يقع عدد من رجال السياسة وعلماء الدين فى العالم فى خطأ كبير عندما يصورون الأديان من خلال مفاهيم سطحية بسيطة وسط حلقة من التنافس بهدف السيطرة على عقول الناس بعيداً عن الحقيقة والواقع.. فيروجون للخرافات والأوهام والأحلام متناسين أن جوهر الدين هو المحرك نحو النهضة والتنمية والإصلاح فى كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية. ففى يوم 13 أغسطس الماضى أعلن أحد رجال الدين المسيحى القس «أرتير هارفيه» (71 عاما) فى مدينة «ليل» الفرنسية، أمام كاميرات التليفزيون أنه يصلى من أجل أن يصاب الرئيس الفرنسى «نيكولا ساركوزى» بأزمة قلبية، جاء ذلك اعتراضا على قرار الرئيس الفرنسى بترحيل الغجر الروم عن فرنسا، حيث قال:«شاهدت فى مدينة (ليل) عمليات ترحيل الرجال والنساء والأطفال.. فمنذ ثلاثة شهور تمارس الضغوط والملاحقة على هذه الفئة من الناس وكأنهم دون البشر.. لذا فإننى أطالب المجتمع الإنسانى مساندتهم والحفاظ على كرامتهم بما يكفله لهم القانون الفرنسى من حقوق».. فحتى إن كان غرض القس نبيلاً إلا أن الكاردينال «فيليب برباران» امتنع عن التعليق إزاء هذه التصريحات التى لا تتوافق وأية تعاليم دينية، وأمام انتقاد وسائل الإعلام الفرنسية لمسألة توظيف الدين فى قضايا اجتماعية وقانونية، أعلن القس «هارفيه» اعتذاره ولكنه قال: «لم أتمن الموت للرئيس الفرنسى (ساركوزى).. إنما أردت فقط أن يتحدث (الله) إلى قلبه.. أى أن يضرب قلبه»، وعلى جانب آخر فى الولاياتالمتحدةالأمريكية جدل واسع خلال الآونة الأخيرة حول إذا كان الرئيس الأمريكى «باراك أوباما» مسلما أم مسيحيا؟ تماما وكأن المشكلات الدولية اختزلت فى لحظة، ولم يعد يبقى إلا عقيدة رؤساء الدول، ونذكر هنا هذه الحملة التى اندلعت بعد أن أعلن «أوباما» إمكانية إقامة مسجد فى محيط «منهاتن» على مقربة من أحداث الحادى عشر من سبتمبر كرمز للتسامح حيث قدم مركز «بيو للأبحاث» إحصائية، أوضحت أن 18% من الأمريكيين يعتقدون أن «أوباما» مسلم، أى تلك النسبة التى ارتفعت عما كانت فى عام 2009.. بينما هناك 34% من الأمريكيين يظنون أنه مسيحى، تلك النسبة التى كانت فى العام الماضى حوالى 48%، وهناك حوالى 48% من الأمريكيين لا يعرفون ماهية ديانة الرئيس «أوباما»، فما جدوى كل هذه الإشاعات، خاصة بعد أن نشرت جريدة «التايمز» إحصاء آخر يقول إن حوالى 24% من الأمريكيين يعتقدون أن «أوباما» مسلم، مقابل 47% يرون أنه مسيحى، بينما امتنع حوالى 24% عن الإدلاء بآرائهم. أمام هذا الجدل الواسع، فما كان إلا أن تدخل البيت الأبيض وعلى لسان متحدثه الرسمى الذى قال «إن الرئيس الأمريكى (باراك أوباما) مسيحى بدون شك.. فهو يؤدى صلواته اليومية.. ويقوم باستشارة مجموعة من القساوسة فى الكثير من الأمور».. إلى درجة أن أشارت بعض الجهات إلى أن رئيس الولاياتالمتحدة يؤدى صلواته عبر الهاتف، وفى نفس الوقت وعلى النقيض تماما أعلن رجل الدين الأمريكى المسيحى الإنجليكى «فرانكلين جراهام»، الذى سبق أن أدلى بتصريحات مسيئة للإسلام، قائلاً: «إن ماضى (أوباما) يثير الكثير من الشكوك بكونه مسلما.. أولا أنه تمسك باسمه الثلاثى «باراك حسين أوباما».. ثانياً أنه