فى الحديث. فلم يأمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بضرورة فعل ذلك ولا أهميته، ولم يشر إلى بركة فى ذلك أو ثواب. ومما يجب الإحاطة به أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كثيرا ما كان يجهد نفسه فى حض الناس على فضائل الأعمال رحمة بالناس ومن ذلك ما صح عن رسول الله أنه وعد من شيع جنازة حتى صلى عليها فله قيراط فى الجنة، ومن شيع الجنازة حتى تدفن فله قيراطان، وهذا خبر صحيح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. وهو سنة صحيحة ولكن عدم التفقه بلغ بالناس مبلغا يخرج السنة النبوية عن مكانتها إذ نرى من تصرفات الناس عجبا، فالبعض يخاطب الغائب قبل الحاضر يحشدهم لشهود الجنازة، والبعض يترك عمله الضرورى ويذهب لتشييع الجنازة، وآخرون يتطوعون لإقامة الحجة على من بلغه الخبر ولم يحضر، وآخرون يعاتبون من لم يحضر بل قد يخاصمه ويقاطعه. وصحيح السنة النبوية لا يخرج عن إعلام الحاضر القادر على المشاركة إما للصلاة أو للصلاة والتشييع، ومن لم يدرك فأمامه ثلاثة أيام يدبر فيها وقتا مناسبا لأداء العزاء مواساة لأهل المتوفى، فينبغى للمسلمين أن يتفقهوا السنة النبوية وأن يعرفوا أبعادها.