قبل أربع وسبعين عاما، كان فرانكلين د.روزفلت، أحد أبطال باراك أوباما، أقرب من أى رئيس أمريكى آخر إلى إعلان الحرب على أصحاب الشركات فى أمريكا. إذ قال فرانكلين روزفلت متوعدا «نعلم الآن أن سيطرة الأموال المنظمة لا تقل خطورة عن سيطرة الرعاع المنظمين. إنهم يجمعون على كراهيتى وأنا أرحب بكراهيتهم». والأمور ليست على هذا القدر من السوء تماما بالنسبة للسيد أوباما ولا يحتمل أن تصبح كذلك فى أى وقت. وفى الحقيقة، ربما تكون العلاقات أقل سوءا مما صوره البعض فى الفترة الأخيرة. ولكن بالنسبة إلى رئيس نجح فى الوصول إلى السلطة، قبل 18 شهرا فقط، بمساعدة أكبر حملة جمع تبرعات على الإطلاق، متضمنة رقما قياسيا من تبرعات قاطنى وول ستريت المنتمين إلى «الأموال المنظمة»، فالتوتر مازال واضحا. ولم ينحصر الاستياء فى قطاع المال، الذى بدأ يحول ولاءه إلى الحزب الجمهورى حيث وعد الأخير بإلغاء مشروع قانون إعادة التنظيم المالى، المقرر أن يصدق أوباما الأسبوع المقبل على إصداره. فمن طَرق المعادن إلى الاتصالات السلكية واللاسلكية، انضم قادة الشركات إلى جوقة من يعتقدون أن الرئيس أوباما «معاد للشركات». دخل الرئيس فى مواجهة مع وول ستريت وشركات التأمين الصحى وصناعة النفط. متحدثا عن «جشع المؤسسات» واتهمته الغرفة التجارية الأمريكية بأنه «يشوه صورة القطاع الخاص». وفى الأسابيع القليلة الماضية، انضم إلى الغرفة التجارية أطراف أقل تحزبا، مثل المائدة المستديرة للأعمال، التى تمثل كبريات الشركات. وحتى الذين اختاروا الانضمام إلى مبادرات البيت الأبيض مثل جيم ماكنيرنى المدير التنفيذى لشركة بوينج للطائرات، والمتزعم الدعوة إلى مضاعفة صادرات الولاياتالمتحدة خلال خمس سنوات أعلنوا انزعاجهم على الملأ. إذ قال متحدثا إلى كثيرين من القطاع الخاص، أن السيد أوباما يكاد لا يفعل شيئا من أجل إحياء التعاملات التجارية مع كوريا الجنوبية وكولومبيا وبنما، ناهيك عن جولة الدوحة من محادثات التجارة العالمية التى توقفت. يمكن التفرقة بين ثلاث شكاوى ضد السيد أوباما. الأولى، إنه يحمل القطاع الخاص، المتضرر بالفعل نتيجة للمناخ، بضوابط أكثر مما ينبغى. ويوجد بين أكثرها أهمية مشروعان من مشاريع القوانين المعقدة واسعة النطاق حول الصحة وأسواق رأس المال، فيقول قادة الشركات إن الإصلاحات الخاصة بقطاع الصحة ووول ستريت خلقت التباسا شديدا، وسوف يتولد عنها مئات من القواعد التنظيمية الفيدرالية، ستؤثر على طريقة عمل الشركات. كما يعتبرون أن هذا التباس يفسر وجود رقم قياسى قدره 1800 مليار دولار فى صورة نقود غير مستثمرة، فى خزائن الشركات الأمريكية. وثانيا؛ هم يشعرون بالقلق بشأن ارتفاع الضرائب. فبالإضافة إلى الرسوم التى تفرضها مشاريع قوانين الإصلاح الكبير، يشيرون إلى وجود مخططات لإلغاء ما أقره جورج بوش من تخفيضات ضريبية لمن تزيد مكاسبهم عن مائتى ألف دولار سنويا، وهو ما سوف يدفع العائد من الضرائب إلى مستويات لم يشهد لها مثيل منذ سنوات كلينتون الأولى. هناك غضب أيضا بسبب خطوات وقف أحكام تأجيل دفع الضرائب على الأرباح الناتجة عن أنشطة فى الخارج، وهو ما يخفض فواتير الضرائب الخاصة بالشركات متعددة الجنسية فى الولاياتالمتحدة، رغم أن جميع الاقتصادات المتقدمة تقريبا تحتفظ بنظام إقليمى تفرض فيه ضرائب الشركات على إيرادات نشاطها المحلى فقط. وأخيرا، تشكو مجموعات رجال الأعمال من افتقار الإدارة إلى شخص يتمتع بخلفية فى مجال الأعمال. فبالإضافة إلى فاليرى جاريت، الصديق الحميم والاستشارى الذى رأس فى يوم ما شركة عقارات فى شيكاجو، يعتمد أوباما بشدة على وزير الخزانة تيم جيثنر، الذى عمل دائما فى الجهاز الحكومى؛ وعلى لورانس سومرز، الذى كان يعمل عادة إما أكاديميا أو موظفا عاما، فيما عدا فترة قضائه فترة قصيرة فى تقديم الاستشارات إلى أحد صناديق التحوط. ويقول العديد من خبراء الاقتصاد إن الشركات تحجم عن الاستثمارات بسبب نقص الطلب وليست الالتباس الذى يحيط بالقواعد التنظيمية. ويشير بروفيسور جيفرى سونينفيلد من جامعة ييل أيضا إلى تناقض مجتمع الشركات الذى يدين نشاط الإدارة المفرط بينما يطلب منها أن تهب لإنقاذه كما فعل السيد أوباما من خلال الحوافز الاقتصادية وصناديق إنقاذ البنوك فى العام الماضى. وقدمت الحكومة أيضا دعما طويل الأجل لقطاعات مثل المشروعات الزراعية والدفاع والطيران. المفارقة، أن كبار المسئولين لدى أوباما يتفقون مع معظم توصياته. وفى لقاء مع الفاينانشال تايمز، اعترف السيد سيدينبرج أن «الخلافات الكبيرة فى السياسات» لا توقف عمل مشروعات الأعمال مع وجود البيت الأبيض وراء الكواليس. حتى إنه امتدح الطريقة التى عولجت بها العملية المعقدة المتعلقة بصياغة القواعد التنظيمية للرعاية الصحية، التى تلت إقرار مشروع القانون فى مارس. وقال «دعنى أقول بصراحة مطلقة: لسنا فى حرب مع إدارة أوباما. وفى الواقع، من خلال عملى 15 عاما مديرا تنفيذيا لشركة فيريزون، أجد العهد الحالى من أكثر العهود التى مرت بى من حيث انفتاح البيت الأبيض وسهولة الوصول إليه. إننا قادرون على العمل معا على نحو جيد، كما شهدنا حاليا بالنسبة إلى الرعاية الصحية. ونود لو نشهد مستوى التعاون نفسه فيما يتعلق بمشروع قانون أسواق رأس المال والإصلاح الضريبى والمجالات الأخرى». ويشير المدافعون عن البيت الأبيض أيضا، إلى انتصار السيد أوباما الكبير عام 2008 بعد الحملة التى وعد فيها بكبح تجاوزات الشركات فى سنوات بوش. وحتى النقاد سلموا أن ولايته تضمنت كبحا لجماح وول ستريت. وقال مستشار من خارج نشاط الشركات «تقول الشركات تقول إن أوباما لا يفهم بالتجارة. ولكن هل تفهم الشركات فى الديمقراطية؟ هل تفهم الدور الذى لعبته فى إحداث هذا الانهيار؟». وتطرح السيدة جاريت التى يبدو أنها قضت نصف عمرها تتحدث تليفونيا إلى المديرين التنفيذيين الموضوع بصورة أكثر دبلوماسية. فتقول فى مقابلة مع جريدة الفاينانشال تايمز «لدينا هدفان. الأول رعاية مناخ يتيح للشركات معاودة النشاط الاستثمارى. والثانى، حماية الشعب الأمريكى والتأكد من تغيير القواعد التنظيمية بحيث لا يتكرر مرة أخرى الانهيار المالى الذى وقع عام 2008». وحيث تقترب البطالة من تجاوز نسبة التسعة فى المائة، ينتاب الجمهور مزاجا معتما ويبدو وضع الديمقراطيين ضعيفا بالفعل بالنسبة لانتخابات التمثيل النصفى فى نوفمبر. وليست فى حال أسعد. ولكن إذا كان هناك من يتمتع بالفوز بين الشعب الأمريكى، سوف يكون القطاع الخاص. فقد ارتفعت الأرباح هذا العام بنسبة 36%، كما زادت حصتها فى الاقتصاد عن أى مرحلة سابقة منذ الحرب العالمية الثانية. وقالت السيدة جاريت «هناك دلائل إيجابية فى الاقتصاد ولهذا حققت شركات كثيرة أرباحا قوية. غير أن البطالة مازالت مرتفعة للغاية. ومازال أمامنا طريق طويل حتى نشهد ترجعها». وعلى عكس فرانكلين روزفلت، لا يواجه أوباما كراهية معظم أصحاب الشركات. ولكن حزبه يجلب على نفسه استخفاف أكبر عدد من الأمريكيين العاديين مقارنة بأى وقت مضى. وعلى الرئيس أن يولى هؤلاء وليس الغرفة التجارية الأمريكية اهتماما قويًا فى الشهور العصيبة المقبلة.