نشطت كل من القاهرةوأديس أبابا خلال الأسابيع القليلة الماضية لإقناع الدول المانحة لمشاريع التنمية المرتبطة باستخدامات مياه النيل بوجهتي نظر البلدين المتعارضتين حول دورها في التعامل مع الأزمة الناشبة بين دول منبع النيل -إثيوبيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا وكينيا والكونغو الديمقراطية وبوروندي- ودول المصب: مصر والسودان. وبعثت القاهرة بوفود رسمية رفيعة لزيارة الدول المانحة المعنية، وهى الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والدول الإسكندنافية الأربع وبلجيكا، إلى جانب المفوضية الأوروبية والبنك الدولي ومنظمة الزراعة والأغذية العالمية التابعة للأمم المتحدة. انصبت الرسالة المصرية لتلك الدول والجهات على تأكيد أن مصر ليست بصدد المطالبة بعرقلة مشروعات تنموية تسعى دول منابع النيل للحصول على دعم لها. «لكنها تريد من الجهات الداعمة ألا تحيد عن المبادئ المعمول بها في التعامل مع الدول المتشاركة في أي مجرى مائي بعدم السماح بمشروعات لا تكون محل توافق بين دول المنبع والمصب». على حد تعبير مصدر مطلع، ويضيف المصدر أن الموقف المصري «يتسق مع القانون الدولي في هذا الصدد. وتقول مصادر من بعض الدول المانحة: إن مصر ترى أن دور هذه الدول في المرحلة القادمة يجب أن ينصب بالأساس على مساعدة دول المنبع والمصب على تحسين كفاءة استخداماتها للمياه، وتشجيع دول المنبع «بما في ذلك إثيوبيا» على تقليل الفاقد والمهدر من مياه النيل. في الوقت نفسه، قالت مصادر الدول المانحة إن إثيوبيا -التي تمد مصر بالجزء الأكبر من حصتها السنوية من مياه النيل- تسعى بدورها مع عدد آخر من دول حوض النيل إلى إقناع الدول المانحة بأن الاستجابة للمطالب المصرية في هذا الصدد يعد «استمرارا للسياقات السياسية التي سادت في أثناء احتلال دول أوروبية لدول القارة الأفريقية» في القرن التاسع عشر. وتسعى إثيوبيا، حسب مصادر مصرية وأوروبية، للحصول على دعم لبناء ثلاثة سدود هائلة تتجاوز بكثير قدرة السد العالي فيما يتعلق بتجميع المياه، وهو ما يعني أن أديس أبابا يمكن أن تكون راغبة في الحصول على نحو عشرة بالمائة من حصة مصر السنوية المقدرة ب55 مليار متر مكعب، وهو أمر من غير الوارد أن توافق عليه القاهرة. وحسب بعض مصادر الدول المانحة، فإن هذه الدول لن تسارع إلى تقديم التمويل للمشروعات الإثيوبية المقترحة، ولكنها لن تبقى على هذا الوضع إلى الأبد بالنظر إلى استعداد قوى اقتصادية بازغة أخرى، خاصة الصين والهند لمد اليد لدول منابع النيل، بما فيها إثيوبيا، والتعاون في هذه المشروعات. وتقر المصادر المصرية بذلك الأمر، وتقول: إن «التحدي أمام حفاظ مصر على حصتها كبير. وسيستغرق الكثير من العمل وربما تقابله عراقيل لا يستهان بها». «على المدى المتوسط». «البحث عن الطاقة الحيوية أمر يشغل بال دول مثل الصين والهند والبرازيل وتايلاند وتركيا، وهذه الدول تسعى بالتأكيد للتعاون مع دول عديدة، بما فيها دول منابع النيل لزراعة مساحات ضخمة من المزروعات التي يمكن أن تستخدم محاصيلها في توليد الطاقة الحيوية مثل الذرة». قال أحد المصادر المعنية بالري. وعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية المتقاطعة تسعى مصر لتفادى الدخول في مواجهة علنية مع إثيوبيا بهدف الوصول إلى حزمة حلول تحقق المصالح الإثيوبية في التنمية دون النيل من حقوق مصر المقررة قانونا في المياه. في الوقت نفسه، تسعى مصر إلى تعزيز التقارب مع إثيوبيا، حيث تجري حاليا مشاورات لإنشاء مجلس أعمال مصري إثيوبي لدفع الاستثمار والتجارة بين البلدين. إلى جانب ذلك تسعى مصر إلى إعادة تعزيز علاقاتها عبر الدول الأفريقية بوجه عام. ويقول السفير محمد العرابي، مساعد وزير الخارجية للشئون الاقتصادية: إن المشاركة المصرية بوفد رفيع المستوى يرأسه أحمد نظيف رئيس الوزراء في قمة تعاون الدول النامية الثمانية في العاصمة النيجيرية منذ أيام «أظهر مدى الاستعداد الإفريقي للاحتفاء بمصر والرغبة الأكيدة في تأكيد صلات التعاون التاريخية بين مصر وباقي الدول الأفريقية». ويقدر عرابي أن تعزيز التعاون المصري مع الدول الأفريقية سيتزايد خلال الشهور القادمة، وذلك ليس فقط، على حد قوله، فيما يتعلق بملف مياه النيل «على حيوية هذا الملف»، ولكن بما يتصل بما يصفه «بأهمية متزايدة توليها مصر للتعاون في إطار الجنوب، وخاصة في الإطار الإفريقي» الذي يصر العرابي أنه ما زال عمقا هاما لمصر.