تخيل أنك تستطيع تعلم قيادة الطائرات بمجرد أن تقوم بتنزيل برنامج لتعليم قيادة الطائرات إلى عقلك مباشرة، أو أن تستطيع عيناك رؤية الأشياء عبر مسافات طويلة جدا، ومصحوبة بمعلومات متعلقة بها أمام عينيك كجزء من المشهد الذى تراه، هذه التخيلات التى تنتمى إلى أفلام الخيال العلمى مثل «ذا ماتريكس» The Matrix و«ترميناتور» Terminator قد لا تنتمى إلى الخيال فى المستقبل، والفضل فى ذلك سوف يرجع إلى التقدم المذهل الذى يحققه علم زراعة الأجهزة الإلكترونية داخل جسم الإنسان. محاكاة الوظائف الطبيعية حاليا تقوم فرق كبيرة من الأطباء والجراحين والباحثين ومهندسى الكمبيوتر بصناعة أجهزة إلكترونية معقدة تتم زراعتها بداخل جسم الإنسان لتقوم بمحاكاة الوظائف المختلفة التى تقوم بها الأعضاء الطبيعية، وتعمل هذه الأجهزة حاليا لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من إعاقات معينة أو أمراض خاصة، وقد يتم تطوير هذه الأجهزة فى المستقبل القريب لتعمل على جعل الأعمى يبصر مرة أخرى، أو الأصم يسمع ثانية، وإن كانت الجودة التى توفرها تلك الأجهزة الإلكترونية البديلة حاليا لا تقترب من نصف جودة الأعضاء الطبيعية حتى. ولكن الأجهزة الإلكترونية التى تتم زراعتها داخل جسم الإنسان تزداد كفاءة وسرعة وصغرا فى كل يوم، ويعتقد العلماء أن هذه الأجهزة من الممكن استخدامها لمحاكاة الوظائف الطبيعية لأعضاء الإنسان السليم فى غضون من خمسة إلى عشرة أعوام، وتكفى نظرة بسيطة على مجال هذه الأجهزة الإلكترونية حاليا والأبحاث التى تجرى عليها للتنبؤ بما سوف يحدث فى المستقبل. الرؤية عن طريق جهاز الكمبيوتر منذ بداية عقد الثمانينيات وعدد من العلماء يعملون على تطوير جهاز إلكترونى تتم زراعته فى العين ليستطيع مساعدة المكفوفين على الرؤية مرة أخرى، الجهاز الإلكترونى الذى يأمل العلماء فى أن يعمل كبديل للبصر يتكون من 200 رقاقة بالغة الدقة، يتم غرسه بداخل العين ويتصل لاسلكيا بجهاز كمبيوتر بجانب جسم الإنسان يقوم بمعالجة المعلومات التى تصل إليه من الجهاز، ويتوقع العلماء أن تبدأ التجارب الأولى على زراعة هذا الجهاز على المرضى فى غضون نحو ثلاث سنوات. كما يتخيل العلماء الأمر، فإن المريض الذى سوف تتم زراعة الجهاز السابق بداخله سوف يكون مضطرا إلى ارتداء نظارة خاصة متصلة بكاميرا، ويحمل فى يده أو جيبه جهاز كمبيوتر محمولا أو لوحيا صغيرا يقوم بمعالجة المعلومات، ثم يقوم بإرسالها مرة أخرى بعد المعالجة إلى الجهاز المزروع بداخل العين. والذى يقوم بدوره بنقل البيانات المعالجة إلى المخ، وسوف يقرأ المخ فى تلك الحالة مئات الوحدات من البيانات المعالجة، بدلا من ملايين الوحدات من البيانات التى يعالجها العقل فى النظر السليم، وسوف يحتاج المرضى أيضا إلى تدريب المخ على النمط الجديد من الرؤية. زرقاء اليمامة بشكل إلكترونى ولكن مع التقدم الذى يشهده هذا المجال بشكل مستمر، فمن الممكن ألا يصبح فى الإمكان استعادة البصر بشكل كامل وبجودة كبيرة للغاية فقط فى المستقبل، وإنما من الممكن أيضا أن تصبح الأجهزة المزروعة قيمة مضافة إلى قيمة النظر الأصلى التى وهبها لنا الرحمن، وتستطيع تلك الأجهزة أن تضيف العديد من المهارات والقدرات الخارقة إلى الإنسان. وإن كانت تلك التقنية لم تتطور بعد حتى تصل إلى الحد الذى قد يجرب فيه العلماء أن يزرعوا هذه الأجهزة بداخل إنسان سليم البصر تماما، مع المخاطر المحدقة بفشل التجربة والتى سينتج عنها مضاعفات خطيرة للغاية قد تؤدى إلى فقد بصر الإنسان موضع التجربة. وفى نفس المجال تجرى تجربة أخرى تعتمد على جهاز إلكترونى تتم زراعته داخل عين المريض، ونظارة شمس يرتديها المريض متصلة بكاميرا، مع معالج فيديو وبطاريات يتم ارتداؤها على الحزام، ويحتوى الجهاز المزروع على 60 رقاقة دقيقة، وهو الأمر الذى يكفل رؤية أفضل فى الظلام الشديد من الرؤية التى سوف تحصل عليها العين المجردة، فى حين سيحتوى الجيل الجديد من الرقائق الخاصة بهذه التجربة على 240 رقاقة بالغة الدقة، ويأمل العلماء فى الوصول فى المستقبل إلى 1000 رقاقة بالغة الدقة يتم وضعها بداخل الجهاز. كيف يعمل المخ؟ وتعتبر طريقة عمل المخ من أهم المباحث التى يجرى العمل عليها بداخل تقنية الأجهزة الإلكترونية المزروعة فى جسم الإنسان، وكيفية استقباله للمعلومات والبيانات الواردة إليه وعملية تجسيدها بعد ذلك، وقد استطاع العلماء حديثا أن يقوموا بتطوير جهاز كمبيوتر بواجهة مستخدم تحاكى طريقة عمل المخ البشرى. وقد تم تصميم الجهاز لإعادة القدرة على التواصل لفظيا للمصابين بخلل عقلى يمنعهم من الكلام، وقد تمت تجربة الجهاز الجديد بالتعاون مع جهاز إلكترونى مزروع فى المخ على مريض فى عام 2008 ليصبح أول رجل فى العالم يستطيع تحويل أفكاره إلى كلام مسموع، ولو بصوت آلى رتيب من الكمبيوتر. ومن المتوقع أن تظهر العديد من النماذج المتطورة للتواصل ما بين المخ البشرى وأجهزة الكمبيوتر خلال العشرة أعوام القادمة، ولكن التحدى كما يرى العلماء سيكون فى كيفية تحميل عدد من البيانات والمعلومات الجديدة من أجهزة الكمبيوتر إلى العقل البشرى وليس العكس، فحتى الآن تعتبر عملية التعلم الفورى للعقل إذا ما تم إدخال عدد من البيانات الجديدة عليه غير واقعية وغير نظرية أيضا، نظرا لأنه وفقا لكل الدراسات والأبحاث التى أجريت فى هذا الشأن فالعقل البشرى يحتاج إلى وقت معين لتعلم أشياء جديدة واكتساب الخبرات. مقاومة العقل للأجهزة المزروعة واحدة من أهم التحديات التى تواجه هذا الفرع من العلوم حاليا هى كيفية تصميم تلك الأجهزة الإلكترونية الصغيرة التى يتم زرعها داخل جسم الإنسان، وكيفية تقبل الجسم البشرى لها أيضا، فحتى الآن يتطلب صنع الأجهزة المشابهة أن يكون الجهاز فى سُمك معين كبير نسبيا بالنسبة للمخ أو الأعضاء البشرية. كما أن المخ البشرى يجد صعوبة ومشقة فى التعامل مع هذه الأجهزة كشىء طبيعى بداخل جسم الإنسان وليس كجسم دخيل، ويحتاج إلى وقت طويل نسبيا للتكيف والتأقلم مع الجسم الجديد المتطفل على بنية الإنسان من وجهة نظره. وحاليا يعمل العلماء على صناعة هذه الأجهزة الدقيقة على رقائق قليلة السمك من البلاستيك أو المطاط، ويأملون فى أن يكون هذا الوسيط الجديد الأقل سمكا أقل صعوبة على المخ فى عملية تقبله والتفاعل معه، كما