في خضم الفتاوى التي تنهال على المسلمين كل يوم، تحرم وتحلل، ومنها الغريب كإرضاع الكبير لمنع الاختلاط، أصدر ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز أمرا يقضي بألا يقوم أي شخص بالإفتاء في المملكة، إلا بعد أن يوافق عليه الملك أولا بنفسه، في محاولة منه لإضفاء بعض النظام والمنطقية على الفتاوى التي كادت أن تصبح تجارة رائجة. وعلى الرغم من أن الكثيرين رحبوا بالأمر الملكي، واعتبروه يحمي الشريعة الإسلامية من الدخلاء عليها، فإن الأمر لا يختص إلا بالفتاوى العامة، وليست تلك التي يطلقها بعض الأفراد بشكل خاص طبقا لتوجهاتهم الشخصية. ويرى بريان ويتيكر في صحيفة "الجارديان" البريطانية أن قرار الملك الإجباري يعاقب من يفتي بغير موافقة، لكن في عصر الإعلام المستقل والفضائيات والانترنت، أصبح من الصعب جدا ملاحقة كل من يصدر فتوى أو معاقبته، ناهيك عن أن معظم المفتين كبار السن، ويتمتعون بقدر من الشعبية بين الأوساط الدنيا، وهو ما سيجعل من مهمة عقابهم شبه مستحيلة. المشكلة الثانية التي يراها ويتيكر هو أن قرار الملك ملزم، وفي ذلك شبه تقييد لحرية الرأي. إذ ما الذي يمنع أن يعبر أي عالم مسلم عن رأيه في فتوى، ولماذا يجب أن تمر الفتاوى أولا على الملك ومن ثم يوافق عليها. ويقارن الكاتب بين هذا وبين حرية الصحافة مثلا، فمن المؤكد أن الأمر سيكون شديد الصعوبة إذا قرر الملك أن يقرأ كل مقالات الرأي في الصحف قبل نشرها! من ناحية أخرى، هناك بعض الآراء التي تقول إن الفتاوى مجهولة المصدر غالبيتها متناقضة، بل إن بعض الفتاوى المعروفة تسبب بلبلة لعقول المسلمين، وبالتالي تهدد استقرار المجتمعات المسلمة، وتحلل وتحرم دون أدلة ثابتة ومعروفة، ربما لهذا جاء القرار إلزاميا ومعاقبا لمن يخالفه. ويرفض ويتيكر هذا المنطق، قائلا إن هذا يغلق الباب أمام النقاش الديني الجاد، بينما هذا هو الطريق الوحيد لظهور الأفكار الجديدة والمعاصرة، وهي أساسية للإسلام ولفهمه، أو لأي دين آخر لكي يستوعب كل المواقف المختلفة. وانتقد الكاتب أيضا الفكر النمطي الذي يفرط في حماية المسلمين، وكأنهم لا يستطيعوا أن يتبينوا بأنفسهم الصواب والخطأ، ويجب دائما حمايتهم من التفكير خشية الوقوع في الحيرة والبلبلة، ومن جديد ليس هذا ما يدعو الإسلام إليه. على الجانب الآخر، أكد ويتيكر أن هذه "الفتاوى الغريبة المجنونة" ستساعد الناس أن يصبحوا واعين أكثر، حيث ينبغي عليهم ألا يصدقوا كل ما يقرءوه أو يشاهدوه، كما أن النقاش والتفكير فيها ربما يساعدهم على أن يعرفوا أن الأمور ليست بلون واحد، وأنه لا يوجد تفسيرا واحدا هو الصواب فقط، وإنما تختلف الرؤى، ومن ثم يمكنهم بعدها أن يميزوا بين الغث والسمين، بين ما له قيمة والتافه.