هل نشهد هذا الموسم لعيد الفصح أفولا للمسيحية فى أمريكا، أم إنها بالأحرى لحظة إصلاح وتجديد، أم إنها الساعة التى سيحتجز فيها التدهور الذى كان ساريا؟ صار موت وبعث الدين، إن لم يكن موت وبعث يسوع المسيح، الموضوع المفضل بشدة لدى المجلات الإخبارية منذ أن طرحت «تايم» فى 8 إبريل 1966 السؤال الخطير «هل مات الرب؟». واستمر هذا الاتجاه الذى أعلن عنه على غلاف أسود وأحمر داكن ما يزيد قليلا على ثلاث سنوات. وربما كان السؤال الأصلى لم ينضج بعد. وعلى أى حال، عرضت «تايم» فى 26 ديسمبر 1969، غلافا مشرقا أبيض وأصفر وأزرق وقرمزى، يحمل السؤال الجديد المحمل بالأمل «هل يعود الرب إلى الحياة؟» ولم تدع النيوزويك معرفة حالة الرب فى أسبوع الفصح الحالى، ولكن غلافها يعرض تعبيرا صارخا تقريريا يفترض «أفول وسقوط أمريكا المسيحية». وفى المقالة التى كتبها البروفيسور جون مياشام الدارس شديد المعرفة بهذه القضية، عرضت بعض البيانات المفيدة، والجدير بالذكر أن عدد الأمريكيين الذين يعبرون عن عدم انتمائهم دينيا كان قد تضاعف تقريبا منذ 1990، من 8% إلى 15%. كما أشار مياشام أيضا إلى انخفاض 10 نقاط فى نسبة الأمريكيين الذين يعرفون نفسهم بأنهم مسيحيون من 86% إلى 76%. وأنا كمسيحى لا أجد هذه الأرقام مخيفة أو مثيرة للدهشة. فقد كان هناك نمو مستقر لفترة طويلة فى نسبة الأمريكيين الذين قال عنهم أندرو كوهوت الذى يقوم باستطلاعات للرأى إنهم «علمانيون»، وهم المنفصلون عن المؤسسات الدينية، الذين قد يصفون أنفسهم بالملحدين أو لا يفعلون ذلك. وحتى الآن لاتزال الولاياتالمتحدة تسير سيرا حسنا وراء أوروبا الغربية إلى هذا الاتجاه العلمانى. ولقد جعلتنا الهجرة أيضا أكثر تنوعا من الناحية الدينية، وسوف تقلل حجم الأغلبية التى يمثلها المسيحيون حتما. وفى الواقع، قللت الهجرة هيمنة البروتستانت منذ زمن طويل، حيث يشكل الكاثوليك الرومان الآن أكبر جماعة دينية فى الأمة. وكان هيربيرج قد كتب مقالا هاما فى علم الاجتماع الدينى فى عام 1955 تحت اسم «البروتستانت والكاثوليك واليهود». وإذا كان هنا إلى اليوم، لكان عليه أن يطلق على كتابه «البروتستانت والكاثوليك واليهود والمسلمون والهندوس والسيخ والبوذيون والتانيون والكونفوشيون.» وحتى هذا العنوان المبالغ فى طوله لن يغطى كل الاحتمالات. وفى الحقيقة، لقد مرت الولاياتالمتحدة بفترات عديدة تضاءلت فيها الحماسة والانتماء للأديان بشكل عام، ولكن يعاد استئناف الحالة الأولى فى انبعاث تال. المسيحية دين قوى بلا ريب. وسوف يرجع كثير من المؤمنين ذلك إلى قوة الحقيقة التى تدعيها، ولكن مرونتها أيضا تتحدث عن مدى قابلية رسالتها المحورية للتكيف مع التغيرات التى حدثت فى العالم. ولكن بالفعل هناك شىء ما قد تغير، ويرى كثيرون أن هذا التغيير سيقوى على المدى الطويل الكنيسة المسيحية الأمريكية أكثر مما سيضعفها. لقد عرفت المسيحية فى الولاياتالمتحدة لمدة تقترب من ربع قرن من خلال صوت وأفكار نمط شديد المحافظة من المسيحية البروتستانتية، التى صارت مع الزمن شديدة التسييس ومتحالفة بدرجة حميمة مع حزب سياسى وحيد هو الحزب الجمهورى. وللمحافظين المسيحيين الحق مثلهم مثل أى جماعة أخرى فى توجيه اهتماماتهم الأساسية إلى السياسة. ولكنهم بينما يفعلون ذلك، يضيقون الرسالة المسيحية. ويصبحون فى بعض الأحيان مدافعين عن السياسيين الذين لا يمكن بسهولة إطلاق كلمة متدينين على سلوكهم ومواقفهم، والتغاضى عن أن المسيح نفسه قد صار ضحية للظلم على يد إمبراطور جبار. ويلاحظ جيمس كارول فى كتابه الجميل «ممارسة الكاثوليكية»، أن الفكرة التى تمثل جوهر الرسالة المسيحية تفيد بأنه لن «يشرق نور الفصح» بدون «حلكة عتمة الجمعة العظيمة». إنها تستلزم «إعلاء الاستعداد لتقديم الخدمة على السيادة» والبعث الذى انقلب إلى «هزيمة تمثل نمطا من الانتصار». والحقيقة التى تأكدت على مر العصور أن الدين يفسد دائما عندما يفرط فى الاقتراب من السلطة السياسية. من الممكن أن تربح تجمعا انتخابيا وتخسر روحك، وأن تخطئ الوصول إلى انتصار سياسى من أجل خلاصها. إن تلك المقاربة للمسيحية هى التى تتناقص بلا ريب، حمدا للرب، وهو ما يعود جزئيا إلى أن المحافظين المسيحيين أنفسهم يعيدون اكتشاف رسالة الكنيسة إلى الفقراء والمرضى والغرباء والمنبوذين. وهو ما يتنبأ بحياة جديدة، وليس أفولا. يعرض عالم اللاهوت البروفيسور ه. ريتشارد نيبور انتقادا تقليديا حول الشعور بالاطمئنان الكامل تجاه العلامة المميزة للدين الأمريكى التى لم تقدم أى تحديات ولا تعرض أى مشكلات. وقال إن ذلك ينشر الفكرة القائلة بأن «ربا بلا غضب جلب رجالا بلا خطيئة إلى مملكة بلا قضاء عبر كهنوت لكنيسة بلا صليب». كان نيبور ينتقد نوعا محددا من المسيحية الليبرالية، ولكن تعنيفه ينطبق أيضا على كل المسيحيين شديدى التلهف على تأكيد إيمانهم إزاء النزوات السياسية والثقافية الحالية. الفضيلة ليست قليلة الثمن، والمسيحية التى تناضل مع نفسها تكون على طريق إعادة اكتشاف دعوتها الحقيقية. (c) 2009, Washington Post Writers Group