يجرى العلماء عددا من الأبحاث لاستبدال وسيط المطاط أو البلاستيك بالحرير الطبيعى، والذى سيكون أقل سمكا وأسهل على المخ فى تقبله. رقابة صارمة على المعامل والمختبرات كما أن أغلب المعامل الحكومية والتجارية لا تهتم حاليا بإجراء الأبحاث على التحسينات التى من الممكن أن تضيفها الأجهزة الإلكترونية المزروعة فى الإنسان على الأداء البشرى، نظرا لأن هذه المعامل تتلقى الدعم والتمويل بشكل يخضع لرقابة صارمة، وبعد الموافقة على الهدف من هذا الدعم المطلوب. ولا تخاطر تلك المعامل بفقدان مصادر تمويلها الثابتة من أجل الأبحاث المستقبلية، وإن كان العديد من العلماء يؤمنون بشدة أن الأجهزة الإلكترونية التى يتم زرعها داخل الإنسان من الممكن تحسينها إلى الدرجة التى تمكنها من القيام بالوظائف المتوسطة أو الأعلى من المتوسطة أيضا التى تقوم بها الأطراف والأعضاء البشرية. العالم الأمريكى تود هوفمان كانت له تجربة سابقة منذ عدة سنوات فى هذا المجال وإن كانت بدائية بعض الشىء، عندما قام بزراعة مغناطيس بالغ الصغر داخل إصبعه الثانى فى يده اليسرى، وحاليا يشعر هوفمان بذبذبة فى إصبعه كلما دخل فى المجال الكهرومغناطيسى لأحد الأجهزة الإلكترونية. ويتصور هوفمان أن هذه التجربة قد تكون هى المفتاح الأول لزراعة تليفون محمول داخل جلد الإنسان لا يسبب أى إزعاج عند استقباله للمكالمات، وإن كان هوفمان يرى أن العديد من الأشخاص الذين يفكرون فى التحسينات الممكنة على الأداء البشرى عن طريق الأجهزة الإلكترونية المزروعة لا يفكرون فى المخاطر التى تتضمنها هذه العملية أيضا، ويقول إنه عندما أجرى تجربته اختار أقل الأصابع استخداما له حتى إذا ما فشلت التجربة ولم يستطع تحريك الإصبع بعدها لا يكون خسر الكثير. 100 مليون دولار لتقنية معلومات الأبحاث الطبية وفى سياق متصل أعلنت شركة «آى. بى. إم» IBM الأمريكية العملاقة أنها سوف تستثمر 100 مليون دولار فى مجال الأبحاث الطبية المتعلقة بالأجهزة الإلكترونية الحديثة، المبلغ الذى أعلنت عنه الشركة سوف تقوم باستثماره على مدى ثلاث سنوات، وسوف يذهب جزء منه لاختيار وتوظيف الأطباء المعالجين من الكفاءات الذين يستطيعون تحسين الطرق الحديثة للعلاج، كما تنوى الشركة توظيف أكثر من 100 عالم من علمائها التقنيين لمساعدة الأطباء على تحسين الطرق التقنية الحديثة فى العلاج، وتأمل الشركة أن تساعد تقنيات المعلومات على تحسين عملية التشخيص الطبى والعلاج للمرضى، بالإضافة إلى تحسين تقنية العملية الطبية بشكل عام. وكانت آى. بى. إى قد تعاقدت بداية الشهر الحالى مع معمل «روش» Roche الطبى لإنتاج قارئ للجينوم البشرى رخيص السعر، كما يعمل أحد معامل أبحاث الشركة حاليا على إنتاج ما يسميه ب«معمل على رقاقة» A Lab on a Chip، وهو عبارة عن جهاز إلكترونى صغير للغاية على شكل رقاقة، يستطيع سحب نقاط معدودة من الدم. وتحليلها بشكل كامل للتعرف على جميع الأمراض والفيروسات التى يعانى منها الفرد، ومع بدء الإنتاج التجارى لجهاز مثل هذا فسوف يوفر الكثير من الوقت والجهد المستغرق فى عملية سحب الدم من المرضى وإرساله إلى المختبر لتحليله.