ولد مسلماً لأن أباه كان مسلما.. تماما مثل من هو لأم يهودية لزاما أن يكون يهوديا». وفى عام 1947 قامت مجموعة كبيرة من القادة العسكريين والسياسيين بالأمم المتحدة بتكوين مجموعة أو منظمة إنجليكية سرية أطلق عليها «العائلة»، وكان من أبرز المنتمين إليها عائلة «بوش»، وكان مقرها بالقرب من مبنى «البنتاجون» وقد أقامت هذه المنظمة تحالفاً مع الفاتيكان فى أمريكا اللاتينية، ضد رجال اللاهوت الليبراليين، مُشكلة هجوماً مزدوجاً ضد الكاثوليك والمسلمين، حيث أصبحت المحرك الأساسى للسياسات فى الولاياتالمتحدةالأمريكية عن طريق الإرساليات واللوبيات، هكذا وخلال هذه السنوات الأخيرة تركزت مهمتها فى استخدام الدين لأغراض سياسية، وليصبح الدين «شوكة» فى قدم «باراك أوباما» يستخدم بوسائل متعددة ومتنوعة، ولم يعد مستغربا تصريحات الرئيس الأمريكى السابق «جورج دبليو بوش» بأن «الله» يتحدث إليه.. أو أن الحاخام اليهودى المتطرف ينادى بموت وقتل كل الفلسطينيين.. وبالطبع يحدث نفس الشىء من بعض المتطرفين الفلسطينيين تجاه اليهود. وأكبر نموذج لاستخدام الدين لأغراض سياسية، اتضح فى «جواتيمالا» إبان الحرب الأهلية عندما قامت الكنيسة الرسمية بالتعاون مع الكنيسة اللاتينية - الأمريكية بهدف مساعدة الفقراء، هذا بعد أن وضعت نفسها داخل الإطار الاجتماعى والسياسى تحت ذريعة مساعدة المُعدمين، أمام هذا الإطار قامت الصفوة المسيطرة على الأوضاع السياسية والاقتصادية فى البلاد فى عام 1980 فى اعتناق المذهب البروتستنتى، الأمر الذى كان يعنى تسلط العائلات التى تملك رؤوس الأموال الاقتصادية والثقافية، والتى كانت تعتنق المذهب الكاثوليكى، وأمام الصراعات الداخلية فى البلاد اعتبروا أنفسهم «قارب النجاة» الذى سوف يقود الناس إلى السلام، فأخذوا ينظمون أنفسهم سياسيا من خلال العمل بأسلوبين، أولا تكوين اللوبيات التى مارست عملها فى شكل مجموعات ضغط، سيطر عليها رجال المال والاقتصاد وأصحاب رؤوس الأموال الذين يعتنقون المذهب البروتستنتى فكان لهم تأثير بالغ فى السيطرة على الناس.. ثانياً اتخذت هذه المجموعات من الصفوة السياسة هدفا لها وكأنها حزب سياسى يتطلع إلى تقلد السلطة، حدث هذا التحرك المنظم من خلال طريقين، أولاً عندما شهدت البلاد فترة حاسمة تحت حكم الجنرال «إفرام ريوس مونت» فى عام 1983، الذى كان يعتنق المذهب الكاثوليكى قبل أن يصبح بروتستانتياً، ورئيسا لكنيسة «فرب»، هذا الجنرال قدم نفسه للناس على أنه «مبعوث القوة الإلهية»، حتى يتمكن من حكم البلاد، وقيادته إلى طريق الإيمان والسلام، ثانيا كان الجنرال «ريوس» لا يرى الصراع الدائر مثل باقى أغلبية العسكريين، أنه صراع بين أيديولوجيتين أو نظامين سياسيين مختلفين، لكنه اعتمد فقط على المنظور «الدينى»، وكأن المسألة باتت حياة أو موتا، فيما بين قوى الخير وقوى الشر. فما كان الناس إلا أن انقسموا إلى مجموعتين، واحدة تضم هؤلاء الذين أنقذوا عن طريق اعتناق المذهب البروتستنتى، والأخرى الذين صنفوا على أنهم رجال الشيطان، أى المذهب الكاثوليكى أو الثوريون، فبالنسبة للجنرال «ريوس» أن تكون الحكومة فى يد بروتستنتى فهذا معناه أنها حكومة فى يد «الله»